جو حمورة

بلادة الجيش الأوكراني... فرصة ضائعة لإحراز تقدّم ميدانيّ

30 حزيران 2023

02 : 00

لم يستفد الجيش الأوكراني جدّياً من الوهن الروسي الواضح الذي كشفه تمرّد قوّات "شركة فاغنر" العسكرية. لا جيش كييف تقدّم لاستعادة بعض ما خسره من مدن ومساحات، ولا القوى الأوكرانية الميدانية استفادت من الفراغ الذي سبّبه الهجوم المباغت صوب موسكو.


بقيت خطوط الدفاع والهجوم وتوزيع القوى كما كانت عليه تقريباً قبل الحركة التمرّدية لرئيس "شركة فاغنر" يفغيني بريغوجين، فيما يقف الجيش الأوكراني الآن حائراً في هجومه المضاد على مدينة باخموت، وهو الهجوم الذي لا يبدو أنه سيُكتب له الكثير من النجاح.


في شرق أوكرانيا جبهات متعددة تدور الاشتباكات حولها. قرب مدينتي ليمان ومارينكا في مقاطعة دونيتسك، تتسمّر كلّ القوى في أماكنها وتستخدم المدافع والقذائف البعيدة المدى لإلحاق الأذى ببعضها البعض. أما في باخموت، المدينة الرمزية التي سقطت قبل أشهر قليلة في يد الجيش الروسي، فأحرز الأوكران تقدماً بسيطاً من الناحية الجنوب غربية، تقدّم لم يزد عن "600 إلى ألف متر" فقط حسب بيان وزارة الدفاع الأوكرانية.


لم تكن ردة فعل القيادة الأوكرانية سريعة أو ناضجة في الاستفادة من "الصفعة على وجه فلاديمير بوتين"، فهدرت فرصة سانحة لاستغلال ضعضعة قوات عدوها. الفرص العسكرية لا تأتي إلا نادراً، فيما القيادة الأوكرانية أهدرت واحدة من أهمها، وبقي جنودها في مواقعهم بانتظار تعليمات هجومية لم تأتِ البتة من القيادة المركزية. لم تطبّق أوكرانيا قول الجنرال الصيني سون تزو الشهير: "في وسط الفوضى هناك دائماً فرصة"، بل فضّلت تطبيق قوله الأقل شهرة: "إنّ كل حرب تستند إلى خدعة ما"، مظهرةً خوفاً من خدعة مدبّرة بين الجيش الروسي وقوات "شركة فاغنر" دفعتها للتريّث والتردّد، وبالتالي عدم الإقدام على أيّ عمل عسكري هجومي.


سبب آخر قد يكون وراء التردّد والبلادة الأوكرانية، ويتعلّق بعملية أخذ القرارات داخل السُلم الإداري للقوى العسكرية. إنّ تجربة الجيش الأوكراني منذ بداية الهجوم الروسي أظهرت مركزيّة في عملية أخذ القرار العسكري، حيث تخضع كلّ وحدة قتاليّة لقرار مركزيّ في كييف، يضع حدوداً لحركة كلّ قوّة عسكريّة مناطقيّة، ويمنعها من أخذ المبادرات الفرديّة في الميدان. هذه المركزيّة المفرطة في عمليّة أخذ القرار داخل المؤسسة العسكرية الأوكرانيّة، منعت بعض القوى الميدانية من أخذ القرارات بنفسها، وبالتالي منعتها من الاستفادة سريعاً من وهن الجيش الروسي أو تحقيق مكاسب حقيقية على أرض المعركة.


شهدت الحرب الممتدة منذ شهر شباط 2022 وحتى اليوم على قدرات قتاليّة دفاعيّة استثنائيّة لأوكرانيا، حيث استطاع جيشها الدفاع عن المدن والمساحات بشكل بطولي لم يكن متوقعاً أمام جحافل الجيش الروسي وجنازير دباباته. في المقابل، لم تُظهر القوات الأوكرانية أي قدرات هجومية استثنائية ومهمة، عدا تلك المحاولات الناجحة ولكن البسيطة التي أظهرتها خلال الشتاء الماضي، حيث استطاعت تحقيق بعض التقدم شرق البلاد. تدرك القيادة السياسية والعسكرية الأوكرانية أن قدراتها الهجومية ضعيفة ومتواضعة، وهو الأمر المرتبط بشكل وثيق بنوع الأسلحة والدعم اللوجستي الذي يرسله الغرب إلى كييف، وذلك بشكل يشير إلى أن الغرب لا يريد من الجيش الأوكراني أن يضطلع بأدوار هجومية قد تؤدي إلى تحرير البلاد ونهاية الحرب، بل البقاء في خانة الدفاع عن أوكرانيا بشكل أساسي، والاتكال الدائم على الغرب للصمود والاستمرار، وبشكل يذلّ روسيا أكثر، ويغرقها في المستنقع الأوكراني حد الاختناق.

MISS 3