مجيد مطر

الحليف متين

31 تموز 2023

02 : 00

هناك في العلاقة بين «التيار العوني» وحزب الله» ثابت اسمه ميشال عون، باعتباره قائد التحول السياسي منذ 2005 وصولاً الى انتخابه رئيساً للجمهورية. وهذا الثابت شكّل الدافع لاستيعاب مواقف «الصهر» الوزير السابق جبران باسيل التي وصلت الى حدودٍ، ما كانت لتمر لولا مراعاة العم وفضائله.

الاستحقاق الرئاسي والاختلاف حول مقاربته بين الطرفين، قد صدّع العلاقة بينهما، إنّما من دون اعلان الانفصال. في هذا المقام لـ»حزب الله» أسبابه التي تدخل في نطاق البعد الاستراتيجي الذي يحتّم عليه الإبقاء على شعرة معاوية قائمة مع حليفه «المشاغب»، نظراً للإستثمار السياسي المديد في «التيار»، الذي تحوّل الى ركيزة من ركائز «الحزب» في السياسة اللبنانية. فـ»التيار» له مكانة خاصة، تختلف عن باقي الحلفاء. وهو يمثل وظيفة، ينبغي المحافظة عليها في لعبة السياسة وتحوّلاتها.

في كل العلاقات أيّاً تكن طبيعتها، شراكة سياسية، إنسانية أو تجارية، نجد أنّ ما يبقيها في حالة الاستمرار هو «التفهّم المتبادل» وهذا ما يجيد «الحزب» فعله تجاه سلوك جبران باسيل في ما يخص الملف الرئاسي.

«حزب الله» يتفهمه جيداً، وقد يصل تفهّمه الى حدود الاقتناع بوجهة نظر باسيل، انّما من دون تبنيها. تدرك قيادة «الحزب» أنّ لدى رئيس «التيار العوني» حساسية مفرطة تجاه الوزير السابق سليمان فرنجية، وقائد الجيش العماد جوزاف عون، وذلك لأسباب سياسية وشخصية.

وأغلب الظن أنّ الحوار القائم بين الطرفين، جاء بمبادرة من «حزب الله»، والهدف السياسي منه، اقناع باسيل، بالدخول في صفقة سياسية، تكسبه أكثر من الرئاسة نفسها مع ضمانات تُقدّم له، كي لا يخرج من المولد بلا حمص.

ما يطرحه عليه من نصائح: لا تخض تجربة عمك، فكن صانع الرُؤساء، وحقق المكاسب العملية، ولا تكن رئيساً مكبلاً من قبل الحلفاء قبل الخصوم. إنّها خريطة طريق سياسية تحمل خيارات أكثر من واضحة: السير بانتخاب سليمان فرنجية ماذا سيكسب من ورائه؟ و ما هي الخسائر اذا اختار السير بخلاف ذلك؟

اذا كان «حزب الله» محرجاً بين الحليفين، بين وعد قطعه لفرنجية، وبين حليف لا يريد أن يخسره على مذبح الرئاسة، إنما هو حتماً غير حائر بضرورة التمسك بـ»حلف مار مخايل» الذي لا يريد له «الحزب» أن يفقد قوة حضوره على مستوى الشارع المسيحي.

وما رفض «الحزب» السير بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، سوى إشارة مهمة يريد أن يقول من خلالها: الخلاف بيني وبين باسيل لم يصل الى حدود السير بما يضرّه ويحرجه ولا يراعي مصالحه. هنا في هذه المسألة يتقدم «التيار» على باقي الحلفاء ومن ضمنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري. فبقاء «التيار العوني» قوياً في النظام اللبناني مهمة من مهمات «حزب الله» الإلهية. هي مصلحة لا يمكن مسايرة كائن من كان على حسابها.

وموقفه من مسألة تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان، لا تقتصر فقط على إرضاء باسيل، بل تتعداها الى ادراك أهمية هذا الموقع، استناداً الى ما أثبتته تطورات الأحداث، وعلى ما يبدو أنّ «الحزب» قد بدأ حديثاً اكتشاف النظام اللبناني، وكل مكامن قوته وضعفه، خصوصاً لناحية المواقع المؤثرة فيه.

صحيح أنّ تعيين حاكم مصرف لبنان يدخل فيه التأثير الخارجي، وتحديداً من قبل الولايات المتحدة، ولأسباب معروفة، انما يبقى للتأثير الداخلي الكلمة الفصل، لذا من البديهي القول إنّ «الحزب» يرتاح لحاكم قريب من «التيار» أكثر من حاكم آخر، حتى ولو كان مقرباً من فرنجية نفسه.

وعليه نجده يريد تحقيق المعادلة الآتية: سليمان فرنجية رئيساً، وجبران باسيل رابحاً وقوياً. من هنا يمكن تلمس الخلاف الخفي بين «حزب الله» والرئيس بري، الذي يمارس كل أنواع الضغط في سبيل تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان، قبل أن يدخل هذا الموقع في بازار المكاسب المتعلقة بملف الاستحقاق الرئاسي.

من الصعوبة بمكان أن يستطيع «الحزب» القائد إرضاء حليفيه اللدودين بري وباسيل، لذا يسعى لتنظيم الخلاف بينهما، لابقاء الوضع على ما هو عليه، بانتظار بداية مشهد سياسي جديد قد ينتج عن الحراك الخارجي في قابل الأيام.

قصارى القول، يتأسس سلوك «حزب الله» راهناً على رأب الصدع مع «التيار» كأولوية ملحة، على قاعدة يحق لباسيل ما لا يحق لغيره!


MISS 3