ليس سهلاً فض التحالف الذي كان قائماً بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، لكن الطلاق وقع وساد الخلاف الذي ما عادت تنفع معه بركة مار مخايل ولا شفاعته. تحالف صمد في أصعب الظروف وأحلكها، وتجاوز قطوع الحرب في سوريا وحصار "حزب الله" وعدوان تموز، لفظ أنفاسه الأخيره في ضوء خطوة رئيس «التيار» جبران باسيل تأييد مرشح رئاسي يعارض «حزب الله» وصوله. قالها أحد نواب «تكتل لبنان القوي» لباسيل قبل مدة: كيف تعادي حزباً انفتح الجميع عليه وصبت تطورات المنطقة لصالحه؟ بينما سأله آخر: هل ننهي تفاهماً مع الشيعة ونحن انتخبنا بأصواتهم؟
كانت تنقص زيارة الرئيس ميشال عون إلى سوريا لترفع منسوب التوتر والخلاف بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله». في قراءة المصادر المطلعة على موقف «حزب الله»، أنّ عون قصد الرئيس الأسد مستعيناً به على «حزب الله» لتمسّكه بترشيح فرنجية فإذا به يسمع جملة ثنائية الأبعاد: إنّ فرنجية حليف والملف في عهدة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله.
ولو أن مصادر الرئيس السابق تنفي مثل هذا الكلام جملة وتفصيلاً وتؤكد أنّ عون لم يفاتح الرئيس السوري بالشأن الرئاسي ولم يقصده بشأن العلاقة مع «حزب الله» أو بشأن متعلق بترشيح فرنجية. لكن نفي عون لم يلغ الهجوم على الزيارة وترتيب أجوائها بشكل يسيء إلى العلاقة بين «التيار» و»حزب الله»، ما دفع المصادر المطلعة للقول كان يمكن للضاحية أن تكون أقرب للجنرال- الرئيس من مشواره الطويل إلى سوريا، لكن وكما يقول المثل الكنيسة القريبة لا تشفي، ولو أنّ الزيارة بحد ذاتها جيدة بالشكل ومهمة، أمّا في المضمون فيمكن لـ»حزب الله» أن يرتاح لما سمعه عون من الأسد ويتأكد بنفسه من المؤكد.
فرق شاسع بين رؤية «حزب الله» للمرشح الرئاسي ورؤية الحليف السابق جبران باسيل. الأول يريد مرشحاً رئاسياً مضموناً يحمي ظهر المقاومة بينما «لا تتجاوز حسابات الثاني الإعتبارات الشخصية برغبته العارمة ليكون مرشحاً للرئاسة» تقول المصادر. وبحجة عدم وجود إجماع مسيحي على مرشح الثنائي عارض ترشيحه لكن الإجماع المسيحي من وجهة نظر «حزب الله» كان يمكن توافره لو اتبع باسيل خيار حليفه الشيعي.
من يستمع إلى قراءة «حزب الله» عن الواقع الرئاسي يدرك أنّ الحزب الأقوى في المنطقة «يعاني من أزمة لكنه غير مأزوم». مرد الأزمة إلى الفيتو المسيحي على حليفه فرنجية لكن الأمر يتطلب برودة في التعاطي استدعت تعميم كلمة سر على النواب في «حزب الله» بتخفيف منسوب التصريحات التي تظهر الإختلاف في القراءة أو النبرة التي تظهر «الحزب» في وضعية المتشنج.
لن يتراجع «حزب الله» عن فرنجية. مبررات خياره كثيرة وهو المطمئن إلى توافر الحظوظ لإنتخابه رئيساً، مستفيداً من تجربته مع ترشيح الجنرال ميشال عون الذي انتخب بعد عامين ونصف وبنتيجة تسوية بين «التيار» وسعد الحريري وبين «التيار» و»القوات اللبنانية».
يرفض «حزب الله» المنطق الذي يبرر من خلاله باسيل اختياره لأزعور. لا يصدق كيف انتهى به الأمر حليفاً لحقبة وثّقها بنفسه من خلال «الإبراء المستحيل» واعتبار تياره أنّ أزعور جزء من المنظومة وليس كلها بينما يتهمون فرنجية أنه من المنظومة.
تراكمات بالجملة أوصلت العلاقة بين «حزب الله» و»التيار» إلى واقعها المأزوم «أعطونا الكثير أكيد وأعطيناهم أكثر بالمقابل». السبب لرفض باسيل لفرنجية يربطه «حزب الله» برغبة باسيل في الترشح للرئاسة بعد نهاية ولاية ميشال عون وهو أمر غير ممكن لإصطفاف كل القوى السياسية في مواجهته. في أول لقاء مع رئيس الإشتراكي وليد جنبلاط قال لوفد «حزب الله»: «المهم ألا يأتي باسيل للرئاسة». وباللغة ذاتها قال رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يرفض فكرة القبول بترشيح باسيل. لو تبنى «حزب الله» ترشيح باسيل لكانت معركته أصعب من معركة فرنجية وأكثر تعقيداً.
كان يمكن لباسيل أن يتخذ قراراً غير أزعور ولو كان صارح «حزب الله» لأمكن الإتفاق معه على خيار من الخيارات بدل أن يذهب إلى تبني ترشيح يعلم جيداً مقدار معارضته من «حزب الله»، ويصطف إلى جانب نواب يشهرون عداواتهم لـ»حزب الله». ورغم ذلك خرج يقول ليس المقصود عزل مكون لبناني، وهي العبارة التي لم يستسغها «حزب الله» فهل يعتقد باسيل أنّ حزباً بحجم «حزب الله» يمكن عزله؟
بنتيجة التراكمات المتبادلة ضاع عامل الثقة بين «حزب الله» وباسيل وفتحت الدفاتر القديمة والجديدة بينهما وحان وقت تصفية الحسابات. يمكن للطرفين أن يجتمعا مجدداً وأن يتعاونا ولكن الزمن الماضي تحول «بعدما انقلب باسيل على كل ما فعله مع «حزب الله»، وغلّب خياراته ومصالحه مع الجانب الأميركي». من الحديث وتقليب القديم والجديد تشعر وكأنّ «حزب الله» ارتاح من حلف ثقيل «ارتاح بالفعل من عبء حليف مضى على محاولة استرضائه سبعة أشهر ليختار في النهاية التحالف مع خصوم الحزب ويؤيد مرشحهم».
العلاقة بين «التيار» و»حزب الله» متوترة، كثر ركبوا موجة اللعب على وتر زيادة التوتر وملاقاة «حزب الله» في موقفه ضد «التيار». ليس سهلاً انتهاء تحالف كان سبباً في تقوية الحليفين، لكن وعلى ما يبدو فقد بلغ «حزب الله» درجة لم يعد يحتاج فيها إلى حليف مسيحي يحتضنه، بينما بات يسعى باسيل إلى التحليق بعيداً عن أية قيود ليثبت أن زعامته عصية على التطويع.