جورج بوعبدو

السفارة الأميركية تكرّم إرث كركلا المسرحي

أليسار وإيفان كركلا: الراقص اللبناني شجاع ومتمسّكون بهويتنا

31 تموز 2023

02 : 05

السفيرة الأميركية تسلّم الدرع لإيفان وأليسار كركلا

حلّ كلّ من ايفان واليسار كركلا ضيفين على السفارة الاميركية ضمن برنامج Meet the Artist الدوري، تكريماً للإرث المسرحي الراقص الذي بدأ مع والدهما عبد الحليم كركلا وما زال ماضياً برفع اسم لبنان في ارقى المنابر والمسارح الدولية.

جمع اللقاء بين جيلي العراقة وقدامى راقصي الفرقة والشباب الناشئ الذي اختار امتهان الرقص المسرحي، عبر فقرة "سين وجيم" تضمنّت أسئلة مثيرة طرحها الشباب الصاعد على كل من ايفان واليسار للاستفادة من خبراتهما في هذا المجال.



لنتكلم عن استمرارية فرقة «كركلا». من الواضح أننا نحتاج إلى الثقافة اليوم أكثر من أي وقت مضى. يمرّ لبنان بأزمة اقتصادية صعبة منذ ثلاث سنوات ونصف. ما هو دور مسرح «كركلا» خلال هذه الأزمة بالنسبة إلى لبنان واللبنانيين؟ كيف تمكنتم من الحفاظ على هذه الاستمرارية في المسرح والمدرسة معاً، فيما يجد الناس صعوبة في إعالة أنفسهم؟

أليسار كركلا: كان الوضع صعباً جداً. كان من الأسهل علينا أن نغلق أبوابنا خلال أزمة «كوفيد». أصبح العالم كله مغلقاً، لذا أغلقنا أبوابنا طبعاً. بعد فترة «كوفيد» وتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، صعب علينا الطلب من الناس أن يأتوا للرقص فيما يجدون صعوبة في تأمين طعامهم. تساءلنا عما نفعله للاستمرار. لكننا بقينا راسخين في لبنان وفي ثقافتنا وتراثنا. اقتنعنا باستحالة إغلاق أبوابنا بعد 53 سنة. حين بدأت جائحة «كوفيد» تخفّ، فتحت مدرسة الرقص أبوابها تدريجاً وتفاجأتُ حين لاحظتُ إلى أي حد يحتاج الطلاب والشباب إلينا، رغم الأزمة الاقتصادية، أكثر مما نحتاج نحن إليهم. كانوا يحتاجون إلى مكان مماثل ونحن قدّمناه لهم. يجب أن يكون الفن متاحاً للجميع وألا ينحصر بالنخبة. أدركنا أهمية أن نبقي أبوابنا مفتوحة كي يأتي الطلاب إلينا. أتأثر في كل مرة أدخل فيها المدرسة وأشاهد طلاباً من جميع الأعمار. إنه مكان للهرب من الأحداث الخارجية، والتطورات السياسية، وأحداث الشوارع، والانفجارات، وما يحصل في منازلهم. يسمح لهم هذا المكان بالحلم ويجدون فيه ما يبحثون عنه. هكذا يجدّد الرقص الأمل. أقول دوماً إننا لا نعلّم الرقص فحسب، بل التمسك بالأحلام، والإيمان بالذات، والاقتناع بقدرتنا على التعلم والحفاظ على شخصيتنا وميولنا الفنية. لم تكن مهمة سهلة لكننا شعرنا بأن مسؤولية اعادة الحياة الى لبنان تقع على عاتقنا ولن نتخاذل عن اداء هذا الواجب.



بعيداً عن التحديات الخارجية، تتعدد المصاعب على المسرح أيضاً. لا مفر من وقوع الأخطاء. ما هي أكبر التحديات التي يمكن مواجهتها على المسرح أثناء تقديم العرض وكيف يمكن التكيّف معها؟

إيفان: هذا هو جمال المسرح. لا نعرف ما يمكن توقّعه. حين نكون أمام الكاميرا قد نوقف التصوير ونعدّل المشاهد. تعرض الكاميرا ما يشاهده المصور وما يريد عرضه. لكنّ جميع الأنظار تتّجه إلى المسرح. تكمن الصعوبة في توقّع ما يمكن حصوله. نحن نندمج مع أجسامنا عندما نتدرب على الرقص. إنه رابط بين العقل والجسم والروح، فيصبح الراقص الفنان الرئيس على المسرح. بعد سنوات من التدريبات، نتعلم تجاوز التحديات، كانقطاع الكهرباء الفجائي مثلاً، فنصبح نحن النور على المسرح حينها. قد تتوقف الموسيقى ويصبح جسمنا بديلاً عنها. قد نفوّت خطوة رقص، فنضطر للتحايل على هذا الخطأ. المهم علينا تجاوز الخوف من الإخفاقات بحيث يتحوّل المسرح إلى عالمنا الصغير ونتلاعب به بالشكل الذي يناسبنا. بعد تكثيف التدريبات، يكتسب الراقص خبرة إضافية، كما يحصل في أي عمل يترافق مع تحدياته الخاصة.



