يوسف مرتضى

جورج حاوي القائد الوطني والرؤيوي الفذّ

21 حزيران 2023

02 : 00

تحلّ الذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد القائد الوطني الكبير، الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني، جورج حاوي، ولبنان يترنّح في خضم أزمة سياسية مالية اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة مذ وضعت الحرب الأهلية أوزارها في العام 1989. أزمة تهدد ليس فقط ودائع اللبنانيين ومدخراتهم، بل أفقدت أكثر من نصف اللبنانيين مصادر رزقهم وتكاد تطبق على ما تبقى من موارد لدى نصفهم الآخر، وبات الجوع يطرق الأبواب. ونتيجة لذلك تتجه البلاد إلى فوضى عارمة تهدد اللبنانيين ليس فقط بلقمة عيشهم، بل بأمنهم ووجودهم، حيث نشهد تحللاً في مختلف مرافق الدولة ومؤسساتها.

كم كنت رؤيوياً ومتبصراً يا رفيق «أبو أنيس» لمستقبل لبنان في مواقفك ومبادراتك التي يفتقدها اللبنانيون اليوم. ففي تعليقك على اتفاق الطائف، في العام 1989 قلت حرفياً :

«إن لبنان بعد الطائف أمام احتمالات ثلاثة: إما أن يراوح مكانه، أي أن يعيد إنتاج نظام مأزوم، أو أن يستبدل هيمنة طائفية بأخرى من ذات النوع، أو أن تنطلق الجهود لبناء وطن العدالة والمساواة، عبر وضع آلية منهجية لإلغاء الطائفية السياسية».

وبعد مضي ثلاثة وثلاثين عاماً على إقرار التعديلات الدستورية وفق ما نصّ عليه اتفاق الطائف، ترانا نعيش ما توقعته بالتمام والكمال، الشيعية السياسية تطبق على الحكم غير آبهة بتجارب من سبقها من الطوائف الآخرى وكان مصيرها الفشل بعد وقوع خراب ودمار، ودماء ودموع.

الرفيق الحبيب، لقد كنت شاهداً قبل أن تنال يد الغدر منك، كيف أنّ النظام السوري قد عطّل خلال حقبة وصايته تطبيق الدستور، وحكمَ البلاد بنظام الترويكا والتحاصص الطائفي والمذهبي، بتغطية أميركية عربية، كجائزة ترضية له لقاء تغطيته للحرب الأميركية على صدام حسين لإخراجه من الكويت. ثم جاء التحالف الرباعي بين أفرقاء 8 و14 آذار ليكرّس مفهوم المحاصصة في توزّع مراكز السلطة في ما بينهم، ليُستكمل بعد 7 أيار في اتفاق الدوحة الذي وضع المكابح في عجلات تطبيق الدستور وقتل العملية الديمقراطية التي يقوم على أساسها النظام البرلماني الديمقراطي اللبناني، واستبدال ذلك ببدعة الديمقراطية التوافقية، وحكومة الوحدة الوطنية والميثاقية، والقوي بطائفته. وفي ذلك تكريس لمفهوم تحاصص السلطة وتغليبه على مفهوم بناء الدولة، وسعي أحزاب أفرقاء المنظومة الدائم إلى استخدام مقدرات الدولة لتقوية أحزابهم على حساب الدولة.

وبعد قرابة 7 أشهر من الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية ما زالت البلاد تدور في حلقة مفرغة، في وقت يعاني فيه 70% من اللبنانيين أسوأ الظروف المعيشية.

ولذا أرى اليوم ما رأيته أنت قبل ثلاث وثلاثين سنة، أن لا أفق للخروج من الأزمة إلا بولوج خيار الدولة على قاعدة تطبيق الدستور من دون استنسابية أو اجتزاء، وتفعيل العملية الديمقراطية بممارسة واجب الانتخاب بعيداً من التوافق التحاصصي لتكون هناك أكثرية تحكم وأقلية تعارض، لنبني وطن العدالة والمساواة عبر وضع منهجية لإلغاء الطائفية السياسية وبناء دولة المواطنة المدنية كما تنص عليه المادة 95 من الدستور.

رفيقي جورج، أخاطبك اليوم وبعد ثمانية عشر عاماً على غيابك، كما اعتدت على مخاطبتك وانت بيننا حين يتعذّر اللقاء، إنني بغاية الشوق لحضورك المحبب، حضورك الذي لم يجعلني يوماً إلا كثير الثقة بالغد، حضورك الذي جعل من المتاريس جسور تواصل بين اللبنانيين، وحوّل كتل الحقد الصماء عند الخصم، إلى لغة محكية، هي أقرب إلى العقل منه إلى الغريزة.

اليوم للأسف وبعد هذه السنوات على غيابك ومبادراتك للإنقاذ الوطني، أكاد أقول إنه تبخر ما كان من عقل عند الطبقة الحاكمة التي تريد للشعب اللبناني أن يستغرق في مستنقع الغرائز، فتتابع مطمئنة بعبثها في مستقبل البلاد والعباد. ولكن دعني أطمئنك إلى أن ما يزرع الأمل في نفوسنا بإمكانية تخطي المأزق الذي تعيشه البلاد، هو بروز التصميم عند العديد من أفرقاء ثورة 17ت1 ونحن في قلبها مستلهمين من رؤيتك لمستقبل لبنان وطن العدالة والمساواة. ومع ذلك نحن نفتقدك، وكذلك لبنان الذي دفعت حياتك ثمناً لبقائه سيداً حراً مستقلاً في دولة الحق والقانون يفتقدك.

طوبى لك في عليائك. باقٍ في قلبنا وذاكرتنا ما حيينا.


MISS 3