جاد طعمه

رأي قانوني في مطالعة عويدات المستندة إلى تقرير "ألفاريز أند مارسال"

25 آب 2023

10 : 37

حين نتكلم عن النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات تستحضر ذاكرتنا فوراً محطات قضائية تركت مؤخراً بصماتها في ذهن المجتمع اللبناني، منها إشارة بتاريخ ٥ آذار ٢٠٢٠ جرى فيها كسر إشارة النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم بمنع التصرف والحجز على جميع أموال ٢٠ مصرف وأصحابها والصادرة بنفس التاريخ وكانت الحجة يومها ضرورة الحفاظ على الأمن المجتمعي، تبع ذلك عقد لقاء حصل بتاريخ ١٠ آذار ٢٠٢٠ مع الوكلاء القانونيين للمصارف وأعضاء في جمعية المصارف حيث جرى تقديم تعهدات لحماية المودعين في ظل الأزمة المصرفية بعيداً عن استعمال اليد الحديدية القضائية والتي كان يمكنها لجم غطرستهم، دون ان ننسى فيما يتعلق بملف جريمة انفجار مرفأ بيروت قراره الصادر بتاريخ ١٤ كانون الأول ٢٠٢٠ بعدم إعطاء أي إشارة بالملف نتيجة واقع قرابته مع الوزير غازي زعيتر الذي ادعى عليه يومها المحقق العدلي فادي صوان، لننتهي مع انتفاضته على قراره يوم حاول المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بتاريخ ٢٣ كانون الثاني ٢٠٢٣ الاجتهاد قانوناً بمسعى للقفز فوق العراقيل المتأتية عن دعاوى الرد ومخاصمة الدولة التي جمدت التحقيقات لأكثر من عام، فأصدر القاضي غسان عويدات قرارا صادماً بتاريخ ٢٥ كانون الثاني ٢٠٢٣ بإخلاء سبيل جميع الموقوفين ومنعهم من السفر دون وجود أي سند قانوني لقراره هذا، لكن بعد تنفيذ هذا القرار سافر رئيس مصلحة الأمن والسلامة المتهم محمد أمين العوف من حملة الجنسية الأميركية بحجة أن تعميم منع السفر لم ينفذ علماً أن قرار إخلاء السبيل ومنع السفر صدرا في نفس القرار أي أن تنفيذ الجزء الأول من القرار يفترض منطقياً تنفيذ الجزء الثانيمنه، ولم يتم الاكتفاء حينها بهذا القدر بل جرى الادعاء على المحقق العدلي جزائياً بجرم اغتصاب السلطة وجرى التحريض قضائياً وعائلياً على كل من حاول نصرة الوجهة القانونية التي ركن إليها القاضي طارق البيطار دون إغفال المدد القانوني الذي نالته السلطة السياسية منذ تلك الانتفاضة القضائية عبر أذرعها القضائية وغلمان أهل السلطة في الاتحادات والنقابات التي تطلق المواقف العلنية باتجاه وتتصرف واقعاً في اتجاه آخر. هنا تجدر الإشارة إلى أن تقرير شركة الفاريز اند مارسال ما بعد تسليمه الى وزير المال استمر محجوزا دون مبرر الى حين صدور العقوبات الأميركية بحق حاكم مصرف لبنان السابق فجرى بسحر ساحر الإفراج عنه ونشره مع كل ما يتضمنه من فضائح رغم العراقيل وعدم التعاون التي عبّرت عنه الشركة المعنية.



بالعودة الى مضمون المطالعة الصادرة بتاريخ 22 آب 2023 عن حضرة النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات والتي جرى تسريبها الى الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن قصد وتتضمن توجيهات إلى كل من النائب العام المالي، النيابة العامة الاستئنافية في بيروت وهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان لتكليفهم بإجراء ما يرونه مناسباً، كل ضمن اختصاصه، مع شرح مختصر يأتي في أربع صفحات لتقرير التدقيق الجنائي المؤلف من 332 صفحة، كل ذلك إستناداً للاخبار الذي تقدم به حضرة وزير العدل القاضي هنري الخوري إستناداً للمادة 14 من قانون أ.م.ج والذي طلب فيه من النائب العام لدى محكمة التمييز أخذ العلم وإجراء المقتضى اللازم فجرى تسجيل الإخبار في قلم النيابة العامة التمييزية برقم 1859/م/2023.



