آدم ماونت

القواعد النووية الأميركية تسمح بتكرار كارثة هيروشيما حتى الآن

24 حزيران 2023

02 : 00

رجل وسط أنقاض هيروشيما في اليابان | 6 آب 1945

في 18 أيار، سافر الرئيس الأميركي جو بايدن إلى هيروشيما، في اليابان، لمقابلة قادة مجموعة السبع وناجين من القنابل النووية ومناقشة مسألة تخفيض مخاطر الحرب النووية ومواضيع أخرى. هو كرر ما فعله الرئيس السابق باراك أوباما الذي زار هيروشيما في سنته الرئاسية الأخيرة. عبّر أوباما حينها عن حزنه بسبب ما أصاب ضحايا تلك الكارثة خلال خطاب قصير، لكنه لم يُعبّر عن أي مشاعر ندم وأصرّ مستشاروه على أنه لم يعتذر على ما حصل، بل تطلّع أوباما إلى مستقبلٍ تصبح فيه هيروشيما وناغاساكي «نقطة بداية لصحوتنا الأخلاقية».

لكن أثبت بايدن وإدارته التزاماً غير مألوف بالتكفير عن أعمال العنف ومظاهر العنصرية الماضية التي لا تزال تُضعِف الأسس الأخلاقية للولايات المتحدة. أعلنت وزيرة الداخلية، ديب هالاند، عن إجراء تحقيق واسع حول حملات التطهير العرقي في المدارس الداخلية الفدرالية الخاصة بالأميركيين الأصليين، ثم أعاد الرئيس التأكيد على اعتذار حكومته بسبب الاعتقالات العنصرية بحق الأميركيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية. قال بايدن خلال خطابٍ استذكر فيه مذبحة تولسا العرقية: «هذا ما تفعله الأمم العظيمة: الاعتراف بجوانبها الحالكة».

يُفترض أن يبدأ بايدن بعد رحلته بالتعويض عن دمار هيروشيما وناغاساكي قولاً وفعلاً. تتطلب أي صحوة أخلاقية بشأن استعمال الأسلحة النووية مواجهة وقائع التفجيرات التي قتلت آلاف المدنيين اليابانيين، فضلاً عن السياسات والمبادئ التي يتردد صداها حتى الآن في طريقة استخدام الأسلحة النووية الأميركية اليوم.

كانت إدارة أوباما قد أعلنت أن «الولايات المتحدة لن تستهدف المدنيين أو أي مواقع مدنية عمداً»، لكن لا يزال المنطق الذي استُعمِل سابقاً لتبرير ما أصاب هيروشيما وناغاساكي على حاله في الوقت الراهن. كان ثيودور ريتشارد محامياً في القيادة الاستراتيجية الأميركية في العام 2017، وقد كتب أن الرئيس ترومان كان محقاً حين اعتبر هاتين المدينتَين جزءاً من الأهداف العسكرية لأنهما تشملان منشآت عسكرية ولأن «المواقع المدنية يسهل تحويلها إلى أهداف عسكرية». في غضون ذلك، أصرت الولايات المتحدة على حقها باستهداف المدنيين بالأسلحة النووية بطريقة قانونية طالما يتخذ العدو هذه الخطوة أولاً. من وجهة نظر ريتشارد، قد يسمح هذا النوع من الغموض في تفسيرنا لقانون الحرب بتحسين نظام الردع.

لكن يجب ألا تفسّر الولايات المتحدة قوانين الحرب بطرقٍ تسمح بتكرار كوارث هيروشيما أو ناغاساكي. إذا أعلن الرئيس أن ما حصل في هاتين المدينتَين ينتهك واجباتنا القانونية، يمكن التصدي للنظريات القانونية التي تبرر إطلاق عمليات مماثلة، ويُفترض أن يتزامن هذا الموقف مع البدء بمراجعة الخطط النووية. للتكفير عن تلك التفجيرات، تقضي أفضل طريقة بضمان عدم تكرارها لأي سبب.

