مايا الخوري

إغتصاب وقتل وضرب... كيف نُنقذ الطفولة المعنّفة في لبنان؟

2 آب 2023

02 : 05

بحسب التقارير، طفل من اثنين يتعرّض للعنف في لبنان، وما قضية الطفلة لين طالب أو أطفال الحضانة المعنّفين أو العثور على حديثي الولادة في النفايات سوى أمثلة من حالات كثيرة تهزّ الرأي العام اللبناني من حين إلى آخر. فما هي أشكال العنف ضدّ الأطفال ومؤشراتها الجسدية والعاطفية، وأي إجراءات تتّخذ لمواكبة الطفل المعنّف؟

يأسف البروفسور برنارد جرباقة مدير وحدة حماية الطفل في مستشفى «أوتيل ديو الجامعي» في مستهلّ حديثه، لتزايد حالات العنف ضدّ الأطفال في الأسر ودور الحضانة والمخيّمات الصيفية ومراكز اللهو ونوادي الرياضة والمجتمع بشكل عام، عازياً ذلك إلى تضاعف حالات الفقر والجوع في المجتمع، ما يتطلّب ردود فعل من قبل المجتمع الصحّي الذي يضمّ الأطباء والممرّضات ودور الحضانة المسؤولة عن حماية الأطفال ورعايتهم بغياب الأهل.

ويحددّ البروفسور جرباقة أربعة أشكال عامة للتعنيف، ممكن أن تتشابك في ما بينها، وهي: الإهمال والعنف الجسدي والجنسي والعنف النفسي والمعنوي، إضافةً إلى العنف المجتمعي المتمثّل بالإتجار بالأطفال وعمالتهم. لافتاً إلى المؤشرات التي قد تكون ظاهرة أحياناً كالتعنيف الجسدي، أو مبطّنة أحياناً أخرى كالمعنوي، موضحاً أن مؤشرات التعنيف الجنسي، لا تكون ظاهرة في غالبية الأحيان، إنما يقول الطفل الحقيقة ونحن نصدّقه بصورة عامة.

ويضيف: «أما عن المؤشرات المتعلّقة بالعنف الجنسي، فلن أتوسّع في وصفها، لأنها صادمة للرأي العام. لكنها تتطلّب طبيباً متخصّصاً في موضوع العنف ضد الأطفال وتشخيص المؤشرات من قبل وحدة حماية الطفل».



البروفسور برنارد جرباقة

المعالجة النفسية مارتين زغبي أبو زيد



وعن المؤشرات الجسدية التي ممكن أن يلاحظها طبيب الأطفال، يجيب: «نلحظ كدمات متكرّرة على جسم طفل رضيع لا يتحرّك بعد، أو كدمات بهيئة معيّنة كالمكواة أو السيجارة أو الحزام، لا يمكن تبريرها بشكل منطقي وغالباً ما يفسّرها الأهل أو مسؤولو الحضانة بآراء مختلفة ومتناقضة. أمّا المؤشرات النفسية، فتتمثّل بابتعاد الطفل عن أهله بوجود شخص غريب، أو انطوائه على نفسه، أو احتمائه عند الغريب بحضور أهله أو أحد المسؤولين عن رعايته في الحضانة. وبالنسبة إلى الإهمال، يفقد الطفل التواصل العاطفي مع الأهل، فإما يذهب مع الغريب أو يكون مهملاً لنفسه كأنه فاقد الإحساس. وعلى صعيد العنفين المعنوي والعاطفي، نلحظ تغييراً في سلوك الطفل، فإما نرى شخصيته محطّمة ينفّذ كل ما يُطلب منه، أو على العكس، متمرّدة على كل ما يحيط به. وقد يكون عنيفاً تجاه الأطفال أو تجاه نفسه».

ويضيف: «ما من شكّ في أن العنف المعنوي ساكت وقاتل، لأن المحبّة مهمّة جداً في تقوية شخصية الطفل وعدم وجودها يخربط نموّ دماغه»، مشيراً إلى تأثير الضرب على مستقبل حياة المُعنَّف، حيث يتأثر الكروموسوم المسؤول عن مدّة الحياة، فيعيش عادة أقلّ من سواه في المستقبل.

في مقابل الإنعكاسات القريبة المدى على الجسد، كالكسر والنزيف والكدمات، ثمة انعكاسات بعيدة المدى كالسلوك الخطر والإصابة بأمراض السرطان والضغط المرتفع وأمراض القلب. فضلاً عن نجاح خجول في المجتمع وعلى الصعيد العائلي والمهني والمادي، حيث يعاني المعنّف مشكلات عائلية بسبب عدم إدراكه أسس التربية الصحيحة فيعنّف أطفاله بدوره.