بعد الاطلاع على مضمون المطالعة، يمكن التوقف أمام الملاحظات الآتية:


• أن المطالعة تحمل الطابع الوصفي وقد جاءت شديدة الاختصار.


• أن المطالعة لم تتضمن توجيهات محددة من قبل النائب العام لدى محكمة التمييز للجهات الثلاث التي تمّت احالتها عليها بل كان فيها إكتفاء بالطلب من كل جهة إجراء ما تراه مناسباً مع العلم أن النيابة العامة التمييزية يفترض بها ان تعطي توجيهات صارمة في ظل ازمة اقتصادية حادة وتقرير يشير الى مكامن هدر بمليارات الدولارات.


• أن المطالعة اعطت موقفاً مسبقاً من تقرير شركة التدقيق الجنائي معتبرة إياه غير كاف وغير شامل وهذا الأمر يجدر به ان يدفع بوزير المالية الركون اليه وممارسة صلاحياته لمعرفة ما قصده النائب العام لدى محكمة التمييز والطلب من الشركة اعطاء تقرير كاف وشامل حسب بنود العقد.


• أن المطالعة تضمنت اقراراً بخسارة المودعين لأموالهم نتيجة تقصير لجنة الرقابة على المصارف وعدم مواكبتها للعمليات المجراة داخل مصرف لبنان.



تؤكد المطالعة في مطالعتها المستندة إلى تقرير شركة التدقيق الجنائي، على الآتي:


1. أن شركة التدقيق الجنائي عالجت في تقريرها تسعة عناوين رئيسية،


2. الاحتياطات الالزامية بالعملات الأجنبية (انخفضت من فائض بقيمة 7,2 مليار دولار أميركي إلى عجز بقيمة 5,7 مليار دولار أميركي).


3. وجود تزوير في ميزانيات مصرف لبنان (لا تضمين للخسارة في موازنة المصرف المركزي التي وردت في موازنة الدولة للعام 2020 بعجز قيمته 51,3 مليار دولار أميركي).


4. الهندسات المالية الخاطئة (ركنت على فوائد وعلاوات مرتفعة دون وجود أي رقابة سابقة أو لاحقة).


5. وجود ريبة في حساب العمولات (خاصة لجهة تحويل مبلغ 111,3 مليون دولار أميركي من حساب مصرف لبنان إلى 7 بنوك في الخارج).


6. وجود ريبة في حسابات حاكم مصرف لبنان (كان هناك تحويلات سنوية بقيمة أجمالية بلغت 98,8 مليون دولار أميركي إلى حساباته الخاصة في الفترة الممتدة من العام 2015 وحتى 2020).


7. الكلفة الخيالية لتشغيل مصرف لبنان (لا سيما في البنود المتعلقة بالمساعدات والهبات وكلف الصيانة والتدريب والمؤتمرات والإعلانات والنشر).


8. الزيادة غير المنطقية فيما يتعلق بكلفة العلاوات والمكافآت والمساعدات المرضية.


9. الغياب التام لأي تقرير سنوي صادر عن مفوض الحكومة.


10. الإستعمال غير المبرر لاحتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية (قطاع الطاقة وحده يبلغ حوالي 20 مليار دولار أميركي فضلا عن كلفة الدعم السابق بحوالي 7 مليار دولار أميركي ... إلخ).



وهناك تنويه إلى إستنتاجات تتعلق بوجود:


• وضع شاذ في إدارة مصرف لبنان.


• أن حال مصرف لبنان يعتبر حالاً غير سويّ.


