جنى جبّور

د. كارول سعادة: الأب أساس قوة شخصية الأبناء

21 حزيران 2023

02 : 01

"هو ذاك الذي تَطلب منهُ نجمتين فيعود حاملاً السماء"، هذا هو الأب الذي نحتفل بعيده اليوم في ظلّ أوضاع صعبة جدّاً تثقل كاهله وتحمّله الكثير من الضغوطات النفسية والمسؤوليات ما يفرض علينا تقديره وإحاطته بالعاطفة وتزويده بجرعة كبيرة من الحب تحفّزه على الإستمرار بصلابة... اليوم وكل يوم. ولأنّ مجتمعنا قد يظلم الأب وصورته التي نربطها غالباً بالقوة والصلابة، ولأنّ العيد يمرّ باهتاً أحياناً مقارنةً بعيد الأم، التقت "نداء الوطن" الدكتورة كارول سعادة، إختصاصية في علم النفس العيادي لنتوقف معاً عند أهمية دوره والإجابة عن الأسئلة التي تراودنا بشأنه بين الحين والآخر.



لماذا نشعر وكأن عيد الأم يفوق عيدَ الأب أهميةً؟

اجتماعياً، نشعر وكأننا لا نوفّي الأب حقّه في عيده لأسباب كثيرة منها تاريخية لا واعية وعميقة ترسم الأم بصورة المضحّية والمربية والأقرب الى أولادها، بينما تصوّر الأب على أنه القوي الصلب المتسلّط والبارد وبالتالي لا يحتاج الى الاهتمام، إلّا أنّ في داخله مشاعر مختلفة تماماً، يرفض إظهارها أو التكلم عليها. التغيير الحاصل في المجتمع يحتاج الى وقت لإظهار تطوّر دور الأب المهم في العائلة، من دون أن ننسى تعلّق الأنثى بالأمور الرمزية الأمر الذي يسلّط الضوء أكثر على عيد الأم تجارياً واجتماعياً.

ولأن الأب يرفض الإفصاح عن هواجسه أو التعبير عن مشاعره، أدعو الجميع الى تقدير آبائهم بشتى الطرق ومعايدتهم اليوم وكل يوم وإحاطتهم بالحب والحنان والعاطفة، ولا سيّما في ظل الضغوطات النفسية التي يعيشها هؤلاء إزاء الأوضاع المهترئة في البلاد.



الدكتورة كارول سعادة



تمنح الأم بعد ولادة طفلها إجازة أمومة، الأب لا غالباً. لماذا؟

في المراحل الأولى بعد الولادة، تؤدي الأم الدور الأكبر من ناحية الاهتمام بالطفل، وهذا ما يفسّر غياب إجازة الأبوّة عن بعض البلدان، انطلاقاً من أنها هي التي تهتم بمأكله ونومه فضلاً عن علاقة الاندماج والانصهار بينها وبين الرضيع.

وهنا بالتحديد يؤدي الأب دوراً أساسياً في قطع هذه العلاقة وتحويلها الى أخرى ثلاثية تجمعه مع زوجته وولده، ما ينعكس إيجاباً على صحة الأم النفسية والطفل أيضاً.



لا يتفاعل الأب الجديد مع مولوده كالأم، ما يغضب شريكته غالباً. كيف يفسّر هذا التصرف؟

يجب أن نفهم أنّ علاقة الأم تبدأ منذ لحظة تكوين جنينها في أحشائها، بينما يتحضّر الأب لهذه العلاقة رويداً رويداً، وأحياناً لا تبنى إلّا بعد أشهر من الولادة، أي عندما يبدأ الطفل بالتفاعل مع والده، ما يسلط الضوء على الدور الذي تلعبه الأم في هذا الموضوع من ناحية تحفيز شريكها وفتح المجال له لتكوين العلاقة كما يجب.



