بشارة شربل

تخليص النفيس في تشخيص باريس

17 تموز 2023

02 : 00

تَعلم السفيرة الفرنسية التي أنهت مهمتها في لبنان بخطبة جمعة وداعية أنّ «لا حياة لمن تنادي»، وأنها «تقرأ مزاميرها» على تماسيح، مثلما نعلم أنّ تلخيصها أزمة لبنان الحالية وتقديمها خريطة الحل المبدئية في ذكرى 14 تموز، هما من باب الواجب الديبلوماسي لممثلة بلاد وقفت الى جانب شعب «كان طريح الفراش»، وتأمل أن تراه واقفاً بلا عكاز.

واقع الأمر أنّ كلمة السفيرة، رغم «شدشدتها» في ماتينيون، صيغة مخففة لا تقاس بخطاب «قطع الرؤوس» الذي واجه به رئيسها ماكرون من «قصر الصنوبر» نفسه المنظومة الحاكمة إثر تسببها بجريمة النيترات وسرقتها ودائع الناس. وإذا كانت تلك البهدلة الشهيرة لم تهز شعرة في رؤوس ممثليها ومشغليها، فربما نزل كلام آن غريو عليهم برداً وسلاماً، خصوصاً بعدما نجحوا في جرّ باريس نفسها الى ملعب تعطيل الاستحقاق من خلال الترويج لترئيس سليمان فرنجية، على أساس حكمة السكارى «داوني بالتي كانت هي الداء»، وباعتبار أنّ ابن المنظومة «أدرى بشِعابها»، وأقدر على فك الاستعصاء وربما انتزاع التنازلات... من غير أن ننسى أنّ لباريس حسابات مصالح وصفقات تكاد تتخطى روح «ثلاثية» الثورة الفرنسية.

تُشكر السفيرة الفرنسية على تنبيه اللبنانيين الى أن لا ينخدعوا بمظاهر الاستقرار في زمن تلاشي الدولة وسيولة الأوضاع الاقليمية. ومهمٌ أن تحذّرنا من «توهم البناء على اقتصاد «الكاش» الموازي والتبييض والجريمة المنظمة بدفع من دولة المخدرات السورية». لكن سعادتها لم تأتِ عملياً بجديد. ذلك أنّ الشعب اللبناني أطلق ثورة 17 تشرين استناداً الى ما يشبه هذا التشخيص، مع نقطة إضافية تجنّبتها السفيرة لئلا تعرقل مهمة مبعوث دولتها الرئاسي، علماً أنها «بيت الداء» وعنوانها «السلاح غير الشرعي».

لم تساعد دولةٌ لبنان بعد بلائه العظيم بقدر ما ساعدته فرنسا، لكن يُخشى أن تشرد جهودها «خارج الموضوع» الأساسي، خصوصاً أنها تداوي الجرح الرئاسي بمَرهم الحوار المنقضية صلاحيته، وتطرح علينا سفيرتها «اللامركزية» لإصلاح النظام السياسي، وهي، على ضرورتها، غير كافية لإصلاح الخلل البنيوي في النظام.

وحده الجاحد ينكر جهد فرنسا في مساعدة لبنان. لكن خطبة سفيرة باريس تحتاج الى فرز الغث عن السمين، ما يؤكد أنّ مقاربتها لحل مشكلاتنا المستعصية على طريقة «بالتي هي أحسن» تتعارض وما ينتظره اللبنانيون من دور مفصلي واستثنائي وخلَّاق لفرنسا المنذورة لعلاقة تاريخية مع بلاد الأرز... صحيح أنّ كسر الجمود يبدأ بانتخاب رئيس، لكن الأصح أنّ لبنان يواجه قضايا مصيرية خطيرة تستطيع فرنسا أن تتصدر التصدي لحمايته من تداعياتها، أو أن تتقدم سعياً أممياً لتحقيقها. وسأكتفي منها باثنتين: كارثة النزوح السوري المدمّر المرعي دولياً وأوروبياً وماكرونياً على حساب حاضر لبنان ومستقبله، بشهادة القرار الأخير للبرلمان الأوروبي. وموضوع «الحياد» الذي يؤمِّن استقراره السياسي والاقتصادي على المدى البعيد. ويا للأسف، تبدو فرنسا في كليهما غير مفيدة الى حد خطير.


MISS 3