خضر نجدي

زعماء الطوائف يأنسون برعاياهم المحرومين من رواتبهم!

8 تموز 2023

02 : 00

يرى العاملون بالشأن السياسي والإقتصادي والمالي المشهد السوداوي ارتباطاً بتأخر انتخاب رئيس للجمهورية، وبعدة تغييرات سوف تحصل في مواقع الفئة الأولى من وظائف الدولة اللبنانية الموزعة عرفاً على الطوائف، وأبرزها تأثيراً على الواقع الحياتي حاكمية المصرف المركزي وقيادة الجيش...

وينشغل الرأي العام بالتطاحن في الحديث وربما أكثر من ذلك، عن المخاطر التي تهدد المواقع الوظيفية وأصحابها وكلاء الطوائف، التي تحوّلت إلى مخاطر وجودية تطال رعايا هذه الطوائف، كما يراد دائما إلباسها هذه العباءة، لتحريف المعنى الحقيقي للوجود الإنساني وخطر تهديده، المرتبط أولاً وأخيراً بقضايا الدخل والإنتاج والإستثمار والتغير الطبيعي المتعدد الأوجه، وجميعها تسعى لتأمين حياة الفرد أساس الوجود.

وطالما ترتبط الطوائف بمعاني الدين الذي تنتمي له، فلا يمكن لأحد أخذ مكان الآخر في ممارسته طقوسه الطائفية، وما يجري هنا الحديث عن وظيفة لا تعرف الطقوس بل تتعامل مع الوقائع الحياتية دائمة التغيير والتكيّف وفق قرارات رؤيوية تستدرك المخاطر قبل حصولها، طبيعية كانت أم اقتصادية أم سياسية. وما الخلط المتعمّد من قبل «المسؤولين» زعماء الطوائف بين المعنيين، الطائفي والوظيفي، سوى اخفاء حقيقة ضرورة محاسبة شاغلي الوظائف المقصرين بأداء واجبهم الوظيفي من أعلى هرم السلطة إلى اسفلها، حيث تضخمت نتائج المحاسبة بما لا يمكن أن يتصوره أي عقل قضائي، أمام حجم الكارثة الحياتية والمعيشية والمالية التي يعيشها اللبنانيون لأي طائفة انتموا.

وفي آتون التطاحن الإعلامي والنيابي والوزاري يشهد الموظف في الإدارة العامة اللبنانية والقطاع التعليمي الرسمي بكافة مراحله ومسمياته الوظيفية وموظفي المؤسسات والمصالح العامة الذين تُقدر أعدادهم بما يتخطى ١٣٠ ألف موظف، يشهدون على أغرب ظاهرة لم تشهدها الوظيفة العامة منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية في أربعينات القرن الماضي. اذ لم يحصل أن تأخرت رواتب القطاع العام أكثر من عشرة أيام كما هو حاصل الآن، خصوصاً قبل فترة الأعياد التي تزامنت مع أواخر الشهر في 28 حزيران، والتي اعتاد الموظفون حصولهم على رواتبهم قبل الأعياد ولو كانت تسبق نهاية الشهر بعشرة أيام، وذلك لتأمين مستلزمات هذه المناسبة، التي أصبحت تقتصر على القليل القليل في ظل الإرتفاع الجنوني للأسعار من جهة وتدني قيمة الأجور التي تعتبرالأدنى بين أجور الفئات اللبنانية الأخرى، حيث أصبحت رواتب الموظفين تتراوح بين 60 و120 دولاراً شهرياً. والظاهرة الأشد استغراباً في الواقع اللبناني تتمثل بحالة التبلّد والغياب عن الوعي التي يعيشها الموظفون وأدواتهم النقابية والمطلبية، بحيث لم تجعلهم حاجتهم الماسة لتأمين أكلهم وشربهم المعبرة عن المخاطر الوجودية الحقيقية، يخرجون مع أسرهم يجرفون المتحكمين بمعيشتهم ومصير حياتهم، والمصرين على التمسك بمراكزهم غير مبالين، طالما يطمئنون لنجاعة حيلتهم بالخلط بين الإنتماء الطائفي الأولي والإنتماء الإجتماعي الإنساني الثانوي، خدمة لتسلطهم وسطوتهم المهددة لوجود الكيان بمن فيه من مواطنين مهما كانت الإنتماءات طائفية أو عرقية أو إثنية أو جنسية.

(*) باحث في التنمية المحلية والإجتماعية


MISS 3