شربل شربل

كتابات تستحق النشر

"رهين المحبسين"

25 نيسان 2020

04 : 15

أنا الموقّع أدناه، "رهين المحبسين"، البيت والكورونا، أصرّح بأنّ إقامتي الجبريّة في المنزل، للأسبوع الثالث على التوالي، تركت، وتترك، تأثيرًا ما، على طريقة تفكيري، وموقفي ممّا يحيط بي، وعلى قناعاتي. وكلّ ذلك يجري، حتّى الآن، جريًا بطيئًا إلى حدّ ما. وإذ أعفيكم من التفاصيل، ومعظمكم اليوم " رهائن محابس" مختلفة، فإنّني سأكتفي بسرد ما يأتي:

فتحت الباب، للمرّة الأولى صباح اليوم، لاستقبال الأغراض التي طلبناها من أحد المتاجر. كانت مهمّتي تقتصر على دفع ثمنها وإكراميّة فتى التوصيل (delivery boy)، الذي يضعها أمام باب المصعد. فتحت الباب وهممت بالخروج قبل أن يصل المصعد بالفتى. قرّبت رِجلًا وجمدت مكاني، ومرّت ببالي، فجأة، لوحة الرسّام الأسبانيّ(Pere Borrell Del Caso) الشهيرة " الهارب من النقد" أو الهارب من الإطار، التي رسمها متّبعًا تقنيّة الرسم المخادع (trompe l’œil painting). ومن دون تفلسف، أسقطت التحليل الكلاسيكيّ، المدرسيّ، الذي نعرفه جميعًا، عن هذه اللوحة، على وضعي الشخصيّ، ولا أدّعي التكلّم باسمكم. وبالمختصر، فإنّني بدوت كالهارب من السجن الإلزاميّ الذي حشرت فيه، ما بين أربعة جدران؛ فأنا أسكن شقّة في مبنًى، وهي علبة مقفلة، لأنّنا، وبحكم الضرورة، قمنا بتحويل الشرفات إلى أماكن مغلقة لنستطيع الاستفادة من مساحتها في جميع الفصول. ولهذا السبب أضحى الحيّز المكانيّ بمثابة المعتقل. وتكوّنت لديّ رغبة دفينة في الإفلات من " قضبانه"، عبّرتْ عنها رِجلي التي قرّبتها وتجرّأت على الخروج من الإطار ( منقول عن إبن الرومي: وقرّبت رجلًا رغبة في رغيبة وأخّرت رجلًا رهبة للمعاطب). هذا عن الداخل.





أمّا الخارج فأضحى مثيرًا للرعب، أي أصبح لديّ ما يسمّى فوبيا الأماكن المفتوحة. هو مخيف جدّا لدرجة أنّه يخيّل إلينا أنّ ڤيروسات كورونا، التي يصوّرونها أشبه بكبّابات الشوك، غير المرئيّة بالعين المجرّدة، تحتلّ الفضاء فاغرة أفواهها، شاهرة حرب إبادة على البشر، وخصوصًا على الفئة العمريّة التي أنتمي إليها، فئة المسنّين الهشّة، التي يُمنع عليها إظهار البطولات، ويستنكر استهتارها بأرواحها، وادّعاؤها أنّ صدرها يضيق بالإقامة داخل الجدران، والتي بات أولادها يلزمونها بملازمة المنزل، في انقلاب مكشوف للأدوار...

حقًّا، إنّها فوبيا. ولتضخيم المشهديّة الجنائزيّة، لا تنفكّ مخيّلتي عن ابتكار سيناريوهات رعب مختلفة، تتخلّلها قبور جماعيّة ومحارق آدميّة و…

أمّا ذاكرتي، لها الله، فتلحّ عليّ بعرض ما تبقّى فيها من مشاهد فيلم ألفريد هيتشكوك (the birds)، حيث هاجمت الطيور بوحشيّة لا مثيل لها، ومن دون سبب منطقيّ، شقراء هيتشكوك، ميلاني دانيلز ( تيبي هيدرن) التي أوردت في مذكّراتها أنّها كانت عرضة لتحرّش جنسيّ واعتداء من قبل المخرج ألفريد هيتشكوك أثناء التصوير، عندما كان يقلّها إلى بيتها، بسيّارة الليموزين…

وأخيرًا، من أطرف ما قرأت: "إتّصل أحدهم بالطبيب النفسيّ وطلب موعدًا عاجلًا لزيارته بحجّة أنّه يمضي وقتًا لا بأس به منطويًا على نفسه ، وهو يحدّث الخزانة. فأجابه الطبيب: لا داعي للقلق، الأمر عاديّ. لكن، عندما تبدأ الخزانة بالردّ عليك، إتّصل بي فورًا".

الجمعة في ٢٧ آذار ٢٠٢٠


MISS 3