شربل داغر

قلما أكتب في الليل

19 حزيران 2023

02 : 00

إذا كتبتُ فيه، فيكون ذلك اضطراراً، أو لسبب داهم، لا يمكن ردُّه، بل تصيدُه.

أكتب في الصباح، في تلك الهنيهات الباكرة، التي أخالني فيها... غائباً، فيما

أجدني حريصاً على تقبل ما يوافيني، ما اعتدتُ على بزوغه الباكر.

أكتب صباحاً، مثل مهنة يتوجب التقيد بها، عندما تدبّ الحركة في ما يحيط بي، أو قبلها.

تفكرتُ، في هذا الصباح، في أن ما يدعوني إلى الكتابة، لا يتعلق بما ظننتُ، وبما يظن غيري ربما.

تفكرتُ في كوني أكون، بعد الاستفاقة الأكيدة، أستنفر قواي، فيما يكون ذهني خالياً مثل ورقة بيضاء. أستنفرُها بما يناسب قلعَ أحجار من مقالعها. بما يوفر للجملة، لجملٍ متتابعة، ما يناسب نبضاً لها، ما هو أقرب إلى إيقاع.

هذا ما يوافيني في جلاءٍ لهذا الغامض، ما دمتُ - عندما أنتهي من كتابتي - أخرج منهك القوى، بعد أن استنفدتُ طاقتها في أن أمضي في ما شرعتُ فيه.

هكذا أحتاج إلى ذلك الخلاء، وإلى عالي الطاقة وشديدِها، ما دامت الكتابة لا تعتاد (عندي) انتهاجَ ما هو مسلوك قبلها. ما دامت تختط لنفسها دروباً غير مرئية لا تلبث أن تصبح أكيدة في حفرها، في تشكلها، في تأكدها.

لهذا لا يبدو الخروج منها مساوياً لتفقدها بعد الانتهاء منها. كما لو أن من اختطَها، هو غيرُ من يعود إليها.

بالطبع، إذ إن مَن تحرّى، أو تدبرَ انتهاج مسالكها، كان أقرب إلى من يُبادرها، من يراودها، من يغالبها... فكيف له أن يعاود زيارتها كمن يعرفها!

أعرف أن هذا قد لا يناسب غيري. أعرف أنه أقرب إلى مشي المسرنم في ليله الصاحي، في مشيته الحذرة. هذا أقربُ إليه، ما دام يتقدم، ولا يعاود خطوه، قبل أن يستعيد النوم من جديد.

صباح الخير، ما دامت الكلمات تنبض في ما هو إفاقةْ لِما هو فجرٌ يُنتزع من أشداق الغياب.


MISS 3