ما الدور الأهم الذي يؤديه الأب على مستوى تربية أولاده؟

الحماية أهم دور حمله الأب عبر التاريخ، فلطالما كان الأقوى جسدياً وتمكّن من إبعاد الأخطار والتعدّيات عن عائلته، وما زال الآباء يحتفظون بهذه الصفة في اللاوعي لديهم، وتفسّر اليوم من خلال الهاجس الذي يتملّكهم ولا يمكنهم التخلي عنه ألا وهو تأمين الحاجات الأساسية لأبنائهم.

على المستوى النفسي، تعزيز ثقة الأولاد بأنفسهم، دور لا يقل أهميةً عن "الحماية" ومن خلاله يفتح الآباء مجال الاستكشاف أمامهم، وهو ما يبرع فيه الآباء أكثر من الأمهات بحسب ما تظهره الدراسات، لأنّ الأم بطبيعتها أكثر ميلاً الى تأمين الحماية للطفل وإبعاده عن أي خطر ممكن أن يتعرّض له، بينما يتمتع الأب بالشجاعة الكافية التي تدفع الولد الى استكشاف الأمور من خلال اللعب أو غيرها من الطرق، مانحاً إيّاه ثقة بنفسه.



أصبح الآباء أكثر مرونة في التعامل مع أولادهم. كيف يفسّر ذلك؟

تبدّلت صورة الأب عبر العصور ودوره أيضاً، فبتنا نرى الآباء يشاركون في تربية أولادهم ويغوصون في تفاصيل الحياة العائلية، عكس السنوات الماضية التي اقتصر فيها دوره على تأمين المستلزمات المادية لعائلته مقابل التربية التي كانت الأم تحملها وحدها على عاتقها. كذلك، لم نعد نعتبر الأب رأس العائلة الذي يرمز الى السلطة ويتفرّد بالقرار النهائي فحسب، بل أصبح يتّخذ القرارات بالتفاهم والحوار مع شريكته، وبالتالي نتحدث عن تقسيم للأدوار بطريقة يكمل الشريكان بعضهما بعضاً بما يصبّ في مصلحة عائلتهما.

يتذمّر بعض الأولاد من سلطة آبائهم. ما أهمية دورها في التربية؟

السلطة أساسية جدّاً جدّاً في تربية الأطفال، بعيداً عن التسلّط طبعاً؛ السلطة الإيجابية، هي التي يحدّد الأب بمشاركة الأم من خلالها الإطار (القوانين والحدود) الذي يجب أن يعيش أولاده ضمنه والالتزام به. وكلما كان أفراد العائلة متفقين على هذه الحدود سارت الأمور بشكل صحي أكثر في المنزل، شرط أن تكون مدروسة. هنا نشدد على أهمية أن يتمتع الأب بالحكمة لبسط سلطته فاتحاً المجال للحوار والاستماع الى وجهة نظر أولاده وحاجاتهم، فيشعرون أنهم يتمتعون بمساحة حرية مبنية على الثقة.

ومن خلال التماهي ونظرة الولد الى والده، يتحوّل الأب الى المثال الأعلى ما يساعد الطفل على تقوية مرونته النفسية وقدرته على التحدي وتخطي الصعوبات وخوض المغامرات. مع الإشارة الى أنّ الأمور تختلف من شخصية أب الى آخر.

ما عواقب تهميش الأب؟

إنه أمر خطير جدّاً... يعني تهميش مصدر الثقة والقوة والأمان وغياب الصلابة والتقرب أكثر من الصورة الأنثوية من ناحية العاطفة والحنان. التوازن واجب وإلّا كثرت التداعيات السلبية على الطفل وحتّى الأكبر سنّاً.

على الصعيد النفسي كيف نخفّف عمّن خسر والده؟

رحيل الأب من أصعب الأمور في الحياة، معه يخسر الفرد سنده الأكبر ومصدر الأمان والثقة والقوة. لا شيء يمكن أن يبدّل هذا الشعور ولا أحد يمكن أن يعوّض هذا الفقدان. واليوم، يمكن للمحيط أن يقدم دعماً نفسياً وعاطفياً لمن خسر والده من خلال فتح المجال له للتعبير عن حزنه واشتياقه.


MISS 3