رمال جوني -

الغلاء فرض نفسه مجدّداً... عرنوس الذرة بـ200 الف ليرة

23 تموز 2023

17 : 55

كان لافتاً حجم الغلاء في منطقة النبطية، ارتفاع غير مبرر للأسعار، أمر بات مستغرباً لماذا منطقة النبطية هي الأغلى؟ سؤال يبدو من الصعب الإجابة عليه، وَسْط حالة الفوضى التي تسود السوق الداخلي.


في وقت يحيي أبناء النبطية مراسم عاشوراء، المدرسة التاريخية في محاربة الظلم والفساد والجور، يمعن التجار داخلها في التلاعب بالأسعار، يطرحون أرقاماً باتت مستهجنة، والأغرب أن الاعتراض الشعبي غير وارد.


في ظل موجة الحر الكبيرة التي تسيطر على المنطقة، تبدو أقل حدّية من حرارة الأسعار الكاوية، إلى درجة سجّل العرنوس 200 ألف ليرة،  وهو رَقْم قياسي، فبائعو عربات الفول والذرة يستغلون عاشوراء لرفع الأسعار، يضعون أسعاراً مضاعفة مرّتين وأكثر، في محاولة منهم لتحقيق أرباح غير مسبوقة خلال الأيام العشرة من عاشوراء، حين تشهد النبطية اكتظاظاً كبيراً، وهو ما يعتبره ابو يوسف «فرصة لا تعوّض»، يشتري العرانيس الـ5 بـ100 الف ويبيع العرنوس الواحد مسلوقاً بَـ200 الف ليرة. يرى السعر مقبولاً مجاراة بالدولار، يضع هامشاً واسعاً من الربح، رغبة منه في الاستفادة من الظرف الحالي.


عشرات عربات الفول تتوزّع في مدينة النبطية وحدها، تبيع الفول، الذرة، والحامض، لكلّ منها سعره الخاص، ولكنها تجمع على الاستفادة من عاشوراء، اللافت أنها استقطبت الشباب أيضا، في فرصة عمل ظرفيّة، كنوع من الربح السريع، يقرّ علي شاب عشريني بأن عربة الفول تجارة رابحة، وهي تنشط هذه الأيام، تصلّ يوميّة علي إلى حدود الـ٥ ملايين ليرة، نظراً إلى حجم الاكتظاظ داخل النبطية، ويؤكد أنها فرصة ذهبية لا تعوض.


يتحلق الكبار والصغار حول عربات الفول المنتشرة، يتأبط الاب بابنه بانتظار دوره، يطلب صحن ذرة، ظنّاً أنه بـ100 ألف ليرة، والصدمة انه بسعر 200 ألف ليرة، في حين سجل صحن الفول سعراً يتراوح بين الـ150 والـ200 ألف ليرة أيضاً، ما دفعه ليلغي الطلبية، فإذا أراد شراء ثلاثة لأولاه، سيتكبد مبلغ 600 ألف ليرة، وهو ما يتخطى يوميته كموظف دولة هذه الأيام.


يستغرب محمود هذا الغلاء، وهو ما يدفعه للقول: «عم ناكل بعضنا، وأكثر. المخزي أنه في ذكري ثورة الحسين على الفساد والجور، نرى الجور بأعيننا ولا نتحرك، وهنا الكارثة».


ينسحب الغلاء في منطقة النبطية على كل شيء، حتى الخضار حلّقت من جديد، وسجلت أرقاماً قياسية، الخسة بـ80 ألف والبقدونس بـ٢٥ ألف ليرة وهلمّ جرّ من الخضار، وعن الأسباب يقول ابو علي صاحب محل خُضَار: «التجار الكبار يتحكمون بالسوق، يضعون الأسعار التي تناسبهم، لا نعرف سبب الارتفاع بالأسعار، علما أن الدولار ثابت».


ليست تجارة السلع هي الرائجة بل أيضا تجارة النفايات، التي يحقق من خلالها تجارها أرباحاً كبيرة، يحرقون النفايات المكدسة في المكبات المستخدمة للتجارة، لم يكد ينطفئ مكب كفرتبنيت حتى اشتعل مكب الكفور، يتصاعد الدُّخَان منه، يغطي المنطقة، تصل روائحه المسمـّة إلى النبطية، حيث المئات يحيون عاشوراء، تبدو سحب الدُّخَان السامة، لصيقة بيوميات الناس هنا، في وقت يردد القراء: «خرج الحسين ليحارب الطغاة والفاسدين»، لا يتحرك أحد لوقف تجار النفايات الذين يمعنون فسادا وأمراضا في المجتمع.


ترافق رائحة النفايات أبناء النبطية في أيام عاشوراء، تنهك انوفهم، وتسبب لهم الأمراض، ومع ذلك لم يرفع احدهم الصوت، في احد الشوارع علقت لافتة حسينية تدعو لمحاربة الفاسدين، ولكن لم يخرج من يحارب تجار النفايات، الأزمة الأخطر في المنطقة، بقيت هذه الأزمة عصية على الحل، كل الحلول التي طرحت باءت بالفشل، المسعى الاخير لحل الازمة كان قبل انتهاء ولاية محافظ النبطية السابق الدكتور حسن فقيه، وقتها جرى التوصل إلى حل يقضي باعتماد مكب دير الزهراني مكباً لقرى النبطية، على أن تدفع كل بلدية مبلغاً من المال، بانتظار تحويل اموال مناقصة النفايات التي رست على شركة يامن، غير أن رئيس بلدية دير الزهراني نقض الاتفاق في لحظاته الأخيرة، تحت ذريعة نقبل بالعوادم فقط، وليس النفايات، مع علمه أن معمل الفرز متوقف عن العمل.


مصادر اكدت ان الصراع السياسي والحزبي الاحادي والثاني هو من عطل الحل، وابقى على سلطة تجارة النفايات، التي تحترق بين الفينة والأخرى، في ظل السؤال اليوم من يقمع هذه التجارة ويضع لها حداً؟ الا ان الواضح، ان سياسة الفساد مستشرية في كل الملفات، والمستغرب كيف نتمسك بثورة عاشوراء ولا نطبّق اي بند من بنودها! 





MISS 3