إليزابيت برو

نفوذ أردوغان يُهدّد المنفيين الأكراد في السويد

14 تموز 2023

02 : 00

مهاجرون أكراد في السويد

في مرحلة سابقة، كان الكثيرون في العالم الغربي يعتبرون المقاتلين والمتطوعين الأكراد أبطالاً يضحّون بحياتهم لهزم تنظيم «الدولة الإسلامية». وكانت السلطات السويدية من أبرز داعمي «وحدات حماية الشعب» (ميليشيا سورية كردية على صلة بحزب العمال الكردستاني) في معركتها ضد الجماعات الجهادية.

لكن تلاشى هذا الحماس وما يرافقه من دعم سياسي وعسكري للحركات الكردية بعد مرور سنوات وتحوّل إلى تنصّل ضمني من المسؤوليات، حين بدأت السويد تسعى للانتساب إلى حلف الناتو لكنها قوبلت بالرفض من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يتابع البحث عن تنازلات تناسبه من ستوكهولم، فيُهدد بذلك حياة الناشطين السياسيين وطالبي اللجوء.

بدأت مؤشرات التعاون المتزايد بين السويد وتركيا في مجال مكافحة الإرهاب تظهر منذ بضع سنوات، لكن يتعلق الحدث الأساسي وراء هذا التعاون بإقدام الحكومة السويدية على تقديم طلب للانضمام إلى حلف الناتو، بعد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا. اتخذ هذا القرار طابعاً رسمياً في أيار 2022، وأنهى بذلك مبدأ الحياد الذي تمسّك به البلد طوال قرنَين من الزمن.

طرحت تركيا المنتسبة إلى الناتو منذ وقتٍ طويل سلسلة من الشروط للموافقة على ذلك الطلب، ويُفترض أن تصادق عليه جميع الأطراف المنتمية إلى ذلك التحالف العسكري. يتعلق واحد من أبرز تلك الشروط بتسليم أشخاص على صلة بحزب العمال الكردستاني أو حركة رجل الدين المسلم فتح الله غولن التي تعتبرها السلطات التركية مسؤولة عن محاولة الانقلاب في العام 2016.

حين بدأت السلطات السويدية ترضخ لتلك المطالب الواردة في مذكرة ثلاثية تم التوقيع عليها في حزيران 2022 مع فنلندا وتركيا، بدا وكأن السكان الأكراد هم الذين يدفعون أغلى ثمن.



مهاجرون أكراد في السويد




تطوّر طلب أولي بإعادة 33 «إرهابياً»، بحسب الكلمات التي استعملتها تركيا، كي يشمل حوالى 130 شخصاً في كانون الثاني 2023، بعدما علّق محتجون يساريون تمثالاً لأردوغان من أحد الجسور في وسط ستوكهولم.

في هذا السياق، تقول مادلين سيدليتز، مستشارة قانونية في الفرع السويدي من منظمة العفو الدولية: «لم نتمكن يوماً من تحديد الفئات الأكثر عرضة للترحيل من السويد، لكنّ تلك التصريحات كانت تنشر المخاوف وسط شريحة واسعة من أضعف الناس».

في غضون ذلك، لم تكشف الحكومة السويدية المعروفة بأعلى درجات الشفافية عدد طلبات التسليم التي تلقّتها، أو عدد أوامر الترحيل التي أصدرتها منذ أن قدّم البلد طلباً للانتساب إلى الناتو. (لم يردّ المسؤولون الصحافيون في وزارة العدل على طلبات خطية ومكالمات هاتفية متكررة لأخذ تعليق على الموضوع).

حصلت عملية التسليم المعروفة الوحيدة في آب 2022. سلّمت السلطات أوكان كيل، وهو مواطن تركي عمره 35 عاماً كان قد تهرّب من حُكْم بالسجن طوال 14 سنة بتهمة الاحتيال ببطاقات الائتمان. لكن شدّد وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، على أن «تسليم المجرمين العاديين» لا يعني أن السويد لم «تنفذ وعودها».

بعد بضعة أيام على نقل كيل جواً من سجن سويدي إلى سجن تركي، حاصرت سيارات الشرطة مبنىً سكنياً في ضواحي مدينة «بوراس» الصناعية الواقعة في غابات الصنوبر في غرب السويد. عندما دخل الضباط إلى الشقة المستهدفة، بفضل نسخة عن المفاتيح حصلوا عليها سابقاً، كان زنار بوزكورت وزوجه تاغ كارلسون نائمَين مع قطتَيهما. كان يُفترض أن يرنّ منبّه كارلسون بعد وقتٍ قصير كي يبدأ نوبة عمله اليومية كرئيس طهاة في كافيتريا المدرسة المحلية.

