رواد مسلم

الجيش الأوكراني تأخّر بفرض معادلة "الردّ المتوازن"

2 آب 2023

02 : 00

زيلينسكي خلال تفقّده جنوداً مصابين في غرب البلاد الإثنين (أ ف ب)

إنخفضت وتيرة المعارك بين الطرفين المتحاربين الروسي والأوكراني على كامل الجبهة خلال الأسابيع السابقة، ولم تشهد كامل الجبهة أي معركة حاسمة يمكنها أن تغيّر مسار الحرب لمصلحة أحد الطرفين، فبالرغم من حصول هجمات روسية في شمال شرق أوكرانيا سعياً للوصول إلى ليمان في إقليم دونيتسك ونهر أوسكال في خاركيف، لتحقيق موطئ قدم قبل الهجوم على سلوفيانسك وكراماتورسك وضرب الخلفية اللوجستية للجيش الأوكراني المتواجد غربي باخموت وعلى أطرافها والذي يتمتّع بوضع المهاجم هناك، لم يحقّق أي من الطرفين إنجازات في هذه المناطق.

كذلك في زابوريجيا، حيث كانت واضحة نية الجيش الأوكراني بالوصول إلى ميليتوبول وبحر آزوف لفصل الجيش الروسي إلى جزءين وقطع الجسر البري الروسي والحصول على نقطة مراقبة تسيطر من خلالها على الإمدادات البحرية الروسية لشبه جزيرة القرم، إلّا أنّ هذا الإندفاع الأوكراني بدأ يتراجع ولم يُحقّق أهدافه. لذلك لا يوجد أي معركة حاسمة منذ أكثر من شهر، فالجمود الميداني والاستنزاف يطغيان على وضع المعارك كافة.

إنحصرت المناورات القتالية خلال الأسابيع الماضية بالقصف المدفعي الصاروخي وحرب المسيّرات المفخّخة، التي أصبحت في الفترة الأخيرة تطال العمق الروسي الاستراتيجي، أي استهداف المراكز الرمزية في مدينة موسكو بالطائرات المسيّرة ردّاً بالمثل على كلّ الهجمات الروسية لكييف، واستهداف جسر كيرتش بالزوارق المسيّرة وقصف شبه جزيرة القرم المحتلّة بعد تدمير الجيش الروسي الموانئ في أوديسا، واستهداف قواعد عسكرية روسية على الحدود.

يعتبر هذا الردّ الأوكراني ورقة ناجحة لإحداث الضغط على مراكز القرار الروسي، وتغيّراً تكتيكيّاً من خلال فرض معادلة «الردّ المتوازن»، لكنّه جاء متأخراً بحيث أنّ الجيش الأوكراني المعتدى عليه له حقّ الردّ بكافة الوسائل المسموحة بموجب القانون الدولي الإنساني لاستعادة أراضيه وعدم إلزامية الردّ ضمن الحدود الأوكرانية، بالرغم من عدم إعلان حال الحرب من الجانب الروسي. كان يجب على الجيش الأوكراني أن يُهاجم العمق الروسي من اليوم الأوّل واستخدام كافة وسائل الضغط لعلّها تنعكس على الوضع الميداني في أوكرانيا، وتكبح شراسة الجيش الروسي.

التصعيد الأوكراني باستخدام المسيّرات لضرب العمق الروسي، ليس له تأثير عسكري ميداني مهمّ، فبالطبع لن يُساعد الجيش الأوكراني على التقدّم في هجومه المضادّ، خصوصاً أنّ عمليات التشويش الإلكتروني والدفاعات الجوية الروسية تتمكّن من إسقاط نسبة كبيرة من المسيّرات المتّجهة نحو العمق الروسي، لكنّ تأثيره النفسي والاجتماعي والسياسي على الشعب الروسي وصانعي القرار العسكري هو لمصلحة الهجوم الأوكراني المضادّ. وتأثيره هذا لن ينعكس فوراً في الميدان فهو تأثير تراكمي، إذ إنّ صانع الخطط العسكرية الروسية المستقبلية سيكون مقيّداً، لأنّ أي عمل هجومي روسي سيلقى ردّة فعل أوكرانية مماثلة باستخدام كافة الوسائل المتاحة.

لحرب المسيّرات ضوابط من الغرب، إذ إنّ شرط منح أوكرانيا الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى والمسيّرات، هو عدم استخدامها داخل الأراضي الروسية. لذلك تعتمد أوكرانيا على المسيّرة «يو جي 22» وحدها لاستهداف موسكو، لعدم إحراج دول الناتو، خصوصاً تركيا التي قدّمت لأوكرانيا المسيّرة «بيرقدار»، والولايات المتحدة التي قدّمت العديد من المسيّرات، وقد استهدفت هذه المسيّرات سابقاً نقاطاً روسية حساسة مثل الكرملين وقاعدة «إنغلز» الجويّة البعيدة عن الحدود حيث توجد القاذفات الاستراتيجية الروسية «تي يو 95 أم سي» و»توبوليف تي يو 160».

أمّا بالنسبة إلى شبه جزيرة القرم، فهي أرض أوكرانية معترف بها دوليّاً، فبالرغم من إعلان روسيا ضمّها عام 2014، إلّا أنها ما زالت أوكرانية ومحتلّة بالنسبة إلى كييف والمجتمع الدولي، لذلك لا يوجد أي مانع غربي بإستخدام أسلحتها ضدّ الجيش الروسي المتواجد في القرم، كما على كافة الأراضي الأوكرانية. لذلك من الأكثر إحتمالاً أن تكون المعركة الحاسمة في الهجوم الأوكراني الكبير المضادّ في شبه جزيرة القرم، لتتوسّع بعدها نحو الشمال الشرقي لإستعادة الأراضي الأوكرانية.

لا يوجد وضوح في أي من المعارك الحالية يمكن بناء النتائج العملياتية عليها، ضمناً حرب المسيّرات، فالجيش الروسي يُقوّي خطوطه الدفاعية على كافة الجبهة التي تبلغ 900 كلم، والجانب الأوكراني لم يستطع تصديع هذه الخطوط. لذلك يلجأ الطرفان الآن إلى الهجمات الصاروخية والمسيّرات التي تبقى لصالح الجيش الأوكراني الذي يستخدمها كورقة ضغط قويّة، من خلال الردّ بالمثل على أي عمل روسي.


MISS 3