وحول الإجراءات الواجب اتّخاذها في حال تعرّض طفل للتعنيف؟ يجيب: «ترتبط انتهاكات حقوق الطفل بالقانون 422/2002 الراعي لحماية الطفل في لبنان. ففي حال الشك بحدوث عنف ما يجب أن تتوّلى الحضانة أو العائلة التبليغ، عبر جمعية حماية الأحداث أو القاضي أو القوى الأمنية».

كما من شأن المستشفى التي تضمّ وحدة حماية الطفل متابعة الموضوع، ودورها أساس لأن هناك صعوبة في إدارة الحالة خارجها، لضرورة توافر خبير يشخّص الحالة. ويقول: «من هنا تقدّم وحدة حماية الطفل في مستشفى «أوتيل ديو» الخبرات التي تساعد في التشخيص وإدارة الحالة بطريقة سليمة، من خلال آلية متوافرة منذ 20 عاماً لديها، ومنذ سنوات عدّة في كل جامعات القديس يوسف».

وترتكز الإجراءات على التشخيص والمتابعة بمعيّة المساعدة الاجتماعية والجسمين القضائي والقانوني والقوى الأمنية من جهة، ومن الطبيب والممرضة والمساعدة الاجتماعية والأخصائيين النفسيين من جهة أخرى، بهدف متابعة الطفل من الناحيتين الجسدية والنفسية. ويتابع أطباء جامعة «القديس يوسف»، دروساً حول العنف ضد الأطفال ووسائل التشخيص والحماية منه. فيما يتعمّق أطباء الأطفال بالموضوع لأنهم معرّضون أكثر لحالات مماثلة، فيبلّغون عند الشكّ بحالة معيّنة وحدة حماية الطفل للتدخّل وإدارة الحالة.

وعن الإجراءات الوقائية خصوصاً في الحضانات؟ يقول: «نُظّم في عام 2019، مؤتمران كبيران في الجامعة اليسوعية، جمع الأول 6 وزارات وممثلين عن القطاعات الصحية التعليمية والقانونية والاجتماعية وممثلين عن الديانات الذين شاركوا أيضاً لتكون حماية الطفل أولوية عند الجميع، فيما جاء الثاني من أجل تمكين موضوع حماية الأطفال في كل مكان»، مضيفاً: «تتوافر في الحضانات وسائل الحماية، إنما يجب ألا تقتصر على تأمين النظافة والمأكولات السليمة والحماية الصحية، بل أن تفرض نقابة الحضانات مع دائرة الأمومة والطفولة جلسات تدريبية سنويّة لكل العاملين في هذا القطاع، وأن تلتزم كل حضانة بمدوّنة لقواعد السلوك، وبخضوع فريقها لورش عمل حول الحماية. فضلاً عن توظيف من يلتزمون خطياً بأهليّتهم وبأنهم غير معنّفين في منازلهم أو في المجتمع».

ويتابع: «عملنا مع دائرة حماية الطفل والأمومة في وزارة الصحة ومع وحدات حماية الطفل على شروط حماية الأطفال التي اقترحتها الوزارة منذ زمن طويل وحصلنا عليها في العام 2021 ويمكن أن تشكّل مادة أساسية في عملية التدريب».

وينصح جرباقة الأهل بعدم تسجيل طفلهم في الحضانة قبل عامه الأول، مشيراً إلى استفادته من اكتساب المهارات الجديدة هناك بفضل مخالطة أطفال آخرين، وبفضل تلقّيه برنامجاً لتنمية قدراته والتثقيف المبكر. إنما ذلك غير كافٍ إذ يجب توافر أسس ثلاث:

- أن تكون الحضانة مرخّصـــــــة وتضمّ ممرّضة

- أن تتوافر فيها الحماية اللازمة ضدّ الكدمات

- أن تتوافر فيها الشروط الصحية اللازمة، من نظافة عامة وفي المطبخ...

إلى ذلك من المهمّ توافر برنامج تربوي إضافة إلى تعهّد خطّي بعدم التعرّض للأطفال فيها.

من جهتها، تتحدّث المعالجة النفسية مارتين زغبي أبو زيد عن الأمور البديهية في عملية اختيار الحضانة، حيث من الطبيعي اختيار الأقرب إلى سكن الأم أو عملها، لتتمكّن من تلبية احتياجات طفلها، وأن تكون مواعيد العمل فيها مناسبة لدوام عملها، فلا يختلف فريق الحضانة قبل الظهر وبعده، إنما الأهم من كل ذلك هو اختيار حضانة، حاضنة وراعية للطفل في غيابها.

