جاك ديتش وآشلي آهن

نسخة أوباما في تايلند

المصدر: test sgdfkahsdjha adh

بيتا ليمجارونرات يحيي أنصاره في تجمع حاشد ببانكوك | تايلند، 22 نيسان ٢٠٢٣

لم يعتبر أحد بيتا ليمجارونرات تهديداً صريحاً للحكومة التايلندية المدعومة من الجيش، ولا حتى من يراقبون السياسة التايلندية عن قرب. هو لا يشبه أصلاً أي سياسي من جنوب شرق آسيا.

عندما تكلم هذا النائب التايلندي للمرة الأولى مع صحيفة «فورين بوليسي» في فندق شانغريلا، سنغافورة، في الصيف الماضي، حصل ذلك بعد أسابيع على فوز أحزاب المعارضة التايلندية، بما في ذلك حزب «إلى الأمام» الذي ينتمي إليه ليمجارونرات، في الانتخابات المحلية في بانكوك، وهي نتيجة فاجأت المحللين.

بعد الانتصارات الأخيرة التي حققها حزب «إلى الأمام» الداعم لتشريع الماريجوانا، وزواج المثليين، والإصلاحات (إنها مظاهر نادرة في سياسة تايلند)، بدا ليمجارونرات الذي دخل البرلمان التايلندي منذ العام 2019 مشابهاً للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

كانت كلماته قريبة من شعارات أوباما الشهيرة، فقال: «باختصار، عاد الأمل. عاد الأمل إلى سياسة تايلند. عادت سياسة الاحتمالات مجدداً. بدأ الناس يؤمنون بالديمقراطية مجدداً».

التكلم عن الرئيس الأميركي الرابع والأربعين ليس صدفة. يعترف ليمجارونرات بنفسه بأنه يستوحي أفكاره من قواعد أوباما، فيستعمل استراتيجية شعبية في جميع الاستحقاقات الانتخابية بعدما تعلّمها في أيام دراسته في جامعة «هارفارد» قبل عشرين سنة تقريباً. خلال الانتخابات الوطنية في شهر أيار، استفاد الحزب التقدمي الذي يقوده ليمجارونرات من هذا التكتيك للفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان من بين 18 حزباً. سارع ليمجارونرات إلى إعلان نفسه رئيس حكومة تايلند الجديد، وأحدثت هذه النتيجة المفاجئة صدمة قوية في أنحاء المنطقة وطرحت أسئلة كثيرة في الوقت نفسه. الأهم من ذلك هو معرفة مدى استعداد الجيش التايلندي لتقبّل وصول شخص إصلاحي إلى السلطة.

من ناحية معينة، يبدو ليمجارونرات سياسياً براغماتياً يرتدي بدلة رسمية. حين نظّم الطلاب اعتصامات حاشدة في العام 2020 للمطالبة بتطبيق إصلاحات كبرى مثلاً، حاول استمالتهم من دون دعمهم بالكامل. حتى أنه لم يشاركهم أمنيتهم بالتخلي عن النظام الملكي. (شهدت السياسة التايلندية في العقود القليلة الماضية تشكيل سلسلة من الحكومات العسكرية، لكن يضطر الجنرالات حتى الآن لإثبات ولائهم للملك: أثبت النظام الملكي أنه طرف محوري لإعادة ترسيخ الحُكم المدني في مناسبات عدة).

تعليقاً على ليمجارونرات الذي سيواجه أصعب العوائق في المرحلة المقبلة، يقول آرون كونيلي، رئيس قسم الأبحاث المرتبطة بالتغيرات السياسية والسياسة الخارجية في جنوب شرق آسيا، في معهد الدراسات الاستراتيجية: «من الواضح أنه يريد أن يعتبره الناس شخصية توافقية ومعتدلة».

خلال حملة قمع المتظاهرين في العام 2020، كثّف ليمجارونرات جهوده لإطلاق سراح أكثر من 250 محتجاً احتجزتهم الشرطة من دون محاكمة أو محامين. قررت محتجّة عمرها 17 سنة الإضراب عن الطعام في السجن طوال 60 يوماً. نجح ليمجارونرات في إطلاق سراحها بعد أسبوعَين تقريباً. هو استعمل صلاحياته كنائب في البرلمان لتحرير عدد آخر من المتّهمين بسند كفالة. كذلك، يشعر ليمجارونرات بالفخر بعد تراجع المحرمات التي تمنع التكلم عن العرش علناً بفضل خطط حزب «إلى الأمام» الرامية إلى إصلاح قانون إهانة الذات الملكية الذي يجرّم انتقاد الملك فاجيرالونغكورن.