كان بوزكورت يبلغ حينها 26 عاماً وقد وجد نفسه خلال بضع ساعات عالقاً في مركز اعتقال مؤقت في عاصمة المقاطعة «غوتنبرغ». في الوقت نفسه، سارعت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية إلى الإعلان عن ترحيل وشيك «لإرهابي مشتبه به من حزب العمال الكردستاني». ثم عارض طلب خاص عملية ترحيله في اللحظة الأخيرة، بدعمٍ من تحرك اجتماعي واسع، ولم يوضع اسم بوزكورت على قائمة المستهدفين.

انتقل بوزكورت إلى السويد حين كان في عمر السابعة عشرة وعندما انتهت صلاحية تأشيرة عمله، قدّم طلب لجوء رسمي. هو شعر في السويد بأنه يستطيع التعبير عن هويته بكل حرية. يمكنه أن يعيش كرجل مثلي علناً، ويقع في الحب ويتزوج، حتى أنه تمكن من اعتناق المسيحية والتعبير عن معتقداته السياسية التقدمية واليسارية التي تشمل تعاطفاً خاصاً مع «حزب الشعوب الديمقراطي» (زعيمه صلاح الدين دميرتاش معتقل في تركيا منذ العام 2016).

رُفِض طلب بوزكورت بسبب ملاحظة أرسلها جهاز الأمن السويدي «سابو». في المرحلة اللاحقة، لم تنجح الدعوات التي تعارض ذلك القرار، وخسر بوزكورت أوراقه الرسمية في كانون الثاني 2022.

كان جهاز الأمن «سابو» قد استدعى بوزكورت لاستجوابه قبل إصدار رأيه بالقضية. أخبره عدد من العملاء هناك بأنهم شاهدوا صوراً له على «إنستغرام» خلال مظاهرة حديثة وكانت أعلام «حزب العمال الكردستاني» ترفرف وراءه.

تمّ تعليق قرار ترحيل بوزكورت بسبب مخاوف من إساءة معاملته في حال إعادته إلى تركيا. ثم حصل هذا الأخير على رخصة إقامة مؤقتة مدتها سنة واحدة. لكن بدت مراجعة تقييم جهاز الأمن السويدي خطوة مستحيلة. يقول محاميه، ميران كاكاي: «لم يتم إلغاء تصنيفه كمصدر تهديد على الأمن القومي أو قرار ترحيله بعد».

تكشف بيانات قدّمتها وكالة الهجرة السويدية زيادة بارزة في عدد طلبات اللجوء من المواطنين الأتراك منذ العام 2016، حين فتح انقلاب فاشل المجال أمام تنفيذ اعتقالات جماعية وإطلاق حملة لقمع المجتمع المدني ووسائل الإعلام. في العام 2015، تسجّل 290 طلب لجوء جديدة من مواطنين أتراك، لكن ارتفع هذا العدد إلى 889 في العام 2017.

كثّفت وكالة الهجرة السويدية تعاونها مع جهاز «سابو» على مر العام 2022، ما أدى إلى زيادة التقارير الشخصية التي يصدرها جهاز الأمن وتُستعمَل تلقائياً لإعاقة أي طلبات لجوء أو إجراءات لنيل إقامة دائمة.

في العام 2021، ذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن أكثر من 130 ألف شخص خضعوا للتحقيق في تركيا بسبب روابطهم المزعومة مع حركة غولن. في المقابل، اعتُقِل حوالى 8500 شخص بسبب الاشتباه بارتباطهم بحزب العمال الكردستاني. شددت هذه المجموعة الناشطة في مجال حقوق الإنسان على استعمال هذا النوع من تُهَم الإرهاب لتقييد الحقوق المدنية ومهاجمة من يعارضون «حزب العدالة والتنمية» الحاكم.

بسبب هذه التطورات المتلاحقة في السنة الماضية، عادت إلى الواجهة إيجابيات وسلبيات العلاقة الطويلة بين الأكراد والسويد.

