رواد مسلم

القرم هدف الاستراتيجية الأوكرانية الجديدة

2 أيلول 2023

02 : 00

وصول مقاتلات «أف 16» سيؤمّن غطاء للقوات المُهاجمة في زابوريجيا (أ ف ب)

لم يحقق الهجوم الأوكراني المضاد النتائج المرجوّة التي كان يطمح لها الجيش الأوكراني مدعوماً عسكرياً من دول «حلف شمال الأطلسي» وفي طليعتها الولايات المتحدة، فبعد 18 شهراً من اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وأكثر من أربعة أشهر على إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنطلاق الهجوم المضادّ، يبدو أنّ استراتيجية الجيش الأوكراني لم تنجح لإسترجاع المناطق المحتلّة منذ شباط 2022، واسترجاع شبه جزيرة القرم المحتلّة منذ عام 2014، أو أنّ الجيش الروسي تمكّن من مواجهة جميع الخطط الغربية لخرق خطوط دفاعاته المحصّنة، ونجحت استراتيجيته الدفاعية المتحرّكة والمرنة، أقلّه حتى اليوم، وذلك في الجبهات الميدانية كافة.

لذلك لا بدّ من إعادة ضبط الاستراتيجية الأوكرانية لاستمرار الهجوم المضادّ بعد تعثره، وهذا ما كان واضحاً في نية الغرب، خصوصاً من خلال الاجتماع السرّي على الحدود البولندية - الأوكرانية بين كبار الضباط في «حلف شمال الأطلسي»، من ضمنهم القائد العسكري للحلف كريستوفر كافولي والقائد العسكري الأوكراني فاليري زالوجني الأسبوع الماضي، حيث تمّ البحث حسب ما نقلت صحيفة «الغارديان» عن مصادر عسكرية، في خطط الشتاء القادم، وتغيير الاستراتيجية المتبعة للقوات الأوكرانية في هجومها المضاد، حيث يجب التركيز على جبهة زابوريجيا لقطع الامدادات عن القرم بدلاً من تعدّد الجبهات على طول 900 كلم.

المؤشّر الآخر إلى تغيير الاستراتيجية الأوكرانية، هو تصاعد وتيرة الهجمات في الداخل الروسي بالمسيّرات، لتشمل مناطق روسية أبعد من موسكو وصلت إلى بسكوف الروسية التي تبعد 800 كلم عن الحدود الأوكرانية والمتاخمة للدولتين العضوين في «حلف شمال الأطلسي» (إستونيا ولاتفيا)، ما يفتح باب التخمين في إمكانية إطلاق المسيّرات من هاتين الدولتين، علماً أن رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف كشف أمس أن الهجوم بمسيّرات على مطار بسكوف أُطلق من داخل الأراضي الروسية. إضافةً إلى الهجمات الكثيفة بالزوارق المسيّرة على شبه جزيرة القرم التي تعتبر من صلب إهتمام صانع القرار العسكري الأوكراني، فإنّ هدف الهجمات في الداخل الروسي هو تشتيت وتوزيع أنظمة الدفاع الروسية، لتركيز الهجوم الدقيق في زابوريجيا والقرم حيث الاهتمام التكتي. قطع الجسر البرّي في اتجاه القرم هو هدف الاستراتيجية الغربية، وإنّ التقدّم الأوكراني في اتجاه ميليتوبول المحتلّة جنوبي زابوريجيا يخدم هذا الهدف، فميليتوبول تعتبر بوابة القرم حيث تحتوي على شبكة مواصلات رئيسية مرتبطة بشبه الجزيرة، أهمّها خطوط سكك الحديد المرتبطة بالمقاطعات الأوكرانية المحتلّة والقرم. لذلك لن يبدو مستغرباً زيادة الهجمات الصاروخية وبالمسيّرات الجوية والبحرية على الجسور والمنشآت الحيوية العسكرية كميناء سيفاستوبول والسفن الحربية التابعة له في القرم. يبدو أنّ تغيير الاستراتيجية الأوكرانية زاد من حماسة دول الناتو لزيادة الدعم العسكري كمّاً ونوعاً، والجديد هو نوعية الأسلحة المقدّمة التي تبيّن أنّ الغرب يُريد فرض السيادة الأوكرانية الجوية الكاملة، خصوصاً مع زيادة الهجمات الروسية بالمسيّرات وما قد تسبّب من خسارة المعدات العسكرية التي يحتاج إليها الجيش الأوكراني للهجوم جنوباً في زابوريجيا، فقد أعلنت الولايات المتحدة أمس أنها سلّمت الجيش الأوكراني منظومة صواريخ للدفاع الجوي «فامبير» (4 من أصل 14)، مخصّصة لإسقاط الطائرات المسيرة. هذا النظام يعتبر فعّالاً من حيث سهولة نقله، فيُمكن تثبيته على الآليات الرباعية غير المدرّعة، ويتميّز بنظام أسلحة القتل الدقيق الموجه بالليزر (APKWS)، القادر على تتبّع وضرب مجموع 3 مسيّرات معاً. تأتي «فامبير» بعد أيام من تقديم الولايات المتحدة حزمة جديدة من المساعدات العسكرية بقيمة 250 مليون دولار، تشمل صواريخ «AIM 9M Sidewinder» للدفاع الجوي، وذخيرة إضافية لأنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة «هيمارس»، ومعدّات إزالة الألغام، وصواريخ «HYDRA 70mm» (الذخيرة التي تستخدمها أنظمة «فامبير» بعد تعديلها بجهاز لتوجيهه على الليزر)، وأنظمة «جافلين» المضادة للدروع، وذخائر مدفعية من عيار 105 و155ملم، وأكثر من 3 ملايين طلقة من ذخيرة الأسلحة الصغيرة، إضافةً إلى مركبات العلاج الطبي المدرّعة وسيارات الإسعاف، وقطع الغيار والصيانة وغيرها من المعدّات الميدانية.

