خالد أبو شقرا

حماية صغار المودعين ... لا إقصاؤهم!

7 نيسان 2020

02 : 20

إستناداً إلى التعميمين 148 و149 الصادرين عن مصرف لبنان، حدّدت المصارف سعر الصرف الذي ستدفع على أساسه الودائع الصغيرة التي تقل عن 3 آلاف دولار أو 5 ملايين ليرة بـ 2600 ليرة لبنانية مقابل الدولار. وخلافاً لما ورد في التعميم رقم 149 لجهة "إنشاء منصة الكترونية تضم كلاً من مصرف لبنان والمصارف ومؤسسات الصرافة، يتم من خلالها الاعلان بكل وضوح وشفافية عن اسعار التداول بالعملات الاجنبية"، والتي يفترض ان تكون آلية عملها متجددة بشكل يومي، جرى تحديد السعر في المرحلة الاولى كمعدل وسطي بين السعر الذي حدده مصرف لبنان لدى الصرافين والذي يفوق السعر الرسمي بنسبة 30 في المئة، وبين السعر الحقيقي المتداول في السوق والذي وصل الى حدود 3 آلاف ليرة. وذلك بعد التشاور بين المركزي وكبار الصرافين والمصارف.

القرار لن يدخل حيز التنفيذ ولن "يستفيد" منه أحد قبل نهاية الشهر "وإن بدأت المصارف بتنفيذ اختبارات محدودة عليه" بحسب مصادر مصرفية. فالإقفال الذي يفرضه فيروس كورونا وما يرتبه التعميمان من تغييرات لوجستية وتقنية يتطلبان بعض الوقت.

وبانتظار بدء التطبيق، ما زالت الإسئلة حول أهمية هذين التعميمين تتوارد فصولاً ومنها: هل يصب هذان التعميمان في مصلحة المودعين والإقتصاد؟ وهل كانا نتيجة عصف ذهن إقتصادي ونقدي أم استجابة لفرمان السياسة والسلاح؟

كما يظهر، فإنّ الحسابات المصرفية المشمولة بالقرار لا تعود إلى صغار المودعين كما جرى الترويج، إنما إلى فئة كبيرة من أصحاب الرواتب الموطنة، وللمستفيدين من خدمات توطين الفواتير والمعاملات التي سوّقتها المصارف في الماضي القريب على أوسع نطاق. وإذا استثنينا أولئك المقترضين من هذه الشريحة، سواء بالمباشر أو بواسطة بطاقات الإعتماد والذين لن يستفيدوا من التعميمين، فإن شرط تصفية الحسابات وإقفالها لن يكون في مصلحتهم، حيث سيسبب للبعض مشاكل مع مؤسساتهم خصوصاً في ظل رفض المصارف فتح حسابات جديدة، وبالتالي سيفقد المودع التسهيلات التي كان يتمتع بها.

أما على الصعيد الإقتصادي فإنه بالإضافة الى ان اقفال 61 في المئة من الحسابات بقيمة 340 مليون دولار سيزيد الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ويؤدي الى التضخم، يبقى أنّ إقصاء هذه الشريحة من المعاملات المصرفية يجافي المنطق ويعاكس السير الطبيعي لحقوق الإنسان أولاً وعمل المصارف ثانياً، والتوجه أكثر نحو المعاملات الإلكترونية ثالثاً. هذا عدا عن أنّ الإقتصاد اللبناني لا يزال قاصراً عن تحمّل تحرير سعر الصرف في هذه الظروف ومن دون رؤية اقتصادية جدية.

ما يحدث في لبنان ليس حتمية تاريخية، بل هو النتيجة الطبيعية لتدخل السياسة بالاقتصاد، والإنجرار وراء القرارات الشعبوية التي لا تُقرّش، وإن قُرّشت فنتيجتها المزيد من الازمات والإبتعاد أكثر عن الحل المنطقي.

العودة إلى الأساس؛ الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح بناءً على خطة واضحة المعالم، تؤمن تدفق المساعدات المالية وضمان صرفها في مكانها السليم...هذا هو مفتاح إطلاق العجلة الإقتصادية، وليس القرارت العشوائية.


MISS 3