في العام 1984، بعد اغتيال منشق من حزب العمال الكردستاني في البلد، قرر رئيس الوزراء السويدي أولوف بالم حظر هذه الجماعة، وهي أول حكومة تتخذ هذا النوع من الخطوات في أوروبا. (قُتِل منشق آخر في العام 1985 أيضاً). لم تصنّف الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني كمنظمة أجنبية إرهابية قبل العام 1997، ثم الاتحاد الأوروبي في العام 2002.

في العام 1986، بعد مقتل بالم في ستوكهولم، وهي قضية لا تزال تُعتبر من أكثر فصول العنف تعقيداً وغموضاً في حقبة الحرب الباردة في أوروبا، تكلم مفوض في الشرطة عن تورط محتمل لأعضاء «حزب العمال الكردستاني». لم تظهر أي أدلة واضحة، لكن نشرت هذه الأنباء جواً من الشكوك تجاه الأكراد. مع ذلك، بدأ عدد متزايد من الأكراد يصل إلى السويد خلال التسعينات، بسبب ظروف على صلة بالصراعات ومظاهر الاضطهاد في سوريا، والعراق، وإيران، وتركيا.

تعليقاً على الموضوع، يقول بول ليفين، رئيس معهد الدراسات التركية في جامعة ستوكهولم: «لم تكن السلطات السويدية صارمة يوماً في طريقة تنفيذ قرار الحظر الذي صدر في العام 1984 بحق حزب العمال الكردستاني، بل إنها أظهرت تعاطفاً معيناً تجاه القضية الكردية. لهذا السبب، اعتُبر طلب انتساب السويد إلى حلف الناتو وتقبّل البلد للشروط التركية تحولاً بارزاً في المعايير السويدية، لا سيما إزاء جماعات وأشخاص قد يُعتبَرون على صلة بحزب العمال الكردستاني».

بعد فترة قصيرة على إطلاق سراح بوزكورت، اعتُقِل كردي آخر من تركيا في السويد. لكن لم يكن الوقت كافياً للتصدي لقرار الترحيل هذه المرة. وجد محمود تات (45 عاماً) نفسه في سجن تركي، بعد أيام على اعتقاله في أواخر تشرين الثاني.

حالما هبط تات في اسطنبول، سيق إلى المحكمة حيث حُكِم عليه بالسجن غيابياً، ثم أرسله المسؤولون إلى السجن مباشرةً. أعلن وزير العدل التركي بوزداغ في إحدى المقابلات حينها أن هذه العملية أثبتت «مصداقية السويد وحُسن نواياها»، وتمنى أن يستمر هذا النوع من عمليات «تسليم المجرمين».

تخلّت السلطات التركية عن اعتراضها على طلب فنلندا بالانتساب إلى الناتو، ما سهّل انضمام البلد رسمياً إلى الحلف في شهر نيسان الماضي. في المقابل، تأمل السلطات السويدية في أن تتخلى أنقرة عن موقفها الرافض بعد انتهاء الانتخابات المحتدمة في تركيا. صرّح المسؤولون الصحافيون في فريق وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم، لصحيفة «فورين بوليسي»، بأن «السويد نفذت كل جزء من المذكرة الثلاثية وستتابع تنفيذ بنودها بما يتماشى مع القانون السويدي والدولي».

ستكون قمة الناتو السنوية في فيلنيوس، ليتوانيا، خلال هذا الأسبوع لحظة محورية حتماً. مع اقتراب موعد القمة وبعد فوز أردوغان بخمس سنوات أخرى على رأس الحكومة التركية، يبذل الدبلوماسيون والسياسيون الغربيون قصارى جهدهم لتسريع عملية انتساب السويد.

صرّح الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، في 29 أيار الماضي: «لقد هنأتُ أردوغان. هو لا يزال يريد التوصل إلى تسوية معينة بشأن طائرات «اف- 16». أخبرتُه بأننا أردنا عقد صفقة مع السويد. لنفعل ذلك إذاً». ثم تطرق إلى المفاوضات السرية المتعلقة باستفادة تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة الذي تقوده الولايات المتحدة.

في اليوم التالي، أعطت المحكمة العليا في السويد الضوء الأخضر لتسليم مواطن كردي من تركيا. إنه محمد كوكولو المحكوم في تركيا بتهمة نقل الحشيش منذ العام 2014. ستكون للحكومة الكلمة الأخيرة بشأن تسليمه.


MISS 3