مجيد مطر

حريّة التعبير وروح القوانين

15 تموز 2023

02 : 00

أصدر القضاء اللبناني حكماً بحق الإعلامية ديما صادق، قضى بحبسها وتغريمها وتجريدها من حقوقها المدنية، وذلك على خلفية الدعوى التي تقدم بها «التيار العوني» بتهمة القدح والذم. القرار أثار ردات أفعال شاجبة، إن من الحقوقيين وأهل الاختصاص، أو من الرأي العام، الذي توحّد بمختلف انتماءاته حول الدفاع عن حرية التعبير.

فالمسألة أكبر من حصرها بالنقاش حول الجهة القضائية المخولة النظر في جرائم المطبوعات، لمحاكمة الكتاب والصحافيين على خلفية ما ينشرونه قولاً وكتابة، مع التسليم بأهمية هذا الموضوع من الناحية القانونية البحتة.

فحرية التعبير، بدأت كإشكالية في خضم الثورات الديمقراطية في أوروبا لمواجهة الحكم الملكي الذي أعطى لنفسه هالة من القداسة تمنع انتقاده، بحيث كل من استعمل حقه بالتعبير في نقد السلطة، كان يلقى عقاباً قد يصل حدّ الإعدام.

وأول تلك الإشكاليات تمثلت بحق النائب في اداء مهامه التمثيلية للدفاع عن مصالح الشعب، فَوُجدَ نظام «الحصانة البرلمانية» الذي هدف الى حماية النائب وضمان حريته واستقلاله، كي لا يخضع للابتزاز أو التخويف من قبل السلطات الحاكمة، ما عزز لاحقاً من الديمقراطية التمثيلية وتكريس دور البرلمان في التعبير عن مواقفه عند القيام بوظيفته الرقابية والتشريعية.

وقد تطوّر هذا الأمر ليدخل في صلب حقوق الانسان ليصبح حق التعبير مكفولاً بضمانات غير قابلة للعزل.

فلا يخضع لشروط أو قيود إلا في حال إساءة استعمال هذه الحرية المحددة في القانون. فجميع المواثيق والعهود الدولية لحقوق الانسان، قد أقرّت للأفراد الحق بالتعبير، المتعلق بالسياسة تحديداً. هنا يتوجب علينا طرح الأسئلة المهمة حول: أين تقف حرية التعبير ومتى يتدخل القانون، وأين تبدأ حرية الآخرين؟

لقد اعتبر قانون العقوبات اللبناني أنّ حرية التعبير تقف عند المس بالأمن والنظام العام، أو التعرض للكرامة البشرية أو تهديد الأفراد والتهويل عليهم أو تحقيرهم، باستعمال الوسائل التي حددها القانون كالنشر وغيرها.

وعليه، هل ما صرّحت به ديما صادق يعتبر من باب القدح والذم، وهل قيامها بالدفاع عن شخص قد تمّ التعرض له على نحو خطير، واعتراضها على فعل يثير الفتنة ويفرّق بين اللبنانيين؟ فضرب أي مواطن على أنه من منطقة معينة، ينطوي على خرقٍ فاضح للدستور ولحقوق الانسان.

إنّ حرية التنقل مصانة بالقانون، ومن حق أي لبناني أن ينتقل من مكان إلى آخر داخل بلاده، طالما أنّه غير ملاحق بجرم جزائي، ولا توجد حالة إعلان للطوارئ، التي تحدد الزمان والمكان المقيدان لحرية التنقل، ما عدا ذلك إنّ مجرد سؤال أي مواطن عن سبب قدومه إلى هذه المنطقة أو تلك، من جهات غير مخولة بذلك، هو اعتداء على حقوقه وحرياته الشخصية، فضلاً عن قساوة مشهد الاعتداء الجسدي عليه الذي ظلّ مرتكبه محصّناً من العقاب.

فقد جاء في مقدمة الدستور، إنّ أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها، والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان الخ...

قد يتشدد القانون بتقليص حرية التعبير، باعتبار أنّ القانون هو انعكاس فوقي للبنى التحتية للطبقة الحاكمة، وغالباً ما يعبّر عن الجهة التي سنّته، وقد يمكن لسلطة استبدادية ما، أن تحتال على القوانين لتقمع خصومها، إنما من الصعوبة بمكان أن تنال من روحها، فهذه الروح يحميها القضاء النزيه والعادل، كسلطة مستقلة وجدت لضمان تكريس خضوع الحكام والمحكومين لموجبات الأنظمة والقوانين على حدٍّ سواء.

إنّ حرية التعبير يجب أن لا تقيّد بقيد، وعليه يجب التمييز بين التعبير في الشأن العام والشأن الخاص. فكل من دخل بإرادته معترك السياسة، هو معرض لنقد لا حدود له، ما عدا المس بما هو شخصي وعائلي، لذا عليه أن يتقبل برحابة صدر، كلّ ما يصدر عن المواطنين الذين يدفعون ثمن أخطاء السلطة في كل الأحوال. فالشعب اللبناني الذي خسر جنى عمره، يبقى أمامه الشتم كأقل الواجبات لا الحقوق، ليعبّر من خلاله عن غضبه بوجه من أفقره وقتل أحلامه.

يقول نلسون مانديلا: ليس حراً من يهان أمامه إنسان، ولا يشعر بالإهانة. وهذا ما فعلته ديما صادق.


MISS 3