أحمد الأيوبي

لبنان بين اللامركزية والفدرالية: هل من إمكانية لقيام الدولة؟

16 حزيران 2023

02 : 00

الفدرالية نظام لا يرتبط بالتقسيم (رمزي الحاج)

بدعوة من «المؤتمر الدائم للفدرالية» إنعقد في بيروت يومي 13 و14 حزيران الجاري المنتدى الأول لـ»طريق السلام – معاً من أجل شرق أوسط ديمقراطي» بمشاركة 200 شخصية لبنانية وعربية ودولية وكردية مثّلت منظّماتٍ وجهات سياسية وثقافية واجتماعية، وجاء المشاركون من إيران والعراق ومصر وتونس وسوريا وليبيا والولايات المتحدة الأميركية وجنوب أفريقيا وبريطانيا وألمانيا، ليناقشوا على مدى يومين محنة السلام في العالم والبحث عن مخارج من دوائر العنف التي لا تكاد تهدأ في ساحة حتى تندلع في أخرى.

ورغم تناول أعمال المؤتمر قضايا ساخنة مثل القضية الكردية والوضع الحقوقي في إيران وقضايا المرأة، إلّا أنّ الشأن اللبناني كانت له حصّة وازنة من النقاش فرفع منظمو المؤتمر الدعوة إلى تطبيق النظام الفدرالي في لبنان، ليرفض الأمين العام للمؤتمر الدائم للفدرالية ألفرد رياشي اعتبارها تهمة أو تورّطاً بحركة انفصالية، بل «هي صيغة اتحادية وهي الطريق للسلام والحرية والديمقراطية».



جانب من اللقاء



اللافت أنّ المشاركين اللبنانيين كانوا متنوّعي الاتجاهات السياسية، حيث حضر مسؤولون وناشطون في «القوات اللبنانية» و»تيار المردة» وآخرون من توجّهات يسارية وإسلامية، ليكون المنتدى مساحة نقاش تتلاقح فيها تجارب ومآسي الجوار مع الواقع اللبناني، ولتنطلق أسئلة كبرى حول مصير شعوب المنطقة بعد سلالات الحروب التي أشعلت الأوطان وشرّدت القوميات ودمّرت النسيج الاجتماعي في المنطقة العربية وجوارها.

تطايرت الكثير من النظريات والأفكار في المؤتمر، لكنّ السؤال الأهمّ هو كيفية بناء الاستقرار الأمني والاجتماعي والدستوري والاقتصادي في مجتمعات تعاني من نزعات العنف والتطرّف ويسود فيها من قرّر الاحتكام إلى السلاح وفرض ما يريده من توجّهات فكرية وسياسية على الآخرين، متأثرين بمظلات إقليمية تستوحي الروح الإمبراطورية، ليصبح العرب والقوميات التي يتشاركون معها الأرض والتاريخ وهم محكومون معها بالحاضر والمستقبل، محاصَرين بين مشاريع لا تعترف بالحدود وتعلن أنّها تريد تصدير نظامها أو بسط احتلالها على بلادهم، والحديث هنا عن النظامين الإسرائيلي والإيراني، بينما يقف الحكم التركي في برزخٍ ما بين تثبيت نموذج العدالة والتنمية في الداخل، وما يعتبره تحقيق المصالح الحيوية في الجوار والخارج.

الفدرالية حلّ؟

يسأل اللبنانيون أمام استمرار إثارة الأفكار الداعية إلى الفدرالية، هل يمكن أن تكون حلاً لإشكالية الدويلة وسلاح «حزب الله» غير الشرعي، أم أنّ هذا السلاح ومرجعيته قادران على إجهاض كلّ محاولات إحياء الدولة بمنظومتها الدستورية والسياسية والمؤسساتية وعلى منع أيّ محاولة للخروج من شرنقة السلاح؟

بعبارة أخرى: إذا كان «حزب الله» قد أقام دولته فعلاً والتفت إلى السيطرة على بقية اللبنانيين من خلال دولةٍ مركزية متهالكة، كيف يمكن التعامل مع هذه المعادلة؟ وهل تعتبر الأصوات المستعجلة للطلاق أصواتاً متهوِّرة أم أصواتاً حكيمة تدرك ما تقول، لأنّها ترفض تعامل الحزب مع اللبنانيين على قاعدة «ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم؟»، وهنا لا يقتصر الأمر على ابتلاع الدولة في مناطق النفوذ المشتركة بين «حزب الله» وحركة أمل، بل يمتدّ ليصبح عدواناً على الجميع وفرضاً وتسلّطاً في كلّ الاستحقاقات، وأبرزها انتخابات رئاسة الجمهورية.

يرفض «حزب الله» النقاش حول اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، ويبني حائطاً سميكاً ليوقف النقاش حولها، وبالطبع هو يرمي دعاةَ الفدرالية بأنّهم تقسيميون... رغم أنّ الفدرالية نظام لا يرتبط بالتقسيم لا من قريب ولا من بعيد، بل يراعي الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للشرائح المكوِّنة للدولة.

ولد «حزب الله» من رحم نظام يطوّق فكرة التنوّع... وهو يتحرّك بالمنطق نفسه في لبنان، لذلك، يتعامل مع المسيحيين مِمّن حالفوه على أنّهم ضرورة المرحلة، وتعمل قنوات «الحزب» اليوم على ترويج وإقناع شرائح سنية بأنّ الأَولى استعادة التحالف السني الشيعي وعزل المسيحيين ورفض إعطائهم الأولوية في الدولة، وهذا يستدعي تغيير النظام السياسي ليصبح أكثر ملاءمة للمسلمين سنة وشيعة.

هنا تأتي خطورة الحديث عن مؤتمر تأسيسي لا يتوقّف عند مسألتي الفدرالية أو اللامركزية، بل سيكون محطة لتمزيق ما تبقّى من نسيج لبنان الذي بات مستهدفاً بميزاته التعدّدية والرسالية، وهذا ما رأيناه يتعالى عبر إعلام الممانعة في الأيام الأخيرة.

رغم أهميّة الاستحقاق الرئاسي غير أنّ الأهمّ الآن هو التقاط اللحظة الفاصلة بين القدرة على تثبيت الكيان اللبناني بصيغته الإسلامية المسيحية المنفتحة، واعتبارها المدخل لإعادة تطبيق اتفاق الطائف، أو أنّ أغلبية غالبة من اللبنانيين ستفضّل اللجوء إلى المفاصلة السياسية والمناطقية، بغضّ النظر عن شكلها القانوني أو الإداري، فاستمرار «حزب الله» في الضغط سيولِّد الانفجار بكلّ مخاطره التي لا يمكن توقّعها أو التحكّم بها.

سقطت هيبة سلاح «حزب الله» في الداخل، وهو لا يستطيع «تقريش» ما يعتبره انتصاراً له في الإقليم، ولم يعد يملك سوى سلاح التعطيل، وبما أنّ اللبنانيين لم يعد لديهم ما يخسرونه، فإنّهم مستعدّون للانتظار فلم تعد كلّ أشكال التهويل تخيف أحداً.


MISS 3