مجيد مطر

نتائج لا أسباب

22 تموز 2023

02 : 00

رياض سلامة المشكلة، رياض سلامة هو الحل. يكفي أن نراقب كيف تجري الأمور، لنقول إنّه عجز سلطوي غير مسبوق في تاريخ هذا البلد. ففي بلد طبيعي، غير لبنان، تنتظم فيه الحياة الدستورية، السياسية والإدارية، يوصف هذا الواقع بالمعضلة المهزلة. فلمجرد قرب انتهاء ولاية موظف في منصب رفيع، في ظل شغور رئاسي، وحكومة تصرّف الأعمال، علاوة على رفض مكوّن وازن من المكونات الطائفية لهذا البلد، اللجوء إلى تعيينات إدارية قبل انتخاب رئيس الجمهورية، قد أوقعنا في ورطة كبيرة، تهديدات نواب الحكام بالاستقالة ليست أبرز تداعياتها.

فهل هذه من قبيل الأسباب التي يمكن معالجتها، أم هي نتائج لترهّل قد أصاب الإدارة بمعناها العريض والشامل، أي السياسة والإدارة العامة معاً؟

في الواقع ما يحدث هو نتائج مباشرة للسياسة في لبنان التي أخذت من الإدارة العامة أكثر مما أعطتها. ويعود ذلك إلى طبيعة السياسة في لبنان بمرتكزاتها الطائفية التي تتيح لأحزاب الطوائف أن تصادر جميع التوظيفات، تحديداً في الفئات العليا باعتبارها مغنماً من مغانم السلطة، وذلك بغض النظر عن تطبيق مبدأ الكفاءة في تولي الوظائف العامة الذي نصّ عليه الدستور، ومن دون الأخذ في الاعتبار القدرات العلمية والفكرية والنفسية للأفراد المقترحين لاستلام تلك المناصب القيادية العليا، لما لها من تأثير في تطوير الإدارة العامة، كأداة من أدوات السلطة التنفيذية.

وقد أدت تلك الممارسات إلى اضعاف مناعة الجسم الإداري، فلا وضع للرجل المناسب في المكان المناسب، بل حصل العكس على مدار السنوات السابقة. لقد نُسِفَ مبدأ الفصل ما بين السياسة والإدارة، فتعطل دور الأجهزة الرقابية المنوط بها مراقبة الإدارات العامة والعمل على تطويرها، فوقفت مكتوفة الأيدي أمام الحمايات السياسية، لتدخل الخدمات العامة في مرحلة الأفق الغامض الذي تقوم فلسفة الإدارة نفسها على تجنب الوقوع فيه. فالترقيات غالباً ما تتم بناء على قاعدة الولاء السياسي قبل كل شيء.

إنّها نتائج لسلوكٍ، خلنا أنّه قد أصبح من مخلّفات الماضي، ليبدو أننا كلبنانيين قد كنا مخطئين. السيطرة على الإدارة من الأمور التي تهم السياسة في لبنان على نحوٍ خطير، وذلك لتكون الخدمات حصراً بالزعيم، انّما من المال العام، فيمنّن المواطن من كيسه!

إنّ حاكم مصرف لبنان، قوي وقوته نابعة من ضعف من حوله، فبحسب النقاشات الإعلامية الدائرة حول قرار نواب الحكم الاستقالة، كهروب من تحمل المسؤولية، ثمة من يقول إنّ هؤلاء أقرب إلى هواة قياساً بالحاكم الأصيل، هم أقرب إلى رجال القانون منهم إلى الاقتصاديين، ليثبت ما هو مثبّت، أن لا تعيينات في لبنان تأتي من ضمن خطة أو من مباراة يختار بنتيجتها الفائز الذي يستحق. مع الاحترام الشديد لمؤهلاتهم ومناقبيتهم.

وعليه، فالمنافسة في التقدّم للوظائف العليا، يجب أن تتم وفقاً لاختبارات تعطي المؤشرات الصحيحة حول القدرات والامكانيات والمؤهلات، ليكون البديل قادراً على ممارسة صلاحيات الأصيل، من دون خوف أو قلة ثقة، أو يفكر ويدير انطلاقاً من نص القانون، لا من واقع الحمايات الطائفية والسياسية.

في البعد السياسي لما تقدم، يمكن القول بوضوح تام، إنّ ما نعيشه اليوم من واقع أليم، هو نتيجة مباشرة للمغامرة الصبيانية التي أسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري في 2011 بعد اعلان قوى 8 آذار استقالتهم منها من على منبر الرابية، فتراكم الأخطاء بدأ من هذا التاريخ. لقد أدّت تلك الخطوة غير المحسوبة إلى فوضى، ثم بداية نفور عربي تجاه لبنان، أدى في ما بعد إلى مقاطعة اقتصادية مع خروج الرساميل العربية من البلد، ليخضع بعدها لمحور قوى الممانعة، بعد عجز واضح عن تطبيق حازم لسياسة «النأي بالنفس» التي كانت تهدف إلى ابعاد لبنان عن شبح الحروب المحيطة به، وعدم التورط بأي منها.

إنّ كل مبادئ الحكم والإدارة تنص على ضرورة الالتزام بأحكام الدستور والقوانين النافذة، بغية تحقيق المصلحة العامة، ولا يوجد مصلحة ملحة وضرورية سوى انتخاب رئيس جمهورية يعلن بتواضع: أنا رئيس كل اللبنانيين، أطبّق الدستور وأبرُّ بقسمي.


MISS 3