يقول ليمجارونرات: «هذا هو سبب وجود حزبنا. نحن لا نريد الفوز في الانتخابات وحصد أكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين، بل نريد أن نسيطر على الأفكار».

يدعو ليمجارونرات أيضاً إلى تغيير سياسي محدد يقضي بإبعاد السلطة عن الجيش: «إذا لم تنشأ إدارة مدنية ويختفي الجيش عن الأنظار، لن تصبح تايلند مستعدة للقرن الواحد والعشرين».

يحبذ ليمجارونرات التكلم صراحةً عن دور الجيش المفرط في السياسة المحلية، لكنه يمتنع في المقابل عن انتقاد النظام الملكي. هو يُصِرّ على حصر هدفه بتطبيق الإصلاحات بقفازات مخملية لجعل النظام الملكي التايلندي جاهزاً للتعامل مع القرن الواحد والعشرين، فيقول: «إذا كان الوضع يستلزم أي إصلاح أو تعديل، نريد تطبيقه بأسلوب ناضج ولائق وعقلاني حرصاً على حماية طابع تايلند الديمقراطي، في ظل النظام الملكي، مثلما كان الوضع في الماضي».

حين تلاشت آخر جولة احتجاجات في تشرين الثاني 2021، وبعدما تحمّل الرأي العام قيود «كوفيد-19» التي اعتبرتها المعارضة وسيلة لمنع تنظيم تظاهرات إضافية، بدأ حزب «إلى الأمام» يحصد المكاسب. قرر عشرات النواب الإصلاحيين اللحاق بليمجارونرات إلى حزبه الجديد. يعكس برنامجه السياسي الأجندة الإصلاحية السياسية الأكثر طموحاً على الأرجح في السياسة التايلندية. وبفضل حضوره المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ حزب «إلى الأمام» يكسب بهدوء الناخبين الراغبين في تغيير الوضع، لا سيما فئة الشباب في تايلند.

تقول تيريل هابركورن، أستاذة في دراسات جنوب شرق آسيا في جامعة «ويسكونسن ماديسون»: «يتبنى ليمجارونرات وحزب «إلى الأمام» مقاربة سياسية مختلفة بالكامل في تايلند، حتى أن هذه السياسة تختلف عن استراتيجية حزب «فو تاي» المعارِض الذي يمثّل النموذج القديم للسياسة التايلندية التي تتكل بشدة على المحسوبيات».

نجح ليمجارونرات في استمالة الحركة الطلابية، فضلاً عن شخصيات مستقلة انجذبت إلى مفهوم التغيير الواسع. في هذا السياق، يقول دانكن مكارغو، أستاذ في العلوم السياسية ومدير المعهد الشمالي للدراسات الآسيوية في جامعة كوبنهاغن: «هو أشبه بمرآة يعكس عليها الناس آمالهم وطموحاتهم. هكذا يمكن فهم بيتا على الأرجح. لا تتعلق المسألة الأساسية بما يقوله أو يفعله بقدر ما تتعلق بحاجة الناس إلى إيجاد شخصٍ يُعبّر عن ما يريدون تغييره في تايلند».

أصبحت الفرصة سانحة لإجراء استفتاء حول الديمقراطية غير الليبرالية في تايلاند في مرحلة أبكر مما توقّع الجميع. في أواخر خريف العام 2022، انتشرت شائعات عن حصول انقلاب وشيك في بانكوك. استعمل برايوث تشان أوشا، الذي أوشكت ولايته كرئيس وزراء على الانتهاء، بقايا حزبه القديم وأعلن عن خططه بالترشّح عن حزب «الأمة التايلندية المتحدة» الجديد. ثم سئم الملك شخصياً من الاضطرابات السياسية الحاصلة وأقدم على حلّ مجلس النواب التايلندي في آذار 2023، على أن تحصل انتخابات في شهر أيار.

