سامي نادر

تدابير من دون إصلاحات... هواء في الطواحين

6 نيسان 2020

03 : 50

عبثاً يحاول صانعو القرار ابتداع الحلول وإصدار التعاميم لتخفيف العبء الإقتصادي على المواطنين. فإن لم يباشروا بالإصلاحات الهادفة إلى تقليص العجز وترشيق الإنفاق، تبقى كل جهودهم كالهواء في الطواحين. وحدها الإصلاحات قادرة على كبح الإنهيار ووقف الجوع الزاحف.

أثارت التدابير التي اتخذها مصرف لبنان في الفترة الأخيرة والداعية إلى تحرير ودائع ما دون الثلاثة آلاف دولار وصرفها بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق، زوبعة ردود. هناك من ارتاح اليها على قاعدة أنها أفضل الممكن في الوقت الراهن وهناك من رأى فيها تناقضاً في الأساس وتمييزاً في ما بين المودعين. الأمثلة عديدة على ذلك، تناقلتها منصات التواصل الإجتماعي. ربما أبلغها وأكثرها سخرية ما جاء في إحدى التغريدات: بعد التعميم الأخير أصبحت وديعة الثلاثة آلاف دولار تفوق قيمتها وديعة الـ 5000 دولار، فالأولى تحتسب على سعر صرف السوق والثانية على سعر الصرف الرسمي.

لم يعد من الممكن، ولا من الجائز معالجة شؤون البلاد والعباد، وفق هذا النمط على القطعة وغبّ الطلب، ضربة من هنا وضربة من هناك. ولنقلها بصراحة تارةً إستجابة لزعيم وطوراً رضوخاً له. هكذا يحط على طاولة مجلس الوزراء مشروع للـ"كابيتال كونترول"، ثم فجأة يتوارى عن الأنظار، وهكذا أيضاً يهبط مشروع التعيينات القضائية، ثم مشروع التعيينات المالية، ثم تختفي في الأدراج، بعد إصطدامها بنظام المحاصصة.

وبالعودة إلى التعميم الأخير لمصرف لبنان، أي تدبير من قبل مصرف لبنان أو من قبل الحكومة اللبنانية، يقضي بصرف أي مبلغ، إن لم يكن مرفقاً بإصلاحات جذرية، سوف يقود لا محالة إلى مزيد من التضخم، أي إلى انحسار في القدرة الشرائية للمواطنين. هكذا، ما يقدم للمواطن بيد، يسحب منه أضعافاً باليد الأخرى.

"لولرة" (أي تحويلها إلى الليرة) مدخرات صغار المودعين حتى لو وفق سعر السوق، هي عملياً طبع للعملة الوطنية. ولأن هذه الخطوة غير مرفقة بأي زيادة في الإنتاج، أو ضبط للهدر، ستترجم بزيادة في الأسعار. صحيح أن الحكومات في الخارج تلجأ إلى الضخ الكمّي والإنفاق الحكومي لمواجهة أزمات إستثنائية مثل تلك التي نعيش نتيجة تفشي كورونا، ولكن تلك الحكومات ليست لديها مديونية لبنان، ولا عجز موازنته، ولا أزماته الهيكلية. وبالتالي قدرتها على مواجهة ما بعد كورونا أكبر بكثير مما لدى البلد الصغير الذي فقد كل مقومات السيادة الإقتصادية.

أخيراً وإذا ما تمحّصنا بواقع الفئة الشعبية المطلوب مساعدتها وهي شريحة فقراء الحال (وفي المناسبة 50% من الشعب اللبناني أصبح ضمن هذه الفئة وفق دراسات البنك الدولي)، لرأينا أن مشكلة هؤلاء لا تكمن بتحرير ما لديهم في المصارف إنما بمساعدتهم على تسديد ما عليهم من إستحقاقات لصالح هذه المصارف من قروض، سكنية وإستهلاكية على أنواعها، معظمها مسطر بالدولار. وبالتالي أي تحرير لسعر الصرف وغير المرفق بخطة رصينة، توزّع كلفة الخروج من الأزمة بشكل عادل ما بين المواطنين، سوف يشكل ضربة تكون أولى ضحاياها الطبقة الفقيرة والمتوسطة الحال... هؤلاء أنفسهم المطلوب اليوم مساعدتهم.


MISS 3