رامي الرّيس

صحوة ضمير طال انتظارها!

28 حزيران 2023

02 : 00

الأنباء المتتالية عن إقفال معامل الكبتاغون وضبط شحنات التهريب العديدة تؤكد أنّ الجهود المبذولة أمنياً تؤتي ثمارها المرتجاة ولو أنّ كثافة العمليّات تحتّم القيام بالمزيد من العمل لتوقيف كل تلك الشبكات ومحاسبتها، وهو ما يتطلب مواكبة قضائيّة حثيثة.

إلا أنّ الرسالة الأهم التي يمكن استخلاصها من تلك الخطوات الأمنيّة هي أنّ الدولة عندما تحزم أمرها وتدفع في اتجاه تطبيق القانون، لا يُفترض أن تُردع من أحد، مهما علا شأنه لأنّ تجربة الاستنسابيّة في تطبيق العدالة وفق موازين القوى السياسيّة هو ضربة قاسية لمفهوم دولة المؤسسات والقانون.

طبعاً، لا يزال لبنان بعيداً عن الوصول إلى مستوى الطموحات في قضايا المحاسبة والمساءلة وتنفيذ القوانين، ولكن لا بد من بداية ما في مكان ما، ولا بد من القول إنّه على الرغم من الانهيار الكبير، لا تزال المؤسسة العسكريّة والأجهزة الأمنيّة تكافح بما توفر لها من إمكانيّات صمود محدودة.

وإذ تفيد المعلومات أنّ الإقبال على الانتساب إلى الجيش يُعتبر عالياً قياساً إلى الظروف المحيطة بالمؤسسة وبالبلد عموماً؛ فإنّ القوى السياسيّة التي لا تزال تبتدع الذرائع للالتفاف على الدستور والقوانين مدعوة لإنقاذ الأوضاع قبل فوات الأوان.

إنّ الجلوس على قارعة الطريق، وتعريض البلاد إلى المزيد من المخاطر الأمنيّة والاجتماعيّة، بانتظار مبادرة سياسيّة خارجيّة من هنا وهناك من شأنه أن يؤسس للمزيد من الانقسامات السياسيّة التي تعكس نفسها توترات متنقلة دون طائل.

لا يكمن التحدي في من يستطيع أن يتحمّل أكثر على حد وصف رئيس إحدى الكتل النيابيّة، بل في كيفيّة الخروج من عنق الزجاجة والذهاب سريعاً نحو انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة ووضع البلاد على سكة الإنقاذ.

إذا كانت بعض القوى السياسيّة الفاعلة تشترطُ مرشحاً معيّناً دون سواه وتعتبر أنّ الحوار هو الطريق الوحيد لانتخابه، فهل هذه المقاربة كفيلة بتوليد الحل السياسي المنشود؟ بمعنى آخر، هل أنّ انعقاد الحوار سيفسح المجال جديّاً أمام التوصل إلى تفاهم على تسوية سياسيّة ورئاسيّة معيّنة أم أنّه محصور فقط في الضغط على الأطراف الأخرى للقبول بمرشح وحيد لا بديل عنه؟

صحيحٌ أنّ طبيعة التركيبة السياسيّة اللبنانيّة تحتّم التوصل إلى تفاهمات معيّنة، ليس في الملف الرئاسي فحسب بل في العديد من القضايا الحيويّة الأخرى، وصحيحٌ أنّ الحوار هو الطريق الأسلم لحماية البلاد من منزلقات خطيرة؛ ولكن الصحيح أيضاً أنّ الذهاب إلى الحوار بمناخات معدّة سلفاً حول نتائجه المرتقبة يفرغه من مضمونه ويجعله عرضة للفشل والانهيار.

لا ينطبق توصيف الحوار على ذاك الحوار المعدة نتائجه مسبقاً والمعلبة بشكلها ومضمونها وأهدافها، ولا يخدم هذا المنطق المصلحة الوطنيّة العليا التي لا تتجسّد في إنكسار طرف لحساب آخر أو في انتصار طرف بفرض إرادته السياسيّة (وغير السياسيّة) على الآخرين من اللبنانيين.

المخرج يكون بالتفكير بشخصيّة سياسيّة تحظى بالاحترام والتقدير وتكون على مسافة واحدة من اللبنانيين جميعاً، لا تخضع لأي منهم وفي الوقت ذاته لا تشكل عنصر قلق لأي منهم أيضاً. من الممكن جداً التفكير في الكثير من الأسماء التي تجسّد هذا الموقع وتستطيع أن تلعب هذا الدور بكثير من الحكمة والمسؤوليّة في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان راهناً.

حتى يحين ذلك الموعد، لا مفر من الحفاظ على الأمل بصحوة ضمير طال انتظارها!


MISS 3