جورج بوعبدو

كرّمتها الجامعة اللبنانية الأميركية على مسيرتها الزاخرة

جورجيت جبارة: يسعدني أن أكرَّم حية

20 حزيران 2023

02 : 05

جبارة اثناء تسلّم الدرع متوسّطة رئيس جامعة LAU ميشال معوّض وزوجها روبير عريضة (فضل عيتاني)

ولدت في القدس من أب لبناني وأمّ فرنسية إسبانية. إنتقل والداها الى مصر حيث عاشت طفولتها فتعلمت في مدرسة الراهبات الإيرلندية. تعلّمت أصول الباليه مع الراقص المصري محمود رضا في القاهرة على يد معلّمة الرقص الألمانية «فريدل نيكولز». في العام 1957، بعد انتقال العائلة الى لبنان، شاركت في مسرحية «سندريلا» على مسرح اليونيسكو. إنهالت عليها العروض بعد ظهورها على الشاشة المحليّة بدور «الأميرة النائمة» كأول إمرأة لبنانية ترقص الباليه على الهواء مباشرة، فجالت العالم رافعةً اسم لبنان عالياً. إنها راقصة الباليه ومصممة الرقص العملاقة جورجيت جبارة. «نداء الوطن» التقتها على هامش تكريمها في الجامعة اللبنانية الاميركية، فدار حوارٌ مشوّق حول ذكريات الماضي وشجون الحاضر والمستقبل.



(تصوير فضل عيتاني)



تكرَّمين اليوم لمسيرتك الاستثنائية في عالم الرقص والباليه، ماذا يعني لك ذلك؟


يعني لي الكثير لأنه تقديرٌ جميل، وأشكر الجامعة اللبنانية الاميركية وإدارتها، وكلّ من ساندني في مشواري المهني الذي لم يكن سهلاً في بلدٍ يعجّ بالمفاجآت والمحطات غير المرتقبة. كان عليّ أن أرقص مع مراحل البلد المفصلية بليونةٍ كبرى لأحقق أحلامي، بالاضافة الى التكريم تخصّص الجامعة زاويةً لأرشيفي ما يثلج صدري، وأشكر نادرة عسّاف التي عملت على أرشفة مسيرتي. يسعدني أن أكرم فيما لا أزال حية على عكس ما جرت العادة مع كبار العمالقة في بلادنا.



شاركينا ذكرياتك عن أول مدرسة باليه أسستها في شارع الحمرا ومدرستك في زوق مصبح، وهل كانت المهمة صعبة؟



أسّست أول مدرسة لي في الحمرا بنفسي. ما كان لي أب يساعدني أو شخص يدعمني. كانت هناك مدارس عدة تعلّم الرقص، ولكن الكثير منها أقفل لأسباب مختلفة. أما أنا فأصرّيت على الاستمرار وكنت الوحيدة التي استحصلت على رخصة من رئاسة الحكومة. تطلّب الأمر جهداً كبيراً. صارعت المجتمع والحكومة في آن. كان صعباً الحصول على ترخيص من وزارة التربية كوني إمرأة. طلبوا أن يوقّع والدي أو أخي أو زوجي الأوراق نيابة عنّي، ولكن والدي كان متوفياً وما كان لي أخ أو زوج. وفي كل مرّة سعيت فيها الى الرخصة كانت المسألة تؤجل لأجل غير منظور. وبعد محاولات استمرت نحو العام ونصف العام، استشطّ غضباً أمام رجل تبيّن لاحقاً أنه من عائلة جبارة، وعلمت بعد حين أنه سكرتير رئيس مجلس النواب عادل عسيران، فساعدني في الحصول على الرخصة موقّعة من الرئيسين شارل حلو ورشيد كرامي العـــام 1965. كانت المدرسة التي أسستها فريدة من نوعها، اذ كان الهدف منها إنشاء فرقة للرقص الكوريغرافي، وكان أول أداء احترافي لي على مسرح الأشرفية لصاحبه أنطوان ملتقى العام 1966 في حضور ريمون إده والشاعر سعيد عقل. وحين حضر الأخير الأمسية التفت الى إده، قائلاً: «يا حضرة الوزير، إذا بتاخدوا كيلومتر من الّلي عم تصرفوا عليه لتعملوا أوتوستراد، بتعطوا كتير مصاري للفنّ بلبنان». كرّت سبحة الأمسيات الراقصة فكانت La Soirée de Ballet في فندقي «فينيسيا» و»مارتينيز» وقد جلت بها كل المناطق.