معظم هذه الأسلحة استخدمها الجيش الأوكراني في مواجهة الجيش الروسي، لكنّها المرّة الأولى لدخول صواريخ «AIM 9M Sidewinder» المعركة، فهي من عائلة الصواريخ جو - جو قصيرة المدى محمولة على مجموعة واسعة من الطائرات التكتيكية الحديثة في الجيش الأميركي (منها «أف 16»)، وتستخدم باحث الأشعة تحت الحمراء (IR SEEKER) للوصول إلى مصدر الحرارة، لكن مع عدم إمتلاك الجيش الأوكراني للمقاتلات الأميركية، تمكّن المهندسون والفنيون في القوات الجوية الأوكرانية، بمساعدة الدول الغربية من دمج جهازية الصواريخ الغربية في أسطولهم من المقاتلات التي تعود إلى الحقبة السوفياتية «ميغ 29» و»سو 27»، والمزوّدة بصواريخ «R 73» الحرارية للدفاع الجوي من الحقبة السوفياتية أيضاً، والتي تمكّنت من رصد وتدمير نسبة غير عالية من المسيّرات الإيرانية الصنع «شاهد 136» التي تتحرك ببطء نسبياً، لكن مخزون الجيش الأوكراني من صواريخ «R 73» قد استنزف ولا يوجد إمكانية لإعادة التصنيع.

لا تزال القوات الأوكرانية الآن في منطقة أوريخيف التي تبعد 80 كلم عن ميليتوبول، ولا يوجد أي إحتكاك مباشر بين الجيشين، لذلك يبدو أنّ الخطة الجديدة تريد منع الهجمات الجوية الروسية بنسبة عالية من خلال الأنظمة والصواريخ الجديدة، تمهيداً للهجوم البرّي الذي يمكن أن ينطلق بقوة مع وصول مقاتلات «أف 16» (6 مقاتلات بداية 2024) التي يمكنها بالرغم من عددها القليل، حماية القوات المهاجمة في زابوريجيا في اتجاه بحر آزوف وحدود شبه جزيرة القرم، والتي وإن تمكّن الجيش الأوكراني من الوصول إليها سيُجبر الروس على التفاوض لأنّ منطقة القرم ستكون معزولة ومهدّدة جدّاً.


MISS 3