• وجود موافقات داخلية ممنوحة في معاملات مرتبطة بالهندسة الملية وتتضمن أرقاماً غير منطقية.


• وجوب التدقيق في أرقام العمولات والموافقات والمعاملات العقارية والحساب الخاص لحاكم المصرف المركزي.


• عدم تعاون من شركات التدقيق المعتمدة مع شركة الفاريز أند مارسال.


خلاصة مستنتجة من المطالعة،


أن هناك اشارة الى تحقيقات معمقة حاصلة سابقاً من قبل النيابات العامة وأن شركة التدقيق الجنائي لم تأت بجديد لأن تقريرها غير كاف وغير شامل. ولعله لولا كتاب وزير العدل الذي أرفق تقرير الشركة لما تحرك النائب العام لدى محكمة التمييز لأنه راض عن أداء النيابات العامة العاملة تحت إشرافه لكن من حق المجتمع اللبناني ان يستوضح عن التحقيقات المعمقة الحاصلة سابقاً وعن الاكتشافات التي جرى التوصل إليها وسبب عدم اطلاق اي ملاحقة قضائية بشأنها.



لكن مطالعة النائب العام لدى محكمة التمييز أغفلت:


• أن الصلاحية الأساس لاجراء عمليات التدقيق الجنائي لا يعود إلى شركة خاصة تكلفها الدولة اللبنانية بل هي صلاحية بديهية للنيابات العامة على كامل الأراضي اللبنانية ويمكن إطلاقها

• عفواً وأنها عملية ضرورية وملحة ولا بد من أن تطال جميع المؤسسات والإدارات الرسمية فلا تبقى محصورة بحسابات مصرف لبنان.


• أن تقرير شركة ألفاريز أند مارسال نوّه إلى وجود فارق في العملات الأجنبية المتعلقة بالأصول الموجودة في الخارج والتي إنخفضت من 35,8 مليار دولار أميركي في العام 2015 وأصبحت 18,4 مليار دولار أميركي في العام 2020.


• أن تقرير شركة ألفاريز أند مارسال نوّه إلى وجود تقارير محاسبية داخل مصرف لبنان تعتبر أيضاً مزورة لأنها تخفي الخسائر وتوحي بوجود أرباح مضخمة.


• أن تقرير شركة ألفاريز أند مارسال نوّه إلى وجود فجوة مالية إتسعت بشكل كبير ما بين العامين 2015 و 2017 وأن جذور هذه الفجوة تكمن في الهندسات المالية التي حاولت من خلالها إدارة  المصرف المركزي جذب أموال المودعين في الخارج مع مخطط معّد سلفاً للسطو عليها في لبنان خلال مرحلة لاحقة.


• أن تقرير شركة ألفاريز أند مارسال إقتصر على فترة محددة ب 5 سنوات ما بين العامين 2015 و 2020 وبالتالي في ظل وجود إرتكابات واضحة يصير لزاماً على النيابات العامة التدقيق الجنائي  في حسابات مصرف لبنان في كل ما هو حاصل في الفترة التي سبقت العام 2015 من جهة وفي الفترة التي أبدعت فيها الهندسات المالية في التسبب بإنهيار الاقتصاد الوطني أي الفترة ما بعد العام 2020 وحتى تاريخه.


• أن تقرير شركة ألفاريز أند مارسال نوّه إلى غياب التعاون وإلى عملية إخفاء مستندات ومعلومات عنها ما يعني أنه كان هناك تسّتر على فضائح إضافية تتضمن حسابات وشخصيات.


• أن تقرير شركة ألفاريز أند مارسال نوّه إلى وجود مبالغ وحوافز شخصية إستعملها حاكم مصرف لبنان لنفسه بقيمة 2 مليار دولار أميركي في حين أن مطالعة حضرة النائب العام لدى محكمة التمييز  اعتبرت أن هذه المبالغ والحوافز الشخصية بلغت أقل من مئة مليون دولار أميركي.


