محمد علي مقلد

الأسئلة المغلوطة (2) مع الحوار أم ضده؟

30 آب 2023

02 : 00

إن كنت ضد الحوار بين اللبنانيين يعني أنك تدفعهم إلى الاقتتال. أمّا في الظروف الملموسة التي تمر بها الأزمة اللبنانية فالجواب على سؤال الحوار بنعم أو لا يبدو في نظر المعارضة بمثابة فخ. الموافقة تعني الاستجابة لتمييع القضية وإرجاء الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد إفراغ الدولة من مؤسساتها، والمرجئة اليوم غير مرجئة القرن الهجري الأول التي أوكلت الحكم لله. هذه المرة الأمر لـ»حزب الله».

أمّا رفض الحوار فهو يعني، في نظر فرقة المرجئة، دفع البلاد إلى حافة الحرب. اختيار اللبناني بين مع أو ضد يعني أنّ اختياره بين موتيْن، بالحرب أو بالجوع.

«حزب الله» أخطأ تكراراً. لقد غدا الفخ معروفاً ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. بل إنّ الأحداث إن كررت نفسها ففي الأولى مهزلة طالت قرابة العام وفي الثانية مأساة انتهت بانتخاب رئيس قد تفيض حراسة الباب الخارجي للقصر عن إمكاناته الجسدية والفكرية. فراحت المعارضة تغني، أيظن أني لعبة بيديه؟ أنا لا أفكر بالرجوع إليه. غناء لا يطرب الآن أحداً، لا المرجئة ولا بعض الكورس الذي يفضل الطلاق على زواج بالإكراه.

ليس لدى «حزب الله «إلا خطاب واحد يلقيه قادته. خطاب ليّن هيّن مفعم بالحرص على البلاد وأهلها ونظامها وطائفها وطوائفها وطائفيتها، لكنه ربما يكون قد تسرع بتسليم سره إلى كثيرين من خارج القيادة. فقد أيقن جمهور الشعب اللبناني من خلال ما سمعه ورآه على المنصات، ومن التجارب السابقة التي بدأت بالاغتيالات المتلاحقة لرموز الرابع عشر من آذار، ثم بإغلاق أبواب المجلس النيابي لأشهر طويلة وسنوات، ثم بمخيم الممانعة في ساحة رياض الصلح، أنّ الشيعية السياسية ماضية في الإرجاء إلى ما شاء «حزب الله».

فريق من المعارضة يرفض الحوار ويبحث عن تسوية، وفريق ثان منها يبحث عن تسوية من خلال الحوار، فيما يرفض فريق ثالث الحوار والتسوية معاً ويمضي حتى حدود رفض العيش المشترك والصيغة والكيان مقدماً في ذلك خدمة لخصومه. أما الشيعية السياسية فتصرّ على الحوار، لكن مع رافضي الحوار، لتؤكد أنّ الأمر لا يعدو كونه مناورة. لكنها مناورة فاشلة لأنّها مكشوفة.

مكشوفة لأنّ الحوار قائم عملياً، لكنه، من وجهة نظرها، لا يحظى بالاعتراف والشرعية إن لم يكن منسقاً بين ثنائي يديره أحدهما وهو على رأس الطاولة والآخر عن بعد. الانتخابات الرئاسية موضوع ثلاث خطب متتالية للأمين العام لـ»حزب الله» ولرئيس «القوات اللبنانية» ولرئيس مجلس النواب نبيه بري، والمناسبات روتينية أو غبّ الطلب. وهي مادة كلام في عشرات المقالات الصحافية ومئات «البوستات» على وسائل التواصل، عشرات البيانات الصادرة عن هيئات أو كتل نيابية أو عن وزراء أو مسؤولين في الأحزاب اللبنانية تتضمن حوارات غير مباشرة بين أطراف الصراع على الرئاسة.

الحوار قائم عملياً على قدم وساق. فلماذا يتصرف الثنائي وكأن الحوار غير موجود؟ ألأنه يريد الوقت المستقطع مذيلاً بتوقيع قوى المعارضة وممهوراً بإذعانها، إلى أن يتلذذ صاحب الإمرة بامتثال الجميع لإرادته؟ أم على طريقة الأديب الفرنسي جان راسين في مسرحيته، بريتانيكوس، أعانق خصمي لكن لأخنقه «J´embrasse mon rival, mais c´est pour l´étouffer»?الحوار المقترح اليوم محكوم سلفاً بالعقم والفشل، خاصة إذا كان من سيديره طرفاً في الصراع، ولن يصير سليماً وشرعياً ومجدياً إلا في إطار مؤسسات الدولة التي ينتظم عملها بوجود رئيس على رأس طاولة الحوار وعلى رأس الجمهورية.


MISS 3