على صعيد آخر، تستطيع الحكومة الأميركية أن تعلن أن تفجير هيروشيما وناغاساكي كان عملاً خاطئاً. يعكس هذا التوجه موقفاً أخلاقياً مهماً بشأن السياسات أو القوانين المعتمدة. قد يقرر أي رئيس مستقبلي الالتفاف على هذا النوع من التعديلات السياسية أو عكس مسارها. مع ذلك، لن تسمح قوة العزيمة الأخلاقية بتغيير مسألة سياسية محددة فحسب، بل إنها تسهم في إحداث تعديلات أخرى.

يجب أن يدور نقاش مهم ومعقد حول قانون الحرب في العام 1945 والمظاهر الوحشية المنبثقة من سنوات الحرب، لكن لا داعي لإنهاء ذلك النقاش من أجل إصدار الأحكام على تلك التفجيرات الشائكة. يمكننا أن نصغي إلى الجنرال كورتيس ليماي الذي قاد تلك العمليات حين قال: «إذا خسرنا المعركة، ستتم محاكمتنا كمجرمي حرب». أو قد نسمع كلام وزير الحرب الأميركي حينها، هنري ستيمسون، الذي قال إنه لا يريد أن «تصبح الولايات المتحدة معروفة بتفوّقها على هتلر في الأعمال الوحشية»، أو كلام الرئيس هاري ترومان حين عبّر عن قلقه من قتل «جميع هؤلاء الأطفال». لهذا السبب، اعتبر ترومان هيروشيما قاعدة عسكرية وأوصى المسؤولون الأميركيون برمي القنبلة فوق مصنع (لكن لم يحصل ذلك). لم يلتزم هؤلاء المسؤولون بالمعايير الأخلاقية المعاصرة، لكنهم لم يطبقوا المعايير السائدة في تلك الحقبة أيضاً. كان تدمير هيروشيما وناغاساكي خاطئاً لأنهم كانوا يعرفون أنها خطوة شائبة على غرار الجميع.

يستطيع أي بلد أن يثبت عدم رغبته في وضع نفسه في هذه الخانة عبر تقديم اعتذار حقيقي. لكن تفشل الولايات المتحدة حتى اليوم في محاسبة مجرمي الحرب الأميركيين على انتهاك قانون الصراع المسلّح. عفا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن مجرمي الحرب المُدانين مثلاً وأعاق محاولات القادة العسكريين الذين رغبوا في محاسبتهم، وتكلم عن مقتل 10 ملايين أفغاني وكأنها مسألة عادية، وارتجل تهديدات نووية تجاه كوريا الشمالية.

تُعتبر هذه المواقف للأسف أحدث فصل من تاريخ طويل يقوم على شكل فاضح من غياب المحاسبة للجنود الأميركيين الذين ارتكبوا ممارسات مثل الاغتصاب والتعذيب والقتل أثناء انتشارهم في بلدان خارجية. هذا النمط يمنع بايدن من «جعل أميركا مجدداً القوة الرائدة لفعل الخير في العالم».

أخيراً، تستطيع الحكومة الأميركية أن تعتذر على تدمير هيروشيما وناغاساكي. يطالب بعض الناجين باعتذار، لكن لا ينتظر آخرون هذا النوع من المواقف. أحبطت الحكومة اليابانية محاولات أوباما لتقديم اعتذار مماثل أثناء وجوده في هيروشيما، ومع ذلك يجب ألا نرتكب خطأً جديداً ونفترض أن جزءاً كبيراً من اليابانيين لن يقدّر هذا الاعتذار حين تتحسن الظروف.

لكن لا تقتصر منافع هذا الموقف على الاعتذار لمن تضرروا بسببنا. حين نتصرف بطريقة تتعارض مع مبادئنا، يصبح الاعتذار أفضل طريقة لإصلاح هويتنا. يحمل الاعتذار بحد ذاته أهمية كبرى. إنه التعبير الأكثر اكتمالاً وتطلّباً عن الندم. عندما نرتكب أي خطأ، ندين لأنفسنا بالاعتذار عن ما حصل، ولن نشعر بالراحة قبل تقديم الاعتذار. بالنسبة إلى بلدٍ لا يزال يتخبط لتجاوز الغريزة العنصرية التي تدفعه إلى إيذاء الأقليات أو تجريدها من طابعها الإنساني، يكفي أن يعترف المعنيون بارتكاب الأخطاء. الاعتذار هو أفضل طريقة كي يثبت البلد رفضه للظهور بهذه الصورة الشائبة.