دوروثي شيا مرتدية عباءة كركلا



ما هي أولوية المدرسة، والمسرح، والشركة ككل، وكيف تتعاملون مع الظروف والمشاكل الراهنة؟


في ما يخص المدرسة، هي تُركّز على منح جميع الناس فرصة الانضمام إليها. غياب الإمكانات ليس عائقاً. نحن نرحّب بكل من يريد الرقص. تسمح المدرسة بإنشاء مساحة آمنة وإبداعية لشباب لبنان. كل من يقصد مدرسة «كركلا» للرقص يأتي إلى منزله. تهدف المدرسة إلى الحفاظ على مستوى احترافي واستقبال كل من يريد الانضمام إلينا.


في ما يخص الشركة، هي تعطي الأولوية للحفاظ على وحدتها. حين تقابلون الراقصين في الشركة، ستلاحظون أنهم شخصيات مختلفة. لكن عند رؤيتهم على المسرح، هم يشكّلون كياناً موحّداً، قوياً وجميلاً. يهمّنا أيضاً أن نتواجد في لبنان. نحن غائبون منذ العام 2018. يصعب أن نبتعد عن بلدنا طوال خمس سنوات. نحن نقدم العروض حول العالم ونعجز عن فعل ذلك في بلدنا. إنه وضع صعب جداً، لذلك قررنا إطلاق مسرحية «فينيقيا» في 13 نيسان. أردنا أن نثبت وجودنا ونحاول الاستمرار رغم كل ما يحصل وها نحن في الشهر الرابع لعرضنا الاخير.


فولكلور وهويّة



إلى أي حد تعكس «كركلا» هوية الفولكلور اللبناني والعربي، وما كان تأثير الفولكلور على مسيرة الفرقة؟


أليسار: الفرقة تحافظ على جزء كبير من الفولكلور. هذا الموضوع يطرح مشكلة كبيرة في الشركة. إنه صراع حقيقي. لا يمكننا التخلي عن الفولكلور ولا يمكننا التمسك به. الحل إذاً بتطويره. الفولكلور جميل لأنه من الشعب وإلى الشعب. إنه تراث ثقافي لكنه لا يحمل ثقافة فنية معيّنة. كيف يمكن تطوير الفولكلور على المسرح إذاً ومنحه هوية جديدة؟ وكيف يمكن الانتقال إلى مفهوم مختلف بالكامل؟ رغم الانتقادات في البداية، حصد أسلوبنا الجديد الإشادة بعد سنوات. في مسرحية «فينيقيا» أيضاً، لا علاقة لأول 25 دقيقة بالفولكلور. الرقص هو الأساس، لكن يحمل العمل دوماً لمسة «كركلا». إنه عمل فني من لبنان. لا يعني ذلك أننا تخلينا عن هويتنا. لكن يحمل الفولكلور طابعاً عاطفياً طبعاً. نحن نحاربه لكننا نحبه ونريده. يجب أن نُحدد توقيت إضافته لأن معظم الجمهور في لبنان يحضر عروض «كركلا» لرؤية الفولكلور.


تحمل «فينيقيا» رسالة عن صراع اللبنانيين بين رغبتهم في البقاء أو الرحيل. كيف تطوّرت فكرة المسرحية؟

إيفان: ترتكز الفكرة الأساسية على تقديم مفهوم تقليدي بلغة معاصرة. يصل العرض في أول 25 دقيقة إلى مستوى مختلف. أردنا أن نستوحي أفكارنا من أساطير فينيقية مثل ملكة قرطاج، أليسار. أردنا أن نجد رابطاً بين فينيقيا القديمة وفينيقيا المستمرة حتى اليوم... لقد اخترعنا اللغة، الأزياء، تصاميم الرقص والموسيقى... لكننا ننتقل لاحقاً إلى أجواء الضيعة. إنها تجربة مؤثرة. وعند العزف على الدربكة، يتحمّس الجميع. هذا الجو يسري في دمنا.