حذرت مجموعة من منظمات المجتمع المدني من استحالة الوثوق بمفوضية الانتخابات المستقلة التي أعلنت أنها لن تنشر أي بيانات عن التصويت في الوقت الحقيقي. كان صادماً إذاً أن يحصد حزب «إلى الأمام» بقيادة ليمجارونرات أكبر عدد من المقاعد، يليه حزب «فو تاي» في المرتبة الثانية. أما الحاكم برايوث وحزبه «الأمة التايلندية المتحدة»، فاحتلا المرتبة الثالثة بفارق كبير.

سارع ليمجارونرات إلى توحيد الصفوف قبل حل سياسات الائتلاف الفوضوية في تايلند، فنظّم موكب انتصار واسعاً في وسط بانكوك، ومرّ بالقرب من صور الملك فاجيرالونغكورن الذهبية، فيما كان مناصروه يرتدون اللون البرتقالي الفاتح الذي يُعتبر رمز حزب «إلى الأمام». وبأسلوبٍ يشبه وعود أوباما في ليلة انتخابه في العام 2008، حين قال إنه سيكون رئيساً للناخبين الذين لم يصوتوا له أيضاً، قال ليمجارونرات في خطاب الانتصار: «أنا مستعد لأكون رئيس حكومة للجميع، سواء كنتم توافقونني الرأي أو تعارضونني».

وفي خطوة تهدف إلى تحدي المؤسسة العسكرية، أعلن ليمجارونرات حينها عن نشوء تحالف مؤلف من ستة أحزاب عاد وشكّل الأغلبية في مجلس النواب بناءً على برنامج يقوم على 24 نقطة، بما في ذلك استرجاع الديمقراطية، والسماح بزواج المثليين، وإصلاح النظام القضائي. سمح له إعلان فوزه السريع بتحدي أعضاء مجلس الشيوخ، والجيش، والمؤسسات، لكنه لم يتمكن من استلام منصب رئيس الحكومة.

لم يقتنع الخبراء بأن ليمجارونرات يملك الأصوات اللازمة في البرلمان. هو حصد أكثر من 300 مقعد بقليل، ما يعني أنه يحتاج إلى 70 مقعداً آخر كي يصل إلى العتبة التي تسمح له بتشكيل حكومة. يجب أن يجذب إذاً شريكاً آخر من الأحزاب غير المشارِكة في الائتلاف راهناً أو يضمن أصوات حوالى 64 سيناتوراً في مجلس الشيوخ، علماً أنهم ينتمون جميعاً إلى المؤسسة العسكرية.

في غضون ذلك، لا يزال الجيش يملك أوراقاً يستطيع استعمالها، بما في ذلك احتمال إجراء تحقيق انتخابي. تفيد التقارير بأن ليمجارونرات كان يملك حصصاً في شركات إعلام بعد انتخابات شهر أيار، وهذا ما دفع الناشطين السياسيين إلى المطالبة بمنعه من الترشّح بموجب القوانين الانتخابية (باع ليمجارونرات لاحقاً تلك الحصص وأعلن أنه واثق من تبرئته، ثم زعم حزب «إلى الأمام» أن ما حصل هو جزء من مخططات ما قبل الانتخابات لمنع المرشّح من بلوغ السلطة).

قال ليمجارونرات خلال مكالمة عبر تطبيق «زوم» في شهر كانون الأول الماضي: «تبذل الحكومة المدعومة من المجلس العسكري قصارى جهدها كي لا تكون الانتخابات حرّة ونزيهة، بما في ذلك التلاعب بالنتائج، أو استعمال الموظفين الحكوميين لمصلحتها وتسيير الأمور على طريقتها. في مطلق الأحوال، لا تُعتبر السياسة في جنوب شرق آسيا نظيفة بأي شكل».

من الواضح أن الشعب التايلندي لم يعد راضياً على الوضع القائم. إذا مُنِع ليمجارونرات من استلام رئاسة الحكومة، تتوقع هابركورن من جامعة «ويسكونسن ماديسون» أن تشمل الاحتجاجات الحاشدة أشخاصاً من جميع الانتماءات في أنحاء البلد، وألا تتركز في بانكوك بكل بساطة أو يشارك فيها ناخبون من فئة واحدة.

في النهاية، يقول دانكن مكارغو من جامعة «كوبنهاغن»: «تشير هذه التطورات كلها إلى إعادة اصطفاف سياسي كامل في تايلند بشكل عام. يحصل تطور عميق جداً. كل شيء بدأ يتفكك».