مجيد مطر

المبادرة الفرنسية ولعبة المصالح

26 آب 2023

02 : 00

على الرغم من الاعتراض في الشكل والمضمون على ورقة «الإختبار النهائي» التي اقترحها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان واعتبرت تصرفاً يتجاوز السيادة، فإنّ المبادرة الفرنسية مستمرة بكافة تفاصيلها، ما يعني أنّ موقف الفرنسيين من ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية باقٍ على حاله، طالما أنّ لا مؤشرات صريحة تؤكد عكس ما هو معلن.

يمكن اثبات ذلك من خلال:

أولاً، المعرفة الدقيقة من قبل فرنسا لواقع التوازنات في لبنان الذي يميل لصالح «حزب الله» القادر على جعل الشغور مديداً، وهي تحت وطأة السعي لاستعادة دورها في لبنان، يصبح واقعياً أن تأخذ في حسبانها مصالح «الحزب» كمحدد من محددات السياسة اللبنانية والمتحكم بمساراتها.

ثانياً، فرنسا المعنية بتكريس الاستقرار السياسي والأمني لأسباب كثيرة، فهي فضلاً عن اهتمامها بخلق بيئة آمنة لجنودها المشاركين في قوات اليونيفيل، تدرك جيداً أنّ انفجار الوضع عسكرياً في لبنان، يفقدها القدرة على التأثير، فالتاريخ يؤكد أنّ فرنسا أكثر حضوراً في حالات السلم اللبناني من حالات العنف المسلح.

ثالثاً، ينطلق تأييدها لفرنجية من مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التي أطلقها في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، التي أراد منها إبقاء الستاتيكو السياسي على حاله، فتمّ احتواء تداعيات الجريمة، حيث لا أحد إن في الخارج أو في الداخل قادر على تحمّل اعلان حقيقة ذلك الانفجار المرعب، لذا إنّ دعمَها لفرنجية ينطلق من هذا الموقف المغالي في حماية المنظومة، بدليل تماهيها معها لناحية حصر العلّة برياض سلامة كمسوؤل وحيد عن الهدر والفساد، ما يجعل منه كبش المحرقة أو الوجبة التي قُدمت على مائدة الجميع.

رابعاً، يبدو أنّ كلّ ما يتعلق بالملف الرئاسي، يتمحور حول قوى السلطة، فالمعارضة اكتفت بإعلان مرشحها جهاد أزعور، ثم غابت عن المشهد الرئاسي، في حين أنّ «حزب الله» يمسك زمام المبادرة مستفيداً من عامل الوقت عبر محاورة حليفه الموضوعي النائب جبران باسيل لاقناعه بتبني ترشيح سليمان فرنجية مقابل مكاسب سياسية وإدارية، وهذا ما يتيح للجانب الفرنسي التمسك بمبادرته وتسويقها لدى اللجنة الخماسية التي يميل بعضها إلى جانب قائد الجيش جوزاف عون إنما من دون اعلان صريح.

كل ما سبق يشكّل ركائز المبادرة الفرنسية التي تستمد حضورها من لعبة المصالح المتمثلة في ملف التنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية الممسوك تقنياً من قبل شركة «توتال» الفرنسية والمغطى داخلياً. فهي إن فشلت في ملء الشغور، ستبقى من باب التخفيف من حدة التوترات على الحدود الجنوبية للبنان.

بالتوزاي، فقد أرسلت كتلة «التنمية والتحرير» إجاباتها على سؤالي المبعوث الفرنسي لودريان المعبرة بطبيعة الحال عن موقف رئيسها، هنا يمكن التقدير أنّ مضمون إجابات الكتلة موجّه للداخل اللبناني بقدر ما هو موجه للمبعوث الفرنسي، وهي عناوين قد سمعها اللبنانيون من قبل، وهي في الأغلب العناوين السياسية للحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري سابقاً، التي سوف يؤكد عليها وإن بتعابير مختلفة في خطاب 31 آب المقبل كما تشير بعض التقارير الصحافية.

فمن نافل القول إن تلك الاجابات تختصر عناصر الانقسام اللبناني حيال السياسة الداخلية والخارجية، وهي كلّها مواضيع خلافية، فلا اجماع حول اتفاق الطائف وتطبيق الدستور الذي تمّ تحويله الى وجهة نظر، أيضاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية وعلاقات لبنان العربية والدولية الأمر نفسه ينطبق عليها، وفي ما يتعلق بملامح الرئيس فكل فريق يتمسك بمرشحه من دون الاكتراث لموضوع المواصفات.

أما في سياق المواقف، فقد أراح كلام جبران باسيل «حزب الله» الذي جاء في عشاء هيئة قضاء كسروان وجاء فيه إما أن يأتي رئيس من عمق وجداننا أو تسن قوانين وإصلاحات أهم منه».

إنه موقف خطير اذ ساوى باسيل بين قوانين متغيرة بثابت الرئاسة، فيكفي أن تتبدل التوازنات حتى يستبدل قانون بآخر، حيث لا ضمانة كضمانة رئيس الدولة كحكم بين اللبنانيين.

في الخلاصة مفاد موقف باسيل أنّه على استعداد للتنازل عن موقع رئاسة الجمهورية في مقابل إقرار قوانين تكرّس مغانم مصلحية، لكنه قادر كالعادة على اقناع الناس بأنّها انتصارات على المنظومة الذي يشكل هو أحد أعمدتها الثابتة في ظل تحالفه مع راعيها وحاميها.


MISS 3