تقنيّة ونصائح



كيف تجمعون بين التأثيرات العابرة للثقافة وتحافظون في الوقت نفسه على هوية الفرقة الأصلية؟


أليسار: نحن نتعلم تقنيات الرقص الغربي. إنها الأسس التي تُعلّمنا كيفية استعمال أجسامنا لتصميم الخطوات. عندما عدنا إلى لبنان، بدأنا نقلّد ذلك الأسلوب لكننا أدركنا أن عملنا سيبقى محدوداً إذا اكتفينا بالتقليد، فبدأنا نبتكر أسلوبنا الخاص. نحن نستعمل تلك التقنيات لكننا ننفذها بطريقة شرقية. حركات الجسم شرقية. هكذا كانت بدايتنا. هكذا جمعنا بين الشرق والغرب. تجدون هذه التأثيرات في مسرحياتنا وتقنيات رقصنا. فلسفة «كركلا» كلها ترتكز على خليط من الشرق والغرب. المسرح الغربي بدأ قبل وقتٍ طويل جداً من تطوره في الشرق الأوسط. احتجنا إلى وقت طويل للوصول إلى هذه المرحلة. علينا متابعة التواصل مع الغرب. لكن إذا خسرنا هويتنا، نخسر أنفسنا.



هل من تقنيّة خاصة بفرقة «كركلا» إذاً؟


إيفان: طبعاً. ذكرت صحيفة «لوموند» يوماً أننا «أشخاص لا يريدون تقليد أحد». من واجبنا أن نتقن هذا الأسلوب. وبما أننا شركة عائلية ونقوم بكل شيء، لا مفر من مواجهة المصاعب. لكن للحفاظ على الشركة، يجب أن نتقن ما نفعله. تقوم هذه التقنية على تحريك الضلوع والأوراك ومنحنيات الجسم، ويمكن رؤية جزء كبير من هذه التقنيات في رقصة الدبكة للرجال والنساء. يُفترض أن نُعلّم هذه الطريقة باعتبارها «تقنية كركلا» من لبنان.



بناءً على خبرتكم الواسعة، ما هي نصيحتكم للراقصين في لبنان؟


أليسار: دعوني أقول أولاً إن الراقصين في لبنان يتمتعون بشجاعة كبيرة لأنهم لا يملكون التسهيلات والمنصات بقدر الراقصين الآخرين في أنحاء العالم، رغم تعدد مدارس الرقص، مثل «كركلا» ومدارس أخرى بدأت تتوسّع. الراقصون في لبنان شجعان إذاً، وهذه الشجاعة قد تسمح لهم بتطوير أنفسهم. عند مواجهة العوائق، تزداد قوتنا. نحن اللبنانيين نستطيع التغلب على العوائق بطريقة لا يفهمها الكثيرون حول العالم. مجرّد أن تقولوا إنكم راقصون من لبنان يطرح مشكلة، ولو أن هذا الموضوع لم يعد من المحرمات. هذا العائق يُفترض أن يزيدكم قوة. وإذا كنتم تحبون الرقص، لا شيء يستطيع أن يوقفكم. تابعوا التدرّب لأن الرقص يتطلب انضباطاً قد لا يرغب فيه الجسم. يجب أن تتدربوا يومياً.



ما هي المدة المناسبة يومياً؟


إيفان: يجب أن يحضر الراقصون المحترفون الحصص ويتدربوا على العمود وحركات الباليه يومياً. ويقول موجهاً كلامه للمتدربين: لا يقتصر الأمر على تدريب الجسم، بل يجب أن تُدرّبوا أذنكم الموسيقية وعقولكم، وتهتموا بصحتكم، وتَطّلعوا على عالم الرقص، وتُدربوا العقل والجسم معاً. لن تفشلوا إذا تحلّيتم بالانضباط، والشجاعة، والحب. كل ما تفعلونه جيد بما يكفي. ستستيقظون يوماً وتكتشفون أنكم وصلتم إلى المرحلة التي تريدونها.



إلى أي حد تهتم الشركة بنقل تراثها الثقافي إلى أهم المنصات الفنية العالمية؟


أليسار: إنه أمر بالغ الأهمية. نريد أن تمثّل الشركة هذا البلد الصغير الواقع في منطقة عدائية. بلدنا صغير، لكنّ شعبنا جميل جداً. ويشعر كل من يأتي إلى هنا بأهمية الضيافة في ثقافتنا وتقاليدنا. ترتكز استمرارية شركتنا إذاً على التمسك بهويتنا. هذا ما نريد إظهاره للعالم. لا تقتصر مسؤوليتنا على الترفيه عن الناس بل نريد تثقيفهم أيضاً. نحن نساعد حكومتنا الفاشلة على إظهار الجانب المشرق من لبنان.




إيفان كركلا ودوروثي شيا وأليسار كركلا



أثناء اللقاء



دوروثي شيا وايفان كركلا

















































MISS 3