جسمنا.... يرصد السكّر من دون تذوّقه؟

02 : 00

رصد الباحثون خلايا عصبية لاستشعار السكر لدى الفئران،

ما قد يسمح بتطوير مواد تحلية جديدة!


السكر موجود في جميع المنتجات الغذائية اليوم ويُعتبر من أكثر المقادير شيوعاً في المأكولات المُصنّعة وغالباً ما يدخل في خانة المضافات.

وبما أن السكر المُكرر أصبح شائعاً على نطاق واسع، زاد استهلاكه بعشرة أضعاف للشخص الواحد، ما يساوي أكثر من 45 كيلوغراماً في السنة. وبحسب تقديرات "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، يأخذ الناس اليوم حوالى 14% من سعراتهم الحرارية اليومية من السكريات المضافة.

هذه المعدلات الاستهلاكية المرتفعة مقلقة نظراً إلى الرابط القائم بين السكر والنوع الثاني من مرض السكري والبدانة، ويشهد هذان المرضان انتشاراً متزايداً في العالم.

رصد باحثون من جامعة كولومبيا في نيويورك حديثاً عدداً من الآليات الدماغية الكامنة وراء استهلاك السكر، ما قد يفسّر نوبات الشهية القوية التي لا تُشبعها مواد التحلية الاصطناعية. نُشرت النتائج في مجلة "ناتشر".

كل شيء يبدأ في مستقبلات الذوق!

السكر مصدر مهم للطاقة لدى جميع الحيوانات والبشر. نتيجةً لذلك، طوّرنا دوائر عصبية متخصصة للتعرف على السكر والبحث عنه، وهي تبدأ في الفم. يحمل اللسان مستقبلات ذوق خاصة لرصد المذاق الحلو، وهي تنشط تحت تأثير السكر وترسل إشارات إلى الدماغ.

لكن قد تشعر الكائنات برغبة قوية في تناول السكريات، حتى لو كانت تفتقر إلى مستقبلات الذوق وفق استنتاجات الدراسة الأخيرة. إذا حصلنا على مشروبَين (واحد مُحلّى بالسكر والآخر بمادة تحلية اصطناعية)، سـنختار المشروب السكري رغم عجزنا عن تذوق النكهتَين معاً. بعبارة أخرى، قد يتعرف الجسم على السكر في منطقة أخرى، باتجاه المسار الهضمي.

لاستكشاف الموضوع، بدأ الباحثون من معهد "زوكرمان" في جامعة كولومبيا بتحليل هذه المستقبلات الإضافية لدى الفئران.





محور بين الأمعاء والدماغ

بدأ الباحثون بِضَخ السكر في الأمعاء مباشرةً بعد تجاوز مستقبلات الذوق بالكامل نظراً إلى وجود رابط معروف بين الأمعاء والدماغ. تؤدي رؤية الطعام وشمّه مثلاً إلى إفراز السوائل الهضمية في الأمعاء. يبدو أن رابطاً مشابهاً ينشط مع السكر. حين أعطى الباحثون السكر للفئران في الأمعاء مباشرةً، بدت منطقة في أدمغتها ناشطة جداً. تُسمّى هذه المنطقة "النواة الذيلية للجهاز الانفرادي"، وهي جزء من جذع الدماغ الذي يُعتبر من أكثر الأجزاء البدائية فيه ويتولى تنظيم عمليات أساسية مثل التنفس وإيقاع ضربات القلب.


يوضح الدكتور ألكسندر سيستي الذي شارك في الإشراف على الدراسة: "نَقَل عامل معيّن إشارة الى وجود السكر من الأمعاء إلى الدماغ".

ثم أراد العلماء رصد ذلك المستقبِل في الأمعاء وحوّلوا انتباههم نحو العصب المبهم. إنه واحد من أطول الأعصاب في الجسم، وهو يمتد من جذع الدماغ إلى القولون ويشكّل أداة تواصل أساسية بين الأمعاء والدماغ.راقب الباحثون نشاط الخلايا في العصب المبهم عند وصول السكر إلى الأمعاء، فوجدوا للمرة الأولى مجموعة من الخلايا العصبية التي تستشعر السكر في المسار الممتد من الأمعاء إلى الدماغ.

أصبحت هذه المستقبلات ناشطة تحت تأثير السكر، لكن لم تُعْطِ مواد التحلية الاصطناعية الأثر نفسه، ما قد يفسر عدم تراجع استهلاك السكر بفضل هذه المواد منذ انتشارها على نطاق واسع قبل أربعين سنة.

خداع اللسان والدماغ معاً

قد تُمهّد هذه النتائج في المراحل المقبلة لتصميم مواد تحلية تجيد خداع الدوائر العصبية.

يوضح المشرف الأول على الدراسة، هوي إي تان: "حين نتناول المشروبات الغازية الخاصة بالحمية أو نضع مادة تحلية في القهوة، قد تبدو النكهة مشابهة، لكنّ الدماغ قادر على التمييز بين الحالتَين. لذا قد يؤدي اكتشاف هذه الدائرة التي تتجاوب مع السكر وحده بين الأمعاء والدماغ إلى ابتكار مواد تحلية لا تخدع اللسان فحسب، بل الدماغ أيضاً".

يبدو أن هذه الدائرة تتعرف على جزيئة السكر لكنها لا تتكل على حجم السعرات فيها. إنها نتيجة واعدة للمصنّعين المهتمين بتطوير بدائل صحية تُنشّط الدائرة المؤثرة لكن تحتوي على نسبة أقل من السعرات.

في النهاية، يستنتج تان: "تدعم هذه النتائج تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لكبح رغبتنا القوية في استهلاك السكر، بدءاً من تنظيم عناصر متنوعة في هذه الدائرة وصولاً إلى تصميم بدائل تُقلّد مفعول السكر في الدماغ".


MISS 3