باسمة عطوي

ندوة عن الأموال المتأتية من الفساد... والحفاظ على حقوق الدولة

توزيع الخسائر لا ينفي ملاحقة المسؤولين عنها

23 حزيران 2023

02 : 01

ماري كلود نجم

إكتسبت ندوة «استرداد الاموال المتأتية من الفساد والمحافظة على حقوق الدولة اللبنانية ومصالحها» التي دعا اليها رئيس جامعة القديس يوسف البروفسور سليم دكاش يوم الاربعاء، نكهة خاصة ليس فقط «لدسامة محتواها» ومجاراته لمتطلبات الازمة المالية التي تجتاح لبنان وكيفية تحقيق العدالة المنشودة للمودعين في استرداد اموالهم، بل أيضاً «لحرفية» المحاضرين الذين شاركوا في الندوة سواء على المستوى الأكاديمي أو المهني في لبنان وخارجه.

صحيح ان نجم الندوة كان محامي الادعاء في فرنسا ومؤسس جمعية «شيربا» ويليام بوردون الذي يزور لبنان حالياً، الا أن المقاربة القانونية التي قدمتها كل من وزيرة العدل السابقة الدكتورة ماري كلود نجم ورئيسة دائرة تنفيذ المتن القاضية رنا عاكوم حول كيفية استرداد الاموال المتأتية من الفساد، شكلت قيمة مضافة لكلام بوردون، كما برع الاستاذ المحاضر في القانون الضرائبي الدكتور كريم ضاهر في ادارة الندوة وفتح آفاق جديدة للنقاش، وتوضيح معلومات قد تكون ملتبسة على الجمهور غير المتخصص بشؤون القانون والقضاء.

إسترداد الأموال ممكن

تميّزت الندوة ايضاً بحضور قضائي ونيابي لافت وعلى رأسهم رئيسة هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل هيلينا اسكندر، وكانت البداية بكلمة ترحيبية للرئيس دكاش ثم مداخلة لنجم شرحت فيها «كيفية المحافظة على الحقوق ومصالح الدولة اللبنانية ومسار العوائق والتحديات». فلفتت الى أنه «منذ ما قبل 17 تشرين 2019 كانت المطالبة بمكافحة الفساد المستشري واسترداد الاموال الناتجة عن الفساد تعتبر امراً ضرورياً. أما اليوم، فطرح هذا الموضوع هو في اتجاهين. فهناك اناس يعتبرون ان استرداد الاموال المنهوبة يمكن ان يحصل فوراً او بخطة المالية، والموقف الثاني ويمثل الاكثرية يعتبرون ان استرداد الاموال هو مجرد شعار لن يؤدي الى نتيجة ويتعزز هذا الرأي بحالة اليأس والاحباط بسبب غياب اي اشارة ايجابية في البلد».

آليات وقضاء ومحاكمات

أضافت: «الحقيقة تقع بين هذين الموقفين النقيضين، فاسترداد الاموال ليس شعاراً فارغاً بل ممكن عبر آليات محددة وهو ليس سهلاً وأبرز أسسه هو القضاء والمحاكمة والأدلة، لذلك لا يجب الخلط بين توزيع الخسائر بخطة مالية وبين ترتيب المسؤوليات القانونية في القضاء بالرغم من الترابط بينهما»، معتبرة أنه «حين تكون هناك خسائر في القطاع المصرفي في اي نظام رأسمالي حر، يتمّ استعمال رأسمال المؤسسة لاطفاء الخسائر اي البدء بالمساهمين ثم الدائنين والمودعين، وهنا يجب التمييز بين مودعين كبار استفادوا من فوائد عالية وبين مودعين وضعوا تعويضاتهم في المصارف لتأمين حياة كريمة».

ترتيب المسؤوليات القانونية

ورأت نجم أن «ترتيب المسؤوليات القانونية يتطلب تدخل القضاء ليساعد في اعادة بعض التوازن المالي في ظل ضخامة الخسائر والانهيار، وهذا يعني فتح تحقيقات وتقديم طلبات مساعدة قضائية من الخارج وتدابير وحجز الاموال ومصادرتها واعادتها الى الدولة، والتأكد من سلامة انفاق الاموال المستردة في مكانها الصحيح كي لا تعاود تغذية الفساد»، موضحة أن «دور الدولة في المحافظة على حقوقها اي المحافظة على حقوق المواطنين يتم من خلال اتخاذ صفة الادعاء الشخصي في الملف المعني، كي تصبح فريقاً في الدعوى ويحق لها الاطلاع على الملف واتخاذ الاجراءات التي تراها مناسبة والمطالبة بالتعويض عن الضرر بعد حصول الجرم».

