إيفون أنور صعيبي

لا تهليل لـ"تعميم"... ما بعد بعد التهويل!

7 نيسان 2020

04 : 05

صُوّر التعميمان الأخيران اللذان أصدرهما مصرف لبنان الاسبوع المنصرم على أنهما انتصار لـ"حزب الله" وللسيّد حسن نصرالله. في الظاهر يتجسّد القراران بثوب مالي- نقدي، لكنّ الخلفيّة سياسيّة بحتة، وما الترابط بين التصاريح السياسية الرنّانة وتوقيت التعميمين الا خير دليل على ذلك. والواقع أنّ الافادة المتأتية من التعميم ضئيلة لا بل ضئيلة جداً فيما المستفيد الأوحد يبقى مصرف لبنان(ومعه جمعيّة المصارف) بما أنه ينفرد بامتلاك الارقام، والتلاعب بها، وهو يدرك تماماً أنه لو استثنى القروض في تعميمه لقامت قيامة المصارف وجمعيتها ولم تقعد. وعليه، مَن نصَّ بنود التعميمين الاخيرين يدرك تماماً عدم قابليّتهما للتنفيذ أسوة بالتعاميم التي أُصدِرَت منذ تشرينَي الـ2019 ولغاية اليوم، خصوصاً وأنّ غالبية فئة الـ61%، التي من المفترض أن تستفيد من القرار الذي وُجد لخدمتها ولمساعدتها في تخفيف وطأة الأعباء الاقتصادية-المعيشيّة، هي مدينة للمصارف.

لذلك، لا يمكن إدراج القرارين الا في خانة إسكات "حزب الله" الذي لم يجد وسيلة لترهيب المصارف الا التهديد بعدما بات مضغوطاً من جمهوره الجائع والحائر.

رغم البروباغندا التي رافقت التعميم مركّزةً على انصياع حاكم المركزي لسيّد "حزب الله"، لا تزال المشكلة غير المعالجة واحدة: موازنة المصارف وفجوة الـ55 مليار دولار وربما أكثر. وان كانت نيّة القرارين، التخلّص من زبائن الـ 100 دولار أسبوعياً ، فان مصرف لبنان يدرك تماماً أن الـ 800 مليون دولار هذه (إن صحّ الرقم) في المليون و700 ألف حساب لا تحلّ المشكلة، وذلك لسبب بسيط وهو عدم إقفال هذه الحسابات نهائياً خصوصاً وأن الجزء الاكبر منها مرتبط بتوطين رواتب الموظفين اضافة الى حاجتها من قبل الذين عليهم استحقاقات ومدفوعات شهرية للمصارف كأقساط القروض وهي للمناسبة كثيرة.

وفي سياق متصل أشارت مصادر مطّلعة لـ"نداء الوطن" أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يعمل على إقرار تعميم جديد يطال الحسابات بين 4000 و100ألف دولار وهي تشكل 33% من الحسابات المصرفية على أن يتمكن أصحابها من تحصيلها خلال مدة عام بشروط يُعلن عنها في التعميم فور صدوره.

هكذا يكون النظام المصرفي قدّ تجنّب كمّاً هائلاً من الضغوطات التي تواجهه من قبل نحو 90% من المودعين، ويكون أيضاً قد اطمأن الى عدم تحرك الشارع ضده لاعتبار أن أصحاب الودائع الصغيرة هم الفئة التي يمكن أن تثور ضدّ هذا النظام، مع الاشارة الى أن لا قيمة للتعميم لناحية الرواتب الموطّنة بالعملة الخضراء.

كلّ ذلك يعني باختصار أنّ الحلول المقترحة في مكان فيما المشاكل والمخاوف في مكان آخر مختلف تماماً، فحتى الساعة ليس هناك من حلّ للمودعين الذين تتخطى قيمة ودائعهم الـ 100 ألف دولار وذلك من دون أن يستحصلوا على إجابات واضحة عن مكان أموالهم وحتى من دون مصارحتهم من قبل المؤتمنين على مدخراتهم والبوح بالحقيقة المرّة وهي أن المصارف عاجزة تماماً عن إعادة الامانات الى أصحابها.

قبل الازمة المالية، كانت قيمة المصارف السوقية تبلغ حوالى 20 مليار دولار، لكن وبعد الخسائر الفادحة التي تسبب بها انهيار اسعار اليوروبوندز، ولدى احتساب قيمة الديون الهالكة وبعد تهافت الرأسماليين الكبار على تهريب أموالهم الى الخارج، انحدرت هذه القيمة السوقية الى مستويات غير مسبوقة، وهي بحسب أحد الاقتصادين لا تتخطى عتبة الـ 4 مليارات دولار. وبالاضافة الى حقيقة تبخّر احتياطي المصارف لدى مصرف لبنان، هناك واقعة استنزاف أموال المصارف لدى المصارف المراسلة، حيث تشير البيانات المنشورة على موقع مصرف لبنان أنه وفي كانون الاول من العام 2018 كان احتياطي المصارف في الخارج يبلغ حوالى 12 مليار دولار أما اليوم فهو بالكاد يناهز 5.5 مليارات. وبعيداً من الاعتمادات التي استحقّت وسُدّدت، أين بقية الاموال؟ ومعها أين أموال المودعين؟

عندما يُسلّم "هواة" زمام الحكم، فلا عجب أن تكون النتيجة مماثلة. هكذا هي آخرة الحلول المجتزأة وعدم وجود خطة شاملة ومتكاملة. ذات يوم قريب وعندما تعود المصارف وتفتح أبوابها، سيستيقظ اللبنانيون على واقع أن عدد الذين أغلقوا حساباتهم من فئة الـ61% لا يتعدى أصابع اليد وعندها نكون قد دخلنا في دوامة الزحف التدريجي وبغطاء من القوى السياسية، نحو تحرير سعر الصرف، وأيضاً نحو وهيركات مقنّع ليدفع الثمن قسراً المودعون اللبنانيون وذوو الدخل المحدود.

MISS 3