وليد شقير

إقتلاع المعارضين من الإدارة

3 نيسان 2020

02 : 35

تشبه أزمة التعيينات في المواقع المالية أزمات سابقة شهدها لبنان في عهود شهدت محاولات لاقتلاع قوى سياسية من الإدارة، من خصومها.

البعض يشبّه طموح العهد الرئاسي الحالي باستبدال مسؤولين في الإدارة بآخرين موالين له، بتلك التعيينات التي جرت في عهد الرئيس أمين الجميل حين جاء برجالاته إلى الحكم عقب انتخابه رئيساً فعين هؤلاء في مواقع حساسة وسط صراع دولي إقليمي كبير، ساهم مناخه في انتقال لبنان إلى مرحلة جديدة من الحرب اللبنانية، وصولاً إلى انتفاضة 6 شباط العام 1984.

البعض الآخر يشبّه ما يسعى إليه الرئيس ميشال عون بمحاولته اقتلاع معارضيه وتوسيع رقعة الموالين لصهره جبران باسيل، بما حصل عند محاولة الوصاية السورية تدعيم نفوذها، حين جرى إبعاد رموز مسيحية عن الإدارة لمصلحة من يدينون بالولاء للقيادات المسيحية التي رضخت للنفوذ السوري بدءاً بانتخابات 1992 التي قاطعتها القوى السياسية المسيحية التي تتمتع بتمثيل وازن. وقاد ذلك إلى تراكم نقمة مسيحية تصدرها البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير بدءاً بلقاء قرنة شهوان، لا سيما بعد سجن رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع ونفي الرئيس الجميل والعماد عون.

وهناك بعض ثالث يشبّه ما يحصل هذه الأيام بما قام به الرئيس السابق إميل لحود مدعوماً من الوجود السوري وأجهزة المخابرات اللبنانية المتعاونة معه، التي يطل بعض رموزها برؤوسهم هذه الأيام، في مواجهة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط والقيادات المسيحية، في فترة إبعاد الحريري عن الحكم وتغيير طاقم واسع في الإدارة، يشمل جانباً من المستوى المالي. وشملت تلك المرحلة استخدام القضاء لإبعاد الرموز الحريرية وإدخال بعضها السجن ظلماً. وهي مرحلة قادت إلى تصاعد المطالبة بالانسحاب السوري، وإلى نقمة ترجمتها انتخابات العام 2000، ومن ثم إلى تصاعد الصراع وصولا إلى استيلاد اغتيال الرئيس الحريري لانتفاضة 14 آذار.

سواء تطابق ما يجري راهناً لجهة سلوك العونية السياسية مع إحدى المراحل الثلاث السابقة، أم تبين أن لكل حالة ظروفها المختلفة محلياً، أو لجهة اختلاط الداخلي بالإقليمي والدولي، أو تبيّن أنه يمكن إسقاط بعضٍ من المحطات التاريخية الثلاث على ما يشهده لبنان الآن، فإن الواضح أن الفريق المتعطش للاستئثار بمفاصل الدولة قام بذلك في الحكومة السابقة عبر استبعاد آلية التعيينات ورفضها، ويقوم بالاستئثار في الحكومة الحالية مستخدماً غطاء آلية للتعيينات.

المراحل السابقة كانت بداياتها ونهاياتها محكومة بأدوار 3 دول: الدور السوري الذي كان يستمد شرعيته من توافق في معظم المحطات مع السعودية، وبإجازة أميركية. في الظروف الراهنة لا وجود لسوريا التي باتت دولة محطمة. والسعودية غائبة كليا عن لبنان وغير مهتمة فيه، بينما حضور أميركا هو حضور المراقب، والتناحر اللبناني متروك للعبة الفرقاء المحليين الذين تختلف قدرتهم على اجتراح الحلول.

قد يكون رئيس البرلمان نبيه بري وهو من اللاعبين الرئيسيين، قادراً على التقاط أضرار ما يحصل للتخفيف من انعكاساته الطائفية والمذهبية، لكن اللعبة ضاقت لدخول لبنان شرنقة من الأزمات المتداخلة بين كورونا والوضع المالي الاقتصادي والمعيشي الخانق، في وقت تخضع خطوات الحكومة لتوجيهات أسبوعية من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله.