مذكرات وودي آلن الجديدة... بين الفكاهة والسخافة

05 : 15

لن نتطرق إلى أخلاقيات وودي آلن وفضائحه الجنسية المثيرة للجدل، بل يصبّ التركيز هذه المرة على مذكراته الجديدة Apropos of Nothing (عن لا شيء).

يدرك كل من قرأ كتب وودي آلن السابقة أنه يتمتع بأسلوب صادق وبسيط في كتاباته. تنطبق هذه الصفات أيضاً على مذكراته الجديدة، ولو لفترة معينة. في أجزاء لاحقة من هذا الكتاب، تظهر الشوائب بشكلٍ أوضح.

يعود بنا آلن إلى طفولته في بروكلين (كان والده وكيل مراهنات وعمل في وظائف بسيطة، بينما كانت والدته تعمل في متجر أزهار)، مروراً بأولى أيامه كمسؤول عن إضافة النكات إلى مقالات الصحافيين الآخرين. لطالما كان حذقاً ومضحكاً ويصعب التفوق عليه. عمل في شبابه ككاتب كوميدي في برامج تلفزيونية قبل أن يقدم عروضاً كوميدية منفردة ويبدأ بإخراج الأفلام. تزوج مرتين في عمر مبكر: من هارلين روزين ولويز لاسر.

على غرار عدد كبير من آبائنا وأجدادنا، آلن هو رجل من القرن العشرين لكنه يعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين. لذا كان يجب أن يحذره أصدقاؤه من سوء أحكامه الواضحة في موضوع النساء في مذكراته الأخيرة. حين يذكر أي امرأة في كتاباته، ثمة وصف غير مبرر لشكلها الخارجي دوماً.

على سبيل المثال، يكتب عن سكارليت جوهانسون حين عمل معها للمرة الأولى وكانت لا تزال في التاسعة عشرة من عمرها: "حين تقابلها، ستضطر لمحاربة فائض الفيرومونات في جسمك. هي لم تكن موهوبة وجميلة فحسب، بل كانت أشبه بقنبلة جنسية".

لكن كان جمال وجه ميا فارو، شريكة حياته لوقت طويل، هو الذي أعماه عن اكتشاف اضطراباتها النفسية كما يقول. هو يخصص ثلث مذكراته تقريباً للتكلم عن فارو، وابنتها بالتبني سون يي بريفين التي أقام علاقة معها، وابنته بالتبني ديلان فارو التي اتُهِم بالتحرش بها، لكنه يستفيض في هذه المواضيع بدرجة مبالغ فيها.

يكتب آلن عن الخلل السائد في عائلة فارو الخاصة. كان أحد أشقائها يحمل ميولاً انتحارية، وسُجن آخر بتهمة الاعتداء الجنسي على الأطفال. لذا يزعم أن فارو نقلت اضطراباتها الخاصة إلى أولادها البيولوجيين أو بالتبني.

يضيف آلن: "كانت ميا تستمتع بتبني الأطفال وتحب الحماسة التي ترافق هذه التجربة، كما يحصل عند شراء لعبة جديدة. كانت تحب الحفاظ على سمعة مثالية والبقاء تحت الأضواء، لكنها لم تحبذ تربية الأولاد بنفسها ولم تكن تعتني بهم". هو يطرح ادعاءات مريعة حول سلوكيات فارو كأم وإهمالها لأولادها.



اكتشفت فارو أن آلن كان على علاقة بسون يي بعدما عثرت على صور فاضحة لابنتها بالتبني في شقته. يكتب آلن: "أتفهم صدمتها واستياءها وغضبها وكل ما صدر عنها. كانت ردة فعلها طبيعية". لكنه يدّعي أن فارو قــررت أن تُلْبِسه تُهَم التحرش الجنسي في فورة غضبها. يبلغ الكتاب أدنى مستويات الانحطاط حين يطرح الفرضيــة القائلة إن فارو ربما أقامت علاقة مع أحد قضاة الولاية والمدعي العام في محاولة منها للتأثير على رأيهما في معركة الحضانة.

أنجب آلن وفارو ابناً بيولوجياً اسمه ساتشيل، لكنه يُعرَف الآن باسم رونان. يكتب آلن: "مع أنها أخبرتني بأن ساتشيل ابن فرانك سيناترا، أظن أنه ابني. لكني لن أعرف الحقيقة مطلقاً".

أصبح رونان فارو صحافياً، وهو يصرّ على فضح الشرور التي يرتكبها الرجال النافذون. يكتب آلن أنه لا يزال يتمنى أن يتقرب من رونان، لكنه يعدد مواقف تثبت نفاق ابنه: "يحث رونان فارو النساء على كشف الحقائق علناً طوال الوقت. لكن حين سردت سون يي قصتها، لم يعجبه ما سمعه".

تكثر التفاصيل الواردة في هذا الكتاب ولا مجال لاستعراضها كلها: علاقة آلن مع ديان كيتون، تفاصيل عن إخراج عدد كبير من أفلامه، جولاته مع فرقة الجاز الخاصة به، تعرّفه على ميل بروكس وبولين كايل ونورمان مايلر، وذهابه المتكرر إلى مطعم Elaine’s لتناول الطعام. هو لا ينسى أن يشكر عدداً كبيراً من الأشخاص الذين تعاملوا معه بسخاء على مر السنين.

لكن ينهار مستوى العمل في الثلث الأخير من الكتاب بطريقة مريعة، فهو يقتصر على توجيه التحيات ومدح الآخرين: آلان ألدا "ممثل موهوب ومدهش"، أوين ويلسون "ممثل رائع والتعاون معه ممتع"، غولدي هون "موهبة هائلة". سنجد أضعاف العبارات السخيفة من هذا النوع.

آلن متزوج من سون يي منذ أكثر من 20 سنة، ولديهما ابنتان بالتبني أصبحتا اليوم في الجامعة. هو يجد جوانب إيجابية للنبذ الذي تعرّض له، كونه لم يعد مضطراً للترويج لكتبه بطريقة مبالغ فيها أو التناقش مع الآخرين. بل إنه يستطيع أن يتعايش مع كره الناس له كما يقول لأنه لا يقرأ المقالات المكتوبة عنه. هو يعيش في فقاعة خاصة به ويحضّر فيلماً جديداً الآن.

مع اقتراب نهاية هذا الكتاب الذي يجمع بين المتعة والفكاهة والحزن والتفاهة، يكتب آلن: "عمري 84 سنة. لقد انقضى أكثر من نصف حياتي. في هذا العمر، لا أتردد في المجازفة بالأموال التي اكتسبتُها. أنا لا أؤمن بالحياة بعد الموت، ولا يهمني إن تذكّرني الناس كمخرج سينمائي أو متحرش بالأطفال أو إذا لم يتذكروني مطلقاً. كل ما أطلبه هو نثر رماد جثتي بالقرب من صيدلية"!


MISS 3