• أن قانون النقد والتسليف وهو قانون توجيهي وأحكامه ملزمة وواجبة التطبيق على كل أعمال المصرف المركزي وهو ليس مجرد وجهة نظر يمكن للحاكم والمجلس المركزي تجاوزه، وأن المبدأ العام ينص على عدم إمكانية إقراض مصرف لبنان للدولة اللبنانية وأن الاستثناء يحتاج لشروط واضحة إضافة لصدور قانون عن مجلس نواب لتشريع هكذا عملية.


• أن تقرير شركة ألفاريز أند مارسال نوّه إلى وجود عدة جهات تلقت دعم من حاكم المصرف المركزي وبأرقام خيالية منها شخصيات وجهات اعلامية وكان لا بد من إستدعاء كل الشخصيات والشركات لمعرفة سبب حصولها على هذه الأموال وهذا الدعم وتبرير ذلك خاصة وأنه جرى التنويه إلى وجود ميزانيات مزورة وإلى عدم وجود تعاون من قبل الشركات التي دققت في حسابات مصرف لبنان.


• أن المطالعة كان لا بد من أن تلتفت إلى وجود مسعى واضح لدى جميع المرتكبين يهدف إلى إعتبار كل الديون المتوجبة ملقاة على عاتق الدولة اللبنانية كما تجنيب الطبقة السياسية في لبنان  (التي بأغلبها هي المالكة الحقيقية للمصارف التجارية) العقوبات المالية التي يمكن أن تفرضها وزارة الخزانة الأميركية عليها فضلا عن تأمين سياسة الإفلات من العقاب عن الجرائم المالية المرتكبة والتي أدت إلى إثراء بعض الشخصيات والهيئات المعنوية التابعة لهم على حساب عموم الشعب اللبناني وهذا الذي لا يجب أن تسمح النيابات العامة بحصوله إطلاقاً.


• إن القطاع المصرفي بعد مرور سنوات أربع على بدئها، أثبت أنه بات فاقداً للثقة الإئتمانية وأنه رغم كل المحاولات الدؤوبة لشرعنة عمليات القرصنة المصرفية على حسابات المودعين لا يزال إستصدار قانون كابيتال كونترول متعذراً، وبات لزاماً بعد نكث جمعية المصارف بوعودها بإصلاح مكامن الخلل شرط إعطائها فترة سماح (وهي فترة قد مرّت) ، وبات لزاماً على ضوء كل ما هو حاصل أن تتراجع النيابة العامة التمييزية عن منح هذا القطاع الحصانة المستدامة نتيجة ثبوت الجشع والسعيّ لتحقيق الأرباح دونما إكتراث لآلام وأوجاع المودعين وضرورة إنعاش الإقتصاد الوطني.



حريّ بالنائب العام لدى محكمة التمييز أن يطلب من النيابات العامة ليس فقط إجراء ما يرونه مناسباً بل كشف هوية:


• المتلاعبين الذين استفادوا خلال الأزمة من وجود "منصة صيرفة" والتي تمّ إلغاؤها ولم تنهار العملة حسبما أوهم الحاكم السابق لمصرف لبنان المجتمع برمته.


• وضع حد للتعاميم غير القانونية التي جرى الركون إليها من قبل إدارة مصرف لبنان لنصرة جمعية المصارف وتعديل العقود الموقعة مع المودعين عبر طرف واحد يضع عليهم الشروط الإزعانية.


• المستفيدين من كل الحوافز والعمولات والدعم والرعايات غير المستحقة وبدء عمليات إستعادة الأموال العامة المنهوبة وأموال المودعين المنهوبة إلى الصناديق المالية لمصرف لبنان.


• فرض التداول الحر للعملات حصرياً في ردهة بورصة بيروت وتحديداً في سوق القطع إستناداً لأحكام المادتين 9 و 10 من المرسوم الاشتراعي 120 الصادر في العام 1983 معطوفاً على المواد  69 و 75 و 83 من قانون النقد والتسليف وما يليها. 



*رئيس اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد

MISS 3