وليد شقير

خطأ الحسابات بين "حزب الله" وخصومه

7 حزيران 2023

02 : 05

قد يكون «الثنائي الشيعي» ولا سيما «حزب الله» بنى حساباته على جملة أمور جعلته يستبعد حصول اتفاق بين قوى المعارضة و»التيار الوطني الحر»، ما تسبب بقدر من الإرباك والتناقض في رد فعله على إعلان القوى المسيحية الرئيسة اتفاقها على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، وعلى «التقاطع» مع قوى أخرى إسلامية.

ورغم قدرة «الحزب» على استيعاب هذا الخطأ في الحسابات لدى قيادته، باعتماد النفس الطويل، بعدما كان «الثنائي الشيعي» يردد على الدوام أنّ قوى الفريق الخصم «مختلفة مع بعضها ولا تتفق على مرشح»، فإنّ الخطأ في استبعاد حصول الاتفاق يعود إلى أسباب عميقة، إمّا تدركها قيادته ولكنها تنكرها، أو أنّها لم تدركها بعد نتيجة انغماسها في فهم المعادلات الداخلية التي تتحكم بها معايير مختلفة عن معاييره في قياس المواقف السياسية في المفترقات، كما هي الحال في شأن الاستحقاق الرئاسي وظروفه الإقليمية. فقد تبيّن أنّ توسّع القاعدة السياسية الرافضة لسياساته فاق قدرته على تطويع المسرح اللبناني.

لم يكن استبعاد اتفاق القوى المعارضة لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية على دعم أزعور، بصرف النظر عما إذا كان الأخير سيصل إلى سدة الرئاسة أم لا، وحده الذي كشف عدم مطابقة الحسابات على واقع المعادلة السياسية. فالخطأ الثاني في استشراف ما هو آتٍ كان رهان «الثنائي الشيعي» على أن يؤدي اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران، والتواصل المستمر بين فرنسا وبين «الثنائي»، عبر مثابرة السفارة في بيروت على لقاءاتها شبه الأسبوعية، كما يتردد، مع «حزب الله» واتصالات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتقطعة مع رئيس البرلمان نبيه بري، إلى تليين مواقف قوى حزبية ونيابية حيال ترشيح فرنجية.

وحين جاهر الجانب الفرنسي بتأييده خيار رئيس «المردة» تشدد «الثنائي» أكثر بالثبات على مرشحه. لكن، في هذا الموقف تناقض فاضح مع ترداد قيادة «الحزب» وأمينه العام السيد حسن نصر الله، بألا يتكل خصومه على الخارج وألا يراهنوا على دعم دولي أو إقليمي لمرشح قد يختارونه، فيما هو والرئيس بري كانا يتكلان على أن يقنع الجانب الفرنسي المعارضين لفرنجية بتعديل موقفهم، وفي أسوأ الأحوال أن يؤدي عدم ممانعة المملكة العربية السعودية انتخاب أي كان وفق تفاهمها مع باريس، إلى اقتناع المترددين من النواب والقوى التي تأخذ في الاعتبار توجهات الرياض، بالانحياز إلى رئيس «المردة».

فلا فرنسا التي حذرت بعض القيادات المسيحية من مخاطر إبقاء الفراغ، ودعتهم إلى الإقدام على تسوية مع «الثنائي»، يفرضها ميزان القوى المحلي والإقليمي، استباقاً لحصول أزمة نظام تنتهي بخسارة جديدة للمسيحيين، تمكنت من إقناع القيادات المسيحية، ولا المملكة أظهرت استعداداً لممارسة نفوذها على بعض القوى السياسية الحليفة لها من أجل ترجيح كفة فرنجية. فالرياض، مع أنها حريصة على أن تنعكس مفاعيل تهدئة الصراع بينها وبين طهران على سائر ميادين الإقليم، ومنها لبنان، وعلى عدم عودة لغة الحملات المتبادلة التي كان لبنان أحد مسارحها، لم تصل إلى مستوى التسليم بتكريس هيمنة «الحزب»على البلد، رغم أنها تتصرف على أن لبنان يأتي في المرتبة الثالثة من اهتمامها بعد اليمن وسوريا، في علاقتها المستجدة مع القيادة الإيرانية.

التناقض في رهانات «الحزب» ومواقفه ونصائحه لخصومه لا يتوقف فقط عند دعوة الفريق الخصم إلى عدم تعليق الآمال على الخارج، ثم انتظار ضغوط الخارج على هذا الفريق للسير بخياره الرئاسي. فعضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق يلوم في كلمة له أول من أمس الخصوم بأن «شعاراتهم عالية السقوف وأكبر من أحجامهم، وبدأوا بالتراجع عنها، واليوم الحديث عن تبديل الأسماء هو إقرار بخطأ الحسابات السابقة». إذا كان ما قصده قاووق أنّ قادة قوى المعارضة أعادوا النظر ببعض الحسابات التي أخطأوا فيها، وغيّروا من مراهنتهم على دعم الخارج لمرشحهم السابق النائب ميشال معوض، فهذا يقود «الحزب» إلى الاستنتاج بأنّ خصومه عادوا عن توجه سلكوه في الأشهر الماضية، وأنّ اتهامه هؤلاء بـ»المناورة» وبفرض مرشحهم على الآخرين لا يستقيم، مع قوله إنهم «بدأوا بالتراجع».

واحد من الأخطاء في الحسابات لدى «الحزب» أنه لم يقم وزناً لخصومه من جهة، ولم يلتقط مدى جدية تنامي الاعتراض المسيحي حتى داخل الجمهور المسيحي الحليف له في «التيار الوطني الحر» على السياسات التي ساهمت في قيادة لبنان إلى ما هو عليه من عزلة، نتيجة هيمنته على السلطة فيه. عدم التقاط التغيير في المزاج المسيحي كان له دور أساس في اضطرار الرئيس السابق ميشال عون ورئيس «التيار الحر» جبران باسيل إلى الابتعاد عن «الحزب». فباسيل لم يعد يجرؤ على وضع بيضه في سلة واحدة مخافة المزيد من الخسائر في العهد الرئاسي المقبل.