وتقول: «عندما نتحدّث عن احتضان الطفل، لا نعني بذلك الإهتمام بتعليمه تمييز الألوان والأشكال، بل أن يشعر أنه في مكان مشابه لمنزله، وفي كنف عائلة بديلة تهتمّ به حين تكون الأم منشغلة»، مضيفةً: «عندما بحثت شخصياً عن حضانة لأولادي، لم أهتمّ بتوافر مكيّفات هوائية ووسائل تدفئة متطوّرة ورفوفاً مليئة بالكتب، بل بحثت عمّن يستقبلهم بحبّ، وينظر إلى الطفل كشخصٍ لا رقم، فيحبّه بكل حالاته، سواء كان يبكي أم كان متسخاً».

لذا تطلب زغبي من الأهل الابتعاد عن المظاهر الرنّانة، لأن الحضانة الجيّدة هي التي تضمّ فريقاً متخصّصاً يرى من خلال كل طفل كنزاً، مثلما نراه نحن. ناصحةً الأم خلال فترة تأقلم الطفل في الحضانة، الانتباه إلى التفاصيل، أي كيفية التعامل معه، لجهة تغيير الحفاض وإطعامه وكيفية مناداته وطريقة وضعه في كرسيّه، لافتةً إلى أن ما يثير القلق فعلاً هو غياب الفريق المتخصّص، أي الممرّضة والمعالج النفسي والحركي والمتخصص في النطق والتربية، لأنه يجب مواكبة تطوّر الطفل وإيلاء أهمية لمن يتعامل معه طيلة النهار.

وعن المؤشرات التي يجب ملاحظتها من قبل الأم، تجيب: «برأيي، أي أم تعرف ولدها جيداً قادرة على ملاحظة التغييرات البسيطة فيه»، موضحة أنه من الطبيعي بكاء الطفل قبل الذهاب إلى الحضانة والتعلّق بأمه، خصوصاً في فترة التأقلم التي تمتدّ إلى 3 أسابيع متتالية دون توقّف. لذا لا يمكن اعتبار البكاء مؤشر تعنيف في خلال تلك الفترة.

إنما من غير الطبيعي استمرار البكاء طيلة اليوم وبشكل متواصل بعد انتهاء مدّة التأقلم. يمكن أن تلاحظ فقدان شهيته ورفضه تناول الطعام أو النوم هناك، وتعنيفه لعبته في المنزل، كما يمكن أن يفصح بنفسه عن تعرّضه للضرب ونحن نصدّقه.

أمّا انعكاسات التعنيف، فتتمثّل بتغيير سلوكي، مثل تحوّل الطفل الضحوك والاجتماعي والمرح إلى منغلق، يهرب من الوجوه الجديدة، متعلّق بأمّه، يبكي إذا غادرت، يطلب النوم إلى جانبها والجلوس في حضنها، يتراجع في سلوكياته المكتسبة، مثل وضع إصبعه في فمه، التبوّل اللاإرادي، فقدان التركيز والأرق في الليل.

أمّا عن الخطوات المتّبعة من قبل النفساني، فتقول: «نواكب الأم والأهل من جهة والطفل من جهة أخرى بغضّ النظر ما إذا كان رضيعاً أو أكبر. فنسعى إلى تخفيف الشعور بالذنب لدى الأم، خصوصاً أن ثمة آراء في لبنان تدعو إلى بقائها في المنزل لتربية أطفالها فيما تكون مضطرة للعمل. فلنتّفق على أن الطفل قد تعرّض للتعنيف، بسبب معنّف يعاني مشكلات نفسية وليس لأن الأم غير صالحة. كما نحثّها على عيش دورها كحامية له، فنعلّمها كيفية تعويض النقص أو العنف الذي تعرّض له وكيفية التحدث معه حول هذا الأمر»، مضيفةً: «نركّز على مصارحة الرضيع حول ما حدث، فنخبره بأن الأمر بشع لكننا موجودون لحمايته ولن نسمح بأذيته مجدّداً. كما يمكن أن نخبره بتفاصيل أكثر عندما يكبر. ويمكن ملامسة الأم جسمه بطريقة يفهم من خلالها بأن اليد التي تؤذي يمكن أن تمنح الحنان أيضاً. ومن المهم ألا تصبح الأم بعد هذه الحادثة متعلقة أكثر بالطفل رافضةً الإبتعاد عنه أو العكس لأن تعرّض الأطفال لمشكلات في الحياة، ممكن استثماره أيضاً، وتحويله إلى لقاحٍ ضد العنف، فيفهم الطفل في المستقبل أنّ أمّه وأباه هما حمايته وبأن يد أمّه التي تمنحه حباً وعاطفة قادرة على حمايته إذا لزم الأمر».


MISS 3