خالد أبو شقرا

خروج الأموال من البنوك مستمر على أوسع نطاق والودائع إلى مزيد من الإنحسار

الأسواق تصحّح نفسها بنفسها

3 نيسان 2020

04 : 00

تراجُع الودائع يصبّ في مصلحة القطاع العقاري (فضل عيتاني)

الودائع في القطاع المصرفي التي كانت تقدر بـ 177 مليار دولار، بحسب آخر المعطيات المتوفرة من العام الماضي، تشير إلى ان البنوك اللبنانية خسرت ما لا يقل عن 28 مليار دولار، في غضون أشهر قليلة على الرغم من تسكير "حنفية" خروج الأموال، واعتماد المصارف على النقد الأجنبي المتأتي من المصارف المراسلة لتلبية طلبات زبائنها.

التراجع "المفصلي"

الأرقام التي جرى التوصل اليها مؤخراً، يصح عليها صفة "المفصلية"، فهي تؤشر إلى نهاية النظام الريعي غير المستدام، وبداية مرحلة تصحيح ذاتية في الأسواق. أولى مؤشرات هذا التغيير هو التراجع الواضح في ميزانيات المصارف المجمعة، التي كانت تشكل 4 مرات حجم الإقتصاد.

التراجع في الودائع بحسب أحد المصرفيين "لا يعتبر فجوة بل حدثاً سليماً. فهو يؤشر إلى إطفاء ديون متعثرة بواسطة الودائع". لكن هل من الممكن أن يشير أيضاً الى استمرار تهريب الاموال إلى الخارج؟ يجيب المصرفي بالنفي. "فخزائن المصارف فارغة من العملات الأجنبية. وكل ما خرج من اموال في الفترة الأخيرة هو نتيجة عمليات تجارية لا أكثر ولا أقل".

انخفاض الودائع بهذه القيمة في ظرف شهرين يعتبر رقماً قياسياً جديداً، يتخطى خروج 16 مليار دولار عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والـ 9 مليارات بسبب حرب تموز في العام 2006.

أين ذهبت الأموال إذاً؟

يلفت أحد الخبراء الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى ان التحليل المهني لرقم تراجع الودائع يقودنا إلى أكثر من فرضية. وأبرزها:

- تحول قسم كبير من الودائع إلى شراء أصول وعقارات وخلافه في الآونة الأخيرة، خوفاً من الاستيلاء عليها أو فقدانها.

- عدم دخول المقبوضات والتي هي عبارة عن شيكات بنكية أو تحاويل مصرفية إلى حسابات المودعين بل جرى استخدامها لإطفاء ديون قديمة. وبهذا لم تدخل أموال الصفقات في حساب الودائع. وهذا ما يظهر جلياً في تراجع ديون المصارف من 55 مليار دولار في نهاية العام الماضي إلى 45 ملياراً اليوم.

- عمليات سحب للودائع من أجل تسكير ديون بشكل مباشر.

- امكانية خروج قسم من الودائع إلى الخارج أو إلى خزنات المنازل.

- سحب كميات كبيرة بالليرة اللبنانية من الودائع بالعملات الاجنبية وتحويلها إلى دولار في السوق الموازية من أجل تمويل عمليات الإستيراد من الخارج.

قوننة "الكابيتال كونترول"

إذا استثنينا مبلغ الـ 10 مليارات دولار الذي يمثل الديون المصرفية المسددة، فان الفجوة في حجم الودائع لا تزال ضخمة جداً وتقدر بـ 18 مليار دولار. من المستحيل ان يكون قد جرى خلال شهري كانون الثاني وشباط سحب أكثر من مليار دولار نقداً من المصارف في ظل وجود "الكابيتال كونترول"، ومن المستبعد أيضاً سحب أكثر من 3 مليارات لأغراض الإستيراد. وبالتالي فان هناك 14 مليار دولار استخدمت في علميات شراء عقارات وأسهم وزيادة حصص الإستثمار في المؤسسات والشركات، وتسديد ديون لآخرين من حسابات عالقة مقابل قبض مبلغ أقل في الخارج نقداً.

بالإضافة إلى الأموال الكثيرة التي سحبت من الودائع واستخدمت في المشتريات على نطاق واسع من أجل تهريبها من النظام المصرفي بعد فقدان الثقة، فانه من الممكن بحسب بعض التحاليل ان تكون هناك أموال نقدية "بنكنوت" قد خرجت من جديد منذ بداية العام. يعزز هذا الإفتراض عدم صدور ميزانيات مدققة للمصارف من قبل شركات المحاسبة الدولية. وبغض النظر عن حجم الأموال المهربة ونتائجها فهي تذكير مؤلم بضرورة قوننة "الكابيتال كونترول"، الذي لا يزال الخلاف عليه مستمراً.

تراجع الودائع المجمعة الى حدود 149 مليار دولار يعني من الجهة الأخرى تصغير الميزانية المجمعة للمصارف التي تفوق بأضعاف حجم الإقتصاد. وهو ما قد يكون الإيجابية الوحيدة المحققة.