حركة المطار نشطة للغاية في بيروت، إلا أن هناك من مُنع من السفر فيه.
جلستُ وراجعتُ ودققتُ في هويات كثيرِين ممن لا يقوون على السفر في هذا البلد، لعقوبات طاولتهم في الفساد والإرهاب وغيرها.
هؤلاء الممنوعون مسؤولون، سياسيون، أصحاب ارتكابات متنوعة.
ويبدو أن اللائحة مرشحة للازدياد في قادم الشهور...
اللافت في أمر بعضهم هو أنهم اعترضوا عند صدور بلاغات العقوبات، ثم سكتوا، ولم يقدموا اي شكوى، او استئناف.
واللافت أيضاً هو أن «زملاء» لهم، بين مسؤولين، ووزراء، ونواب، واداريين، ورجال أعمال وغيرهم، حاليين أو سابقين، نسوا جوازات سفرهم في خَزْناتهم التي أحكموا إغلاقها.
فكيف إذا أضيف إليهم مدراء مصارف حاليون أو سابقون، ممن باتوا تحت التهديد بدورهم، وباتت عملياتهم وحساباتهم المصرفية عرضة للمساءلة والمحاسبة في أي وقت!
أليس لي أن أضيف إليهم عدداً من الأسماء التي شاركت في عمليات اغتيال وغسل أموال وتهريب ومخدرات وغيرها؟
طبعاً يستطيع القارئ، والمتابع، وهواة هذا النوع من التعقبات والسيناريوات، إضافة أسماء مزيدة إلى هذه القائمة المتعاظمة. ومن يَطلب المعرفة المزيدة عن أحوالهم، سيعلم أن قسماً منهم لا يمتلكون جوازات سفر، ولا يحتاجونها. وأن قسماً آخر يمتلك جوازات سفر وجنسيات عديدة من دون أن ينعم بختم وصول على أي جواز في أي بلد. وأن غيرهم يقوى على السفر، ولكن لزيارة بعض الجيران في عدد متناقص من الدول القريبة...
هذا المشهد متخيل، لكنه أفظع في واقع الحال، ويمكن إضافة أعداد وأعداد إليه.
أكتب عنهم، وأنا لا افكر فيهم، بل بالآلاف والآلاف الذين قضوا في سفن الهجرة غير الشرعية، أو بمن يهاجرون من دون جواز سفر، أو بمن يمزقون جوازات سفرهم بمجرد مثولهم أمام سلطات أجنبية.
هؤلاء يهربون تحت جنح الظلام مدركين المصاعب والأخطار، طالبين الخلاص بأي ثمن، ولو في بحار اليأس العميقة.
المفارقة قوية: السادة «المحترمون»
يقبعون في ما هو أقرب إلى أوكار، أو كهوف، ولو كانت مقرات رسمية.
أما السادة «الهاربون»، فهم يتخلون عن كل شيء في انتظار رجاء ولو غامض أو معتكر.
هذه صورة وطن ممزق، منقسم في أهله. أكثر من «دولة فاشلة»، إذ هو مجتمع فاشل.
فيما كان أبناؤه (في جيلي) لا يفكرون، قبل عقود قليلة، في الهجرة منه لطيب العيش فيه.
ما هذا الناتج الوطني الفظيع؟!