انتقلت بمدرستي بين المناطق بسبب الظروف والحرب فكانت اول مدرسة لي في الحمرا، ثم في عين سعادة، ثم في الزوق. شهدت منعطفات جميلة وأليمة، خصوصاً بعد اندلاع الحرب. العام 1982 مثلاً اضطررت للتخلي عن مدرسة الحمرا، بسبب الحصار الاسرائيلي والميليشيا المسلحة التي حوّلتها الى «مستوصف» لضحايا القصف، فلم استعد مدرستي إلا بعد مرحلة طويلة وبعدما اجتاحتها الفئران، ثم نقلت المدرسة الى عين سعادة، ثم الى الزوق. واذكر مرةً أنني تفقدت استديو الزوق عام 1986 لأكتشف أنّ قذيفة هدّت حائطاً بأكمله. ورغم ما شهدناه من أهوال بسبب الجهات المتناحرة لم أستسلم يوماً لليأس، فقدّمت أمسيات راقصة كثيرة في المدرسة، وكانت تلك معركتي الدائمة للبقاء.



(تصوير فضل عيتاني)



شهدت مدرستك مرحلةً ذهبية وضمّت في صفوفها أساتذةً مثل ناديا جمال.



كانت ناديا أكثر من صديقة. بدأنا مشوارنا سوياً في القاهرة مع مصمّم الرقص المصري محمود رضا، اذ كنّا نتعلم بالمدرسة ذاتها. بقينا على تواصل حتى بعدما أصبحت مشهورة، وحين قرّرَت السكن في لبنان اختارت تعليم تقنيتها الخاصة بمدرستي، فكنت أعلم الرقص الكلاسيكي فيما اهتمّت هي بالشرقي. كان الاقبال علينا كثيفاً لدرجة أننا كنا نتسبّب بزحمة سيرٍ خانقة في الشوارع المحيطة بالمدرسة.


كيف انطلقت إلى العالمية؟



بعد فترة من افتتاح مدرستي للرقص عرض علي المسرحي روجيه عسّاف والكاتب غبريال بستاني المشاركة بمهرجان المسرح العالمي في مدينة Nancy الفرنسية برعاية وزير التربية الوطنية والشباب السابق جاك لانغ. قدّمنا عرضاً رائعاً وحصدنا جائزةً قيمة. كانت تلك بداية انطلاقي نحو العالمية، أصبحت بعدها شخصاً يحسب له حساب في معهد المسرح الدولي لليونيسكو، ثم تبوأت مناصب عدّة، وسافرت الى فنزويلا، وكنت المرأة الوحيدة التي تمثل لبنان في هذا المضمار. تعرفت الى الراقصة السنغالية جيرمين أكوني. كانت فارعة الطول ببشرةٍ شديدة السواد وتدخن الغليون. أما أنا فشديدة البياض وقصيرة وأدخن السيكار. كان مظهرنا معاً مثيراً للفضول. شجعتني على خوض الانتخابات الخاصة بفئة الرقص فحصلت على 13 صوتاً. صوّت الجميع للبنان في حضور ممثلين لإلمانيا والدنمارك وفرنسا وأميركا وإسبانيا وبلجيكا والمكسيك، وهكذا أصبحت سكرتيرة «المؤسسة الدولية للمسرح».



أين لبنان اليوم في خريطة هذه المؤسسة؟أقفل مكتب المؤسسة في لبنان، ويا للأسف. ولكنني ما زلت أمثل لبنان عالمياً فيه لأن المؤسسة كرّمتني لمدى الحياة، علماً أنني مثّلت الدول العربية عام 2018 في كوبا، لمناسبة مرور 70 عاماً على تأسيس المؤسسة. قرأت حينها رسالتي أمام الجميع في حضور مصممة الرقص الكوبية أليشيا ألونسو، فقلت: «قدمت من لبنان لأقول لكم إنّنا في الرقص شخصٌ واحد»، فاشتعلت الصالة وعلا التصفيق وكان شعوراً لا يوصف.



(تصوير فضل عيتاني)


تحدّث كثيرون عن دورك في استقدام فرق رقص اميركية الى «مهرجانات بعلبك الدولية». هل هذا صحيح؟