دور هيئة القضايا

أردفت: «مؤخراً حصل نقاش بين دور الحكومة والوزراء وهيئة القضايا في وزارة العدل حول توكيل محامين لحجز اموال سلامة في الدعوى الفرنسية المقامة ضده في القضاء الفرنسي، والقانون أعطى الهيئة صراحة صلاحية تمثيل الدولة. وقد أذعنت السلطة السياسية لاحقاً لهذا الامر بتكليف محاميَين لتمثيل الدولة اللبنانية امام القضاء الفرنسي»، مشيرة الى أن «السؤال هو متى يمكن لهيئة القضايا التحرك ومدى استقلاليتها لاسترداد الاموال الناتجة عن الفساد. والجواب هو أن هيئة القضايا هي جزء من المؤسسات العامة ومهمتها حماية مصالح الدولة في ظل تقاعس السلطة التنفيذية، وقد راسلت هيئة القضايا وزارة المالية لمباشرة الدعوى (ضد سلامة) ولم يأت الجواب، واعتبرت صمت الوزير هو موافقة ضمنية واتخذت صفة الادعاء الشخصي، وهذا نهج جديد يضع المراجع السياسية امام مسؤولياتها ويخفف هيمنة السلطة السياسية عليها ويعزز قدرتها للدفاع عن الدولة، ولذلك الموقف الذي اتخذته الهيئة في دعوى سلامة صحيح وصادق كونه من مهامها الاساسية».

حان وقت محاسبة المصارف

ركّز بوردون في مداخلته عن دور المجتمع المدني ودور الدول في استرداد الاموال المتأتية من الفساد، مشيراً الى أن «الحاكم رياض سلامة خان الثقة الممنوحة له»، وشدّد على أنه «لا يمكن مكافحة الفساد من دون استقلالية القضاء ومن دون ان يكون المجتمع المدني محميّاً من قبل الدولة، وحالياً كل موازين القوى هي لصالح من يحاولون مكافحة الفساد في لبنان، والدول عادة لا تتحرك الا بضغط من المواطنين»، وتحدث عن تجربته لمحاكمة حكام أفارقة فاسدين، معلناً أن «محاكمة سلامة شارفت على نهايتها وبعد الانتهاء من ملفه في نهاية العام على الاكثر، سيتم الانتقال الى الاهتمام بالمسؤولية الجزائية للمصارف في الازمة ولا سيما فروعها الاوروبية التي تسلمت عشرات مليارات الدولارات».

وختم: «هناك دينامية جديدة اطلقها بعض القضاة الاوروبيين، وهناك نقاش عام بينهم حول كيف تمكنت الاوليغارشية اللبنانية من الحصول على الحماية في دول اوروبا وهذا النقاش سيوصل الى نقاش قضائي لاحقاً».

آليات قانونية لاسترداد الأموال

ثم تحدثت القاضية عاكوم عن آليات استرداد الاموال التي يمكن ان تكون داخل لبنان او خارجه، مشيرة الى «ان هناك طريقين... الأول في الخارج إما بطلب مساعدة قانونية متبادلة بصورة رسمية من الجهة المركزية اي وزارة العدل بعد صياغته من قبل، إما النيابة العامة التمييزية او هيئة التحقيق الخاصة، ففي الحالة الاولى يمكن ان يكون من صياغة النيابة العامة او من قبل احد المراجع الجزائية. أما في الحالة الثانية اي هيئة التحقيق الخاصة فالطلب الوحيد الذي يمكن ان تتقدم فيه هو طلب الاستحصال على معلومات بالحسابات المصرفية التي يشتبه ان تكون تحتوي على اموال تبييض وفساد».

أضافت: «المسار الثاني هو طلب المساعدة غير الرسمي، وهيئة التحقيق الخاصة هي عضو في شبكة ايغمونت التي يمكنها تقديم المعلومات بسرية تامة، أما المسار الثالث فهو تقرير الدولة عبر هيئة القضايا والاستشارات في وزارة العدل اقامة دعوى للمطالبة باسترداد الاموال ضد مرتكبي الجريمة»،لافتة الى أن «المسار الجديد هو فرض عقوبات من قبل الدولة على اصحاب الجرائم واصحاب الاموال غير المشروعة كما يحصل في بريطانيا وسويسرا. اما الاسترداد من الداخل فيكون من خلال الملاحقة الجزائية للشخص الذي ارتكب الجرم امام القضاء المختص، او الاتكال على قرار اجنبي اتى من الخارج لاعطائه الصيغة التنفيذية او للاستناد عليه لتقديم شكوى حجز احتياطي امام دائرة تنفيذ لحجز الاموال بشكل الاحتياطي».

وختمت: «في ما يتعلق بتنفيذ القرارات الاجنبية يجب التمييز بين المدنية والجزائية منها، فالقرار الجزائي ليس سهلاً تنفيذه في لبنان انطلاقاً من مبدأ السيادة اللبنانية، اما القرارات المدنية فسهلة التنفيذ، والوسيلة لتنفيذ هذه المسارات هو القانون الذي صدر في العام 2020 لمكافحة الاثراء غير المشروع الذي حرر القاضي اللبناني من الكثير من القيود الاجرائية لادانة مرتكبي الجرائم، وهو منسجم مع اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد».


MISS 3