رفيق خوري

تحدّيات لبنان والطائف تبدّل موازين القوى

20 تموز 2019

10 : 32

اتفاق الطائف- أرشيف

حال الموازنة تختصر حال التسويات الوطنية والسياسية في لبنان: متأخرة وناقصة، مقبولة ومرفوضة في آن. وليس أمراً قليل الدلالات أن يبدو اتفاق الطائف الذي صار دستوراً قبل ثلث قرن في حاجة إلى معركة للتذكير به والدفاع عنه وتحصين أسس التسوية التي أرساها. ولا بالطبع أن تأخذ المعركة طابع الدفاع عن رئاسة الحكومة وصلاحياتها وبالتالي عن موقع السنّة في معادلة السلطة، الى جانب البعد الأهم: التركيز على عروبة لبنان وثلاثية الشرعيات الوطنية والعربية والدولية. فضلاً عن الحرص على توسّع الحراك الداخلي والتحرّك صوب العواصم العربية.

والسؤال هو: ما الذي جعل المعركة الحالية من الضرورات بعد معارك سابقة خاضتها أطراف عدّة فشلت دعواتها إلى تطبيق الطائف نصاً وروحاً؟ هل هو فقط الخلل في تطبيق التسوية السياسية التي جاءت بالوضع الحالي وساهمت في فك تحالف قوى 14 آذار وتقوية قوى 8 آذار؟ أم هو أيضاً سوء التطبيق الانتقائي لبعض الطائف ورفض تطبيق بعضه الآخر الأهم؟

الجواب البسيط هو: الأمران معاً. لكن المشكلة أعمق من ذلك. فالتسويات الأساسية في لبنان ثلاث: الميثاق الوطني العام 1943 والاستقلال. تسوية "لا غالب ولا مغلوب" بعد أحداث 1958. ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف العام 1989 بعد حرب لبنان الطويلة. وكل واحدة كان العامل الخارجي فيها أهم من الداخلي. وهي جميعاً تحكّم بها "قانون" التسويات الخاضع للمتغيرات والتأثر باتجاهات الرياح الخارجية. والوقائع ناطقة: المتغيرات بعد التسوية الأولى قادت الى حرب. كذلك بعد التسوية الثانية. أما التسوية الثالثة، فإنّ المتغيرات بعدها تقود الى ما هو أخطر من الحرب.

وليس بالخطاب وحده يعيش الطائف. فالواقع تغيّر من حوله، وموازين القوى تبدّلت. ما كان تسوية بين الطوائف على الطريق إلى تجاوز الطائفية وإلغاء الطائفية السياسية صار مساراً في طريق معاكس نحو تكريس المذهبية. وما كان بعداً عربياً سمح بنوع من البقاء الرسمي خارج المحاور الإقليمية طغى عليه مدّ المشروع الإقليمي الإيراني.

والمسلسل واضح. موازين القوى وموازين المصالح الداخلية والخارجية فرضت اتفاق الطائف. وموازين القوى والمصالح التي أعطت اليد العليا للرعاية السورية فرضت سوء تطبيق الطائف. ميزان فائض القوى لدى "حزب الله" فرض الفراغ الرئاسي ثم التسوية الرئاسية والحكومية. لا بل فرض على السلطة الصمت حيال ربط لبنان بالمحور الإيراني حرباً وسلماً.

من هنا تبدو معركة الدفاع عن الطائف متأخرة وناقصة. فهل هناك فرصة لتبدّل موازين القوى والمصالح؟ هذا هو التحدّي الحقيقي. والباقي محاولات لتحسين الأدوار في المحاصصة.