إليزابيت برو

السويد تبلي حسناً بانتظار انتسابها إلى حلف الناتو

13 تموز 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

طائرات مقاتلة نرويجية من طراز F-35 خلال مناورة في القطب الشمالي مع فنلندا والسويد | 1 حزيران ٢٠٢٣

بالنسبة إلى السويد، يبدو أن العيش على أعتاب الانتساب إلى حلف الناتو شكّل تجربة مقبولة على نحو مفاجئ، فقد هبطت أول قاذفة أميركية على الإطلاق في الأراضي السويدية، وشارك البلد في أكبر تدريبات جوية مع الناتو، ويستمر التواصل الاستراتيجي مع الحلف للتأكيد على تضامنه مع السويد. إنها تطورات مهمة لأن حادثة حرق القرآن في الفترة الأخيرة (على يد لاجئ عراقي هذه المرة) ستطيل مدة انتظار السويد على ما يبدو، فقد عبّرت تركيا عن استيائها الشديد مما حصل. كذلك، ستثبت الأحداث الأخيرة لمن يحاولون إفساد هذه الخطة أن محاولة منع انتساب البلد إلى الناتو لا تستحق العناء.



يجد الناتو وأعضاؤه صعوبة في الاحتفال بالسويد، فيما ينتظر البلد أن يُغيّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رأيه بشأن عضويته في الحلف.

لكن في 28 حزيران، قبل أقل من شهر على عقد قمة الناتو في فيلنيوس، ليتوانيا، بدا وكأن الانتظار قد يطول لفترة إضافية. في ذلك اليوم الذي تزامن مع أولى أيام عيد الأضحى، أقدم اللاجئ العراقي سلوان موميكا على إحراق القرآن أمام مسجد في ستوكهولم «للتعبير عن رأيه» بهذا الكتاب، كما ذكر في الطلب الذي قدّمه لأخذ ترخيص للاحتجاج. (كانت الشرطة قد رفضت طلبَين من هذا النوع سابقاً، لكن عارضت المحكمة هذا القرار لاحقاً).

صرّح موميكا لصحيفة «أفتون بلادت» السويدية في شهر نيسان بأنه يفكّر بالانتظار إلى ما بعد انضمام السويد إلى الناتو، لكنه عاد وأحرق القرآن في مطلق الأحوال. كان ردّ الحكومة التركية سريعاً، فقد اعتبر رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، ما حصل «عملاً إرهابياً مستفزاً آخر ضد ديننا في هذا اليوم المبارك»، ودعا السويديين إلى «اتخاذ موقف واضح ضد الإرهاب بجميع أشكاله». كذلك، استنكر وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، «ذلك الاحتجاج الدنيء في السويد ضد كتابنا المقدس في أولى أيام عيد الأضحى المبارك».

في المقابل، سارع ميكيل يوكسيل، سويدي من أصول تركية يرأس حزب «نيان» الصغير الذي يُركّز على الشؤون الإسلامية، إلى التعهد ببذل جميع الجهود اللازمة لتسليط الضوء على حادثة حرق القرآن على الساحة العالمية وأضاف: «سنرى كيف ستؤثر هذه الحادثة على طلب السويد بالانتساب إلى الناتو». في العام 2018، طُرِد يوكسيل من «حزب الوسط» الليبرالي السويدي، بعدما اكتشف هذا الأخير أنه أخفى ارتباطه بتنظيم «الذئاب الرمادية» التركي اليميني المتطرف.

لكن رغم احتمال تأخير انتساب السويد إلى الحلف، يحرص الناتو على تقوية التزاماته تجاه البلد. في 19 حزيران، هبطت قاذفتان ضخمتان في السويد، بما في ذلك قاذفة «بي-1 بي لانسر» من فرقة قاذفات القنابل. تُعتبر قاذفة «لانسر» فوق الصوتية جزءاً من أقوى معدات الجيش الأميركي، وهي تحمل لقب «بجعة الموت» نظراً إلى قوتها وتصميمها الفاخر. تستطيع هذه المركبة أن تحمل ثمانية صواريخ «كروز» منطلقة من الجو، و24 رأساً حربياً نووياً، أو 84 قنبلة تقليدية ضخمة، كما أنها قادرة على قطع 4600 ميل من دون إعادة التزوّد بالوقود. تُعتبر قاذفة «بي-1 بي» من الأسلحة التي تنشر الرعب وسط خصوم الولايات المتحدة.

خلال الحرب العالمية الثانية، حصلت عمليات هبوط اضطرارية لطائرات أميركية في السويد، لكنّ وصول قاذفتَين من نوع «لانسر» إلى مطار القوات الجوية السويدية في أقصى شمال البلد، خارج مدينة «لوليا» (ثم تنظيم التدريبات العسكرية المشتركة في المرحلة اللاحقة عبر استعمال طائرات سويدية)، كان حدثاً مدروساً بكل وضوح. وجّهت الولايات المتحدة رسالة صريحة إلى روسيا، مفادها أن السويد تتمتع منذ الآن بحماية كاملة من الجيش الأميركي، رغم بقائها في مرحلة الانتظار حتى الآن. تعليقاً على الموضوع، يقول الجنرال تومي بيترسون، نائب قائد القوات الجوية السويدية، في بيان صحافي: «إنه حدث تاريخي. في هذه الأوقات المضطربة وبانتظار الانتساب إلى حلف الناتو، من الضروري أن نحصل على حلفاء أقوياء. نحن نقوم بتدريبات منتظمة مع فرقة قاذفات القنابل... وها نحن نتخذ الآن خطوة جديدة في هذا التعاون عبر نشر قاذفات «بي - 1 بي» في الأراضي السويدية».

