البشر يسمعون الصمت

02 : 00

منذ أيام أرسطو، يتجادل العلماء والفلاسفة حول إمكانية «سماع» الصمت. ربما توصلت سلسلة جديدة من التجارب في جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية الآن إلى حلّ هذه المسألة.

لجأ الباحثون هذه المرة إلى خدعة معروفة تُستعمَل لخداع أدمغة السامعين وتجعلهم يعتبرون صوتَين منفصلَين أقصر من صوت واحد، مع أن الوقت الإجمالي يكون متشابهاً في الحالتَين.

إستبدل الباحثون الأصوات بالصمت، واكتشفوا أن الخدعة لا تزال فاعلة. يستطيع كل فرد أن يجرّبها. في هذه الحالة، تُعتبر لحظة صمت متواصلة أطول من لحظتَين منفصلتَين من الصمت، مع أن مدة هذه اللحظات كلها تبقى متشابهة.

يقول رو تشي غو، خريج من قسم الفلسفة وعلم النفس من جامعة «جونز هوبكنز»: «الصمت، بغض النظر عن طبيعته، ليس صوتاً بحد ذاته، بل إنه غياب للأصوات. كان مفاجئاً أن نستنتج أن الصمت يمكن سماعه أيضاً».يفترض الباحثون أننا نسمع الصمت فعلاً بدل أن نتخيل وجوده، لأننا نتجاوب معه بطريقة تشبه تفاعلنا مع الأصوات خلال تلك الخِدَع الوهمية. يبدو أن ثنائي الروك الشعبي سايمون وغارفنكل كانا محقَين في هذا المجال.

شملت سبع تجارب ألف مشارك. بالإضافة إلى الخدعة الدماغية الأساسية، جرت اختبارات مشابهة أخرى وغطّت لحظات صمت جزئية أو لحظات صمت متنوعة من حيث تقاربها أو تباعدها.

استُعمِلت أنواع من الضجة في خلفية أماكن مختلفة، مثل المطاعم المكتظة ومحطات القطار، كإطار للصمت في بعض التجارب، لكن اختلفت النغمات المستعملة في تجارب أخرى.

على مر التجارب كلها، كانت الآثار متشابهة: يبدو أن المشاركين تعاملوا مع الصمت بالطريقة نفسها. تضاف نتائج هذه الدراسة إلى معلومات متزايدة حول طريقة عمل حاسة السمع.

يقول إيان فيليبس، فيلسوف وطبيب نفسي في جامعة «جونز هوبكنز»: «يبدو أن أنواع الأوهام والآثار التي توحي بأنها حكر على معالجة المعلومات السمعية في أي صوت تتكرر في لحظات الصمت أيضاً، ما يعني أننا نسمع غياب الأصوات فعلاً». تكشف دراسات عدة حتى الآن أن الصمت قد يكون عاملاً مهماً لإدراك الأصوات، بما في ذلك طريقة التوقف عن الكلام بين مختلف الكلمات. لكن لا تثبت أي أدلة تجريبية حتى هذه المرحلة أن الصمت بحد ذاته قد يشكّل حافزاً يسمعه الدماغ.

يريد الباحثون في المرحلة المقبلة أن يستكشفوا طريقة إدراكنا للصمت حين يكون منفصلاً بالكامل عن الأصوات (بدل أن يكون جزءاً منه، كما حصل في هذه التجارب). هم يتساءلون أيضاً عن إمكانية أن نختبر صمتاً مثالياً في أي لحظة واحتمال تحسين علاجات مختلف مشاكل السمع.

في النهاية، يقول تشاز فايرستون، عالِم معرفي من جامعة «جونز هوبكنز»: «لطالما تجادل الفلاسفة حول إمكانية إدراك الصمت بطريقة ملموسة، لكن لم تتطرق أي دراسة علمية إلى هذه المسألة مباشرةً حتى الآن».

نُشـرت نتائج البحث فــي مجلة «بناس».


MISS 3