جورج العاقوري

"الطاشناق": برغماتية أم انفصام عن وجدان المعاناة الأرمنية؟!

19 حزيران 2023

02 : 00

منذ تفتح وعيي على الحياة السياسية وثمة تساؤلات تخالجني خصوصاً في زمن الوصاية السورية واضطهاد النظام الامني اللبناني – السوري عن أداء حزب «الطاشناق» الذي لدي في صفوفه أصدقاء كثر وأنا المناصر للقضية الارمنية: كيف لوريث معاناة شعب صلب كجبال آرارات، كيف لمؤتمن على تاريخ أول دولة اعتنقت المسيحية، كيف لحامل قضية إبادة معمّدة بالدم والدموع، كيف لمن يئنّ من وجع جرح سيادي نازف هو إقليم ناغورني كاراباخ أي أرتساخ، كيف له أن يكون في لبنان مهادناً كي لا أقول خانعاً أمام المحتل السوري؟

كيف له أن يكون إلى جانب الدويلة ولو على حساب الدولة؟ كيف له أن يغضّ الطرف عن معاناتي ورفاقي الطلاب في تسعينات القرن الماضي، عن نضالنا بوجه المحتل والاضطهاد والاعتقال وعن استشهاد رمزي عيراني و»البلنكو» و»الفروج» و»الكهرباء» على أجساد رفاقي وعن 4114 يوماً بالانفرادي لسمير جعجع تحت ثالث أرض؟

زادت تساؤلاتي حدّة حين زرت أرمينيا في تشرين الاول 2020 خلال الحرب الأخيرة في ناغورني كاراباخ، حيث توجّهت مع زملاء إعلاميين إلى ستيباناكيرد عاصمة أرتساخ على وقع القصف المدفعي والطائرات المسيّرة الـDrone التي لم توفر الاعلاميين. كما دخلنا إلى بلدة شوشي الاستراتيجية وهي أشبه بمدينة أشباح وانهمرت علينا القذائف في باحة كنيسة يسوع المخلص. هناك عادت بي الذاكرة إلى معاناة شعبي اللبناني، حيث كان الاهالي الأرمن يدافعون عن أرضهم وهويتهم وتاريخهم بالشجاعة والعنفوان والايمان قبل السلاح ورغم اختلال موازين القوى والتسلح. هناك خفق قلبي من جديد كما كان يخفق حين تنهمر في طفولتي صواريخ الغراد والـ155 والـ240.

أمّا في يريفان، فشعرت أنني في حضرة سيدة إيليج ورهبة الشهادة حين زرنا تلّة يرابلور Yerablur التي تحتضن منذ العام 1988 من يستشهدون في سبيل كاراباخ إلى جانب بعض القادة الرموز والأبطال المشهورين لدى الشعب الارمني، حيث عبق البخور والورود والدموع في حقل من الأضرحة لا بدّ أن يزهر يوماً. إنها تلة تحاكي تلة تسيتسيرناكابيرد Tsitsernakaberd حيث بُني النصب التذكاري لتخليد ضحايا الإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك بين عامي 1915 - 1918.

رحت أنظر إلى تضحيات هذا الشعب المقاوم العظيم وتحضر أمامي ممارسات حزب «الطاشناق» عندنا، فشعرت بحجم الانفصام عن تاريخ وحاضر الروح النضالية الارمينية. في يريفان، كانوا يحضّون الشباب للتوجه إلى الجبهة ولكن تحت لواء جيش الدولة لا ميليشيا دويلة. في سمائها لا يرفرف إلا العلم الارميني وعلم أرتساخ وفي شوارعها لا صور لزعماء محليين أو أجانب كما عندنا بل فقط صور الشهداء.

بالأمس، مع خروج «الطاشناق» مجدداً عن المناخ السيادي وشبه الاجماع المسيحي وعن التقاطع بوجه عنجهية السلاح وفائض القوة عبر تصويت نوابه لمرشح «الثنائي» النائب السابق سليمان فرنجية، عادت تساؤلاتي المزمنة تخالجني. ألم يدرك «الطاشناق» حتى اليوم أن سَيره عكس تاريخ شعبه بدأ يخسّره بيئته وهذا لا يعوّض أياً تكن مغريات السلطة والسياسة؟ لماذا الإنكار؟ ألم يقرأ بجرأة أرقامه في صناديق الاقتراع؟ لا ينفع التحجّج بعامل الهجرة الذي يصيب الجميع أو بمزاج الرأي العام جراء مناخ «17 تشرين» يومها، فالتراجع أكبر من أن تبرّره هكذا أعذار.

ففي مقارنة بسيطة بين الانتخابات النيابية في العامين 2018 و2022، تراجع في المتن حجم الاصوات التي حصدها النائب الصديق أغوب بقرادونيان 30.75%. في بيروت، تراجع مجموع الاصوات التي حصدها مرشحو «الطاشناق» 24.23 %. أمّا في زحلة، فشهد «الطاشناق» في انتخابات 2018 شرذمة جراء ترشيحه ماري جان بيلازكجيان التي رفدها «المستقبل» يومها بمئات الاصوات فحصد جورج بوشيكيان الذي ترشّح حينها على لائحة ميريم سكاف المئات من اصوات الحزبيين، قد لا تظهر نسبة التراجع بدقة عام 2022 لكنها اكيدة.

المكّون الأرمني جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني وزمن الغيتويات وشدّ العصب ولّى، لذا خير لحزب «الطاشناق» الذي نحترم أن يعيد حساباته السياسية قبل فوات الأوان وتحلّله شعبياً في صناديق الاقتراع. أقله فليعد إلى الخط السياسي التاريخي للأحزاب الارمنية الذي رفعته طيلة الحرب لواء الحياد والتمسّك بمشروع الدولة. فكل حزب لا يحمل هواجس وهموم بيئته ولا يصون هويتها التاريخية، يترهّل ويتحلّل لا محال.




MISS 3