نعم، ساهمت بإبعاد المهرجانات عما هو تقليدي، اذ كانت عادة تستقدم الـRoyal Ballet. كان لديّ رأي مختلف. فخلال رحلة لي الى أميركا أكتشفتُ عالماً جديداً في الرقص، ونسجتُ علاقاتٍ وطيدة مع فرق رقصٍ أميركية. تواصلت مع روجيه غصوب مدير المهرجانت فور عودتي الى لبنان وطالبته بضرورة تغيير النمط التقليدي السائد باستقدام فرق أميركية، خصوصاً أنها كانت أقلّ كلفة اذ لا يزيد عدد أفرادها عن الـ18 راقصاً يرقصون على موسيقى مسجّلة. هاتفني غصوب بعد شهرٍ وزفّ لي خبر انطلاق مرحلةٍ جديدة للمهرجانات. وهكذا في 16 تموز عام 1969، قدّم الراقص ومصمم الرقص الأميركي ألوين نيكولايس رقصة «الخيمة» على أدراج بعلبك، وكانت أمسية مذهلة علّق فيها التقنيون خيمةً بالهواء على أدراج بعلبك، أُنزلت لاحقاً على الراقصين بالتزامن مع أول خطوة لـ»نيل أرمسترونغ» على سطح القمر. كان الكلّ يشاهد العرض الساحر مستمعاً الى مذياع يمسكه الى جانب أذنه لمتابعة الحدث فيما راح المذيع يصيح: «خطا أول رجل خطوته على القمرّ»! كانت أمسيةً خيالية بمشهدٍ سورياليّ بكلّ معنى الكلمة.





(تصوير فضل عيتاني)



قـــــلـــــق ونـــــصـــــائـــــح



هل انت متفائلة أم متشائمة اليوم بالنسبة الى لبنان؟

لست بطبعي انسانة متشائمة، ولكن ذلك لا يمنع أنني قلقة، وأتساءل مراراً «الى أين نحن ذاهبون؟»، والى متى ستبقى عيوننا مغلقة؟ و»ما هوية الشخص العجائبي الذي سينقذنا؟».



كيف ترين مستقبل الـ»باليه» في لبنان؟


المشهد حزين بصراحة. كانت مدرستي في الزوق تمتد على مساحة 1200 متر مربع وتحمل اسم l›Ecole Libanaise du Ballet. كانت عندنا ثلاثة استديوهات كبيرة وناديا جمال تعلّم عندنا. أما اليوم فلا توجد مدرسة «باليه» تثلج صدري. لا أرى إلا دكاكين رقص، ويا للأسف، وليست عندنا مدارس حقيقية. والأكثر غرابة تلك السهولة لدى أصحاب هؤلاء الدكاكين في استخدام مفردة «أكاديمية». ومع كلّ خبرتي لم اتجرأ على استخدام كلمة «اكاديمية»، فاستخدمت مفردة «مدرسة» بدلاً منها.



ألا يلفت نظرك أيّ من الراقصين حالياً؟


طبعاً هناك راقصون مميزون على الساحة اليوم، كفرقة ميّاس مثلاً التي رفعت إسم لبنان عالياً. أنصح الفرقة بصنع هوية خاصة بها والابتعاد عن التقليد. ويلفتني كذلك مازن كيوان وسامي الحاج وعمر راجح.



ماذا عن فرقة كركلاّ؟


كركلاّ تمثلّ لبنان، ونقطة على السطر. لديها أفكار كثيرة وخيال واسع. هنيئاً لها هذا النجاح طالما ترفع إسم لبنان عالياً.



هل تحبين تحويل مسيرتك الى فيلمٍ سينمائي؟

لا أحبّ ذلك بصراحة. ربما لأن كلّ ما قدم عن سير المشاهير حتى الآن لم يكن مثيراً. ثم كيف يستطيعون إختصار مسيرة سنوات في ساعات قليلة؟



ألا تحبّين أن تتذكرك الأجيال القادمة؟


الجيل الجديد لا يعرف عنّي إلا القليل فغالبية هؤلاء لا يحبون البحث أو القراءة عن تاريخ الرقص بلبنان. نشرت كتباً عرّفت عنّي وعن مسيرتي بالرقص. صحيح أن ما حققته من إنجازاتٍ أصبح من الماضي، لكنني فخورة بنفسي وبما قدّمته للبنان والأهم من ذلك أنني ما زلت صامدة، وما زالت طريقتي بالرقص والموسيقى التي ابتكرتها لتدريب الراقصين تدرّس في أكاديميات عالمية وقد ساهم بنشرها تلامذتي الذين حملوا شغفهم بالرقص إلى العالم أجمع.



بمَ تنصحين الراقصين الجدد؟


اذا أردتم إتخاذ الرقص مهنةً حقيقية عليكم بالتدريبات المكثفة والدراسة، مما يتطلّب أعواماً من الجهد والكدّ والالتزام.



(تصوير فضل عيتاني)





(تصوير فضل عيتاني)






(تصوير فضل عيتاني)



(تصوير فضل عيتاني)



(تصوير فضل عيتاني)

MISS 3