تزامنت هذه التطورات التاريخية مع حدث بارز آخر: تنظيم أكبر تدريبات جوية على الإطلاق لحلف الناتو، بمشاركة السويد أيضاً. بين 12 و23 حزيران الماضي، تدرّبت 250 طائرة و10 آلاف عنصر من دول الناتو والسويد واليابان على الانتشار الجوي في أنحاء الأراضي الشمالية للحلف، بالإضافة إلى السويد. جرى التخطيط لهذه التدريبات منذ وقتٍ طويل. لكن كان توقيتها مناسباً لأقصى حد، فقد أثبت الناتو وأعضاؤه بهذه الطريقة أن السويد جزء منهم.

في غضون ذلك، بدأ مقر الناتو في بروكسل يرسل كميات ثابتة من رسائل التضامن، وهي تشدد دوماً على مشاركة السويد في مختلف نشاطاته (بما في ذلك اجتماع مجلس شمال الأطلسي هذا الشهر). لم يحاول الأميركيون ومسؤولون آخرون من جهتهم ذكر السويد في كل نقاش يجمعهم مع تركيا أو دول أعضاء أخرى في الناتو. بدأت السويد تلعب دور البطولة في الحلف، فهي أكثر دولة يتم ذكرها باستمرار والتعبير عن الوفاء لها بعد أوكرانيا.

يقول الجنرال المتقاعد غونار كارلسون، رئيس الاستخبارات العسكرية السويدية حتى العام 2019: «من المؤسف أن يعجز البلد عن المشاركة في تقاسم معلومات الناتو الاستخبارية بالكامل، لكنه وضع مقبول. يبقى الجانب الاستخباري من عضوية الناتو أقل أهمية مما يظن الكثيرون. تكون جميع أشكال التعاون الاستخباري الحساس ثنائية بطبيعتها، ولا تُعتبر المنظمات متعددة الأطراف، بما في ذلك الناتو، ذات أهمية حاسمة لتحديد نوعية المعلومات الاستخبارية التي يستطيع البلد الحصول عليها. تتوقف طبيعة المعلومات التي يتم تقاسمها داخل الناتو على ثقة كل عضو بالحليف الذي يعطيه أقل ثقة ممكنة».

فيما تتابع السويد انتظار انتسابها إلى الناتو، قد يتعلق أكبر جانب سلبي باستبعادها من التخطيط للعمليات داخل الحلف. لهذا السبب، يجد الناتو وبعض أعضائه صعوبة في تحديد مستوى التعاون الذي تبديه السويد منذ الآن.

إنها رسالة واضحة إلى تركيا وجميع أعضاء الناتو الآخرين الذين يميلون إلى محاولة انتزاع تنازلات من أي عمليات انتساب مستقبلية، إذ يجب أن يفهم هؤلاء أن هذه المحاولات قد تكون مخيّبة للآمال لكنها ليست حاسمة. إذا استفادت السويد من وضع مقبول جداً بانتظار انتسابها إلى الناتو، لن يؤدي حرمانها من العضوية إلى إجبارها على تقديم التنازلات.

لكنّ هذا الوضع المريح خارج الناتو قد يطرح تعقيدات مختلفة بالكامل: قد يستنتج الناخبون السويديون مثلاً أن الحياة أصبحت مريحة بهذا الشكل، وبالتالي يُفترض أن يوقف البلد محاولات الانتساب إلى الحلف. لم يصل البلد إلى هذه المرحلة حتى الآن. في كانون الثاني، بعد أشهر على إعاقة مسار انضمام السويد إلى الناتو بسبب تركيا، دعم 63% من السويديين هذه العضوية، مقابل 22% من المعارضين. بدا وكأن أحداً لا يريد استرضاء أنقرة: اعتبر 42% من المشاركين أن الحكومة بذلت جهوداً مفرطة لاسترضاء تركيا، واقتصرت نسبة من اعتبروا جهود الحكومة غير كافية على 6%. مع ذلك، قد يستنتج الناخبون في مرحلة معينة أن هذه العضوية الجزئية ترتيب مناسب، لا سيما في ظل الامتيازات التي تستفيد منها السويد.

ما عدد القاذفات الأميركية التي ستهبط في السويد قبل أن يقرر أردوغان إعطاء الضوء الأخضر لتفعيل عضوية البلد؟ وإلى متى ستبقى السويد أهم جهة في تصريحات الناتو؟ وما عدد التدريبات المستعملة لإثبات دور السويد الأساسي في عائلة الحلف الواسعة؟ ستستمر النوايا الحسنة حتماً، لأن الوضع يستلزم ذلك. الأمر أشبه بما يفعله الأهل حين يمضون أشهراً وهم يزيّنون غرفة الطفل المنتظر بكل حب. تتعلق نصف السعادة التي ترافق ولادة طفل جديد في العالم بمنحه أفضل الامتيازات. اليوم تتلقى السويد، من دون تخطيط مسبق، معاملة الطفل المدلل.

عندما تنتسب السويد إلى الحلف أخيراً، لن تضطر لتقديم التنازلات إلى تركيا، بل ستستفيد من الحب المفرط الذي حصلت عليه طوال أشهر من الأعضاء الآخرين. في غضون ذلك، ستكون معظم دول العالم قد أدركت أهمية السويد في الحلف. قد لا يوحي الوضع الراهن بحجم المنافع المكتسبة، لكنّ السويد فازت بالجائزة الكبرى مع الناتو.


MISS 3