الولايات المتحدة، كبلد بحد ذاته، ليست مستعدة بعد للاعتذار عن أحداث هيروشيما وناغاساكي، ولن تصبح مستعدة لهذه الخطوة يوماً على الأرجح. يسهل أن نعتبر هذا الوضع سبباً للامتناع عن الاعتذار، لكن يُفترض أن نعتبره دافعاً لاتخاذ مسار معاكس.

إلى جانب مواقف الندم، تبرز الحاجة أيضاً إلى اتخاذ خطوات عملية لمنع الولايات المتحدة من تكرار الخطأ نفسه. تعهد بايدن، حين كان مرشّحاً للرئاسة، باعتبار منع البلدان الأخرى من استعمال الأسلحة النووية الهدف الوحيد وراء وجود تلك الأسلحة. لكنه لم يحقق ما وعد به حين أصبح رئيس البلد. كخطوة أولى، يجب أن يعلن أن الولايات المتحدة لن تستخدم أي سلاح نووي لتدمير المواقع المستهدفة طالما تبقى الخيارات التقليدية متاحة.

يجب أن تصلح إدارة بايدن الإجراءات التي تمنح الرئيس الصلاحية الحصرية لاستعمال الأسلحة النووية وإقامة نظام شامل وأكثر قوة للمصادقة على الجوانب القانونية لأي أوامر على صلة باستعمال تلك الأسلحة. يمكنها أن تراجع أيضاً المعايير التي تسمح بإجراء ذلك التقييم وتوضح المنافع العسكرية التي تبرر القضاء على حياة مئات آلاف المدنيين الأبرياء، إذا وُجِدت، والحالات التي تبرر استعمال الأسلحة النووية عند مقارنتها بالخيارات غير النووية، وطبيعة «التدابير الاحتياطية الممكنة» لتجنب الخسائر البشرية وسط المدنيين، والحالات التي يصبح فيها استعمال السلاح النووي عشوائياً. عندما تقوم الولايات المتحدة بهذا النوع من التقييمات، يُفترض ألا تصوغها بما يتماشى مع تدمير هيروشيما وناغاساكي، بل بطريقة تضمن عدم تكرار هذه الحوادث مجدداً.

يفترض عدد كبير من الأميركيين على الأرجح أن القوانين والمبادئ الأخلاقية التي تُوجّه عمليات الاستهداف النووي سبق وتغيرت، لكن لا تزال ترسانتنا النووية اليوم مشابهة لتلك التي دمرت هيروشيما وناغاساكي على مستويات عدة. تُشغّل وحدة جناح القنابل رقم 509 قاذفات القنابل «بي-2» في الوقت الراهن، وهي نشأت في الأصل لقذف القنابل انطلاقاً من مجموعات القاذفات التي استُعمِلت في حقبة الحرب العالمية الثانية. كذلك، يحمل المبنى الجديد الذي يشمل مقر «القيادة الاستراتيجية الأميركية» خارج أوماها، في نبراسكا، وكلّف 1.3 مليار دولار، اسم «مبنى الجنرال كورتيس إي. ليماي»، تيمناً بقائد المهام في هيروشيما وناغاساكي. قال هذا الأخير بنفسه: «لا وجود لمدنيين أبرياء». حين بدأ البنتاغون حملة طال انتظارها لإزالة أسماء خَوَنة الكونفدرالية من القواعد العسكرية، كان عناصر «القيادة الاستراتيجية» يستقرون في مبنى يحمل اسم مجرم حرب.

لا تزال الولايات المتحدة الدولة التي دمرت هيروشيما وناغاساكي. إلى أن نعترف بحقيقة ما ارتكبناه، ونُكفّر عن أفعالنا، ونتصرف بطريقة تضمن عدم تكرار ما حدث مجدداً، ستبقى صورتنا على حالها وتعكس ما اخترنا أن نكون عليه.


MISS 3