مجيد مطر

هل يُعتبر ترامب ضحيّة الدولة العميقة في الولايات المتحدة؟

2 أيلول 2023

02 : 00

لماذا يكره الحزب الديمقراطي الرئيس السابق دونالد ترامب؟ ولماذا قرّرت إدارة جو بايدن ملاحقته من دون وجود دليل دامغ ضدّه؟ فلم تترك تهمة الا ووجّهتها له، مستغلّة كل ثغرة قانونية في سبيل إدانته، الأمر الذي دفع الرئيس ترامب الى القول إنّ ادارة بايدن تستغلّ السلطة وتستخدم وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي سلاحاً بوجهه، مؤكّداً أنّه لا يمكن السماح بذلك.

هذه الاندفاعة الديمقراطية لمحاصرة ترامب بسيل من التهم والارباكات تطرح العديد من التساؤلات، جميعها تقود الى مكان لا علاقة له بالقانون، بل بالسياسة!

وتأسيساً على ذلك، ولفهم عدائية الديمقراطيين تجاه الرئيس ترامب، يجب العودة الى حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي يُعتبر من أسوأ وأفشل رؤساء الولايات المتحدة على مرّ التاريخ، وهو بحسب رأي الكثيرين، لا يزال فاعلاً ومؤثراً في قرارات الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، وكأن رئاسته ممتدّة غير منقطعة، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه قضايا الشرق الأوسط. فتلك الحقبة كانت محطّ انتقاد شديد من قبل الرئيس ترامب الذي بدأها في حملته الانتخابية وحولها الى سياسات مناقضة لكل النهج الديمقراطي المتّبع.

فقد بدأ من الغاء الاتفاق النووي مع ايران، الذي وصفه ترامب بأنه اتفاق سيّئ، قد صبّ في مصلحة ايران، متّهماً أوباما بأنّه قد وقّعه لدوافع شخصية، لتسجيل اسمه في التاريخ من دون الاكتراث لمصالح أميركا. أما في ما يتعلق بحلفاء وأصدقاء بلاده في المنطقة، فقد تجاهلت إدارة الرئيس أوباما تلك العلاقة التاريخية، وساهمت في إسقاط عدد من الأنظمة العربية بفعل ثورات «الربيع العربي»، وعندما وصلت شرارة الثورة الى سوريا، انتهج سلوكاً متساهلاً مع النظام السوري الذي استعمل العنف ضدّ المتظاهرين السلميين، وبلغ ذلك السلوك غير الأخلاقي ذروته عندما لم يحرّك ساكناً حيال استخدام السلاح الكيماوي الذي وصفه بالخط الأحمر الذي لا يمكن القبول بتجاوزه. وقد اعتبر موقف أوباما المتساهل مع القيادة السورية آنذاك، بمثابة اغراء للايرانيين للقبول بتوقيع الاتفاق النووي.

ولم يكتفِ عند هذا الحدّ، فقد قام بالانسحاب من العراق، الأمر الذي ساهم في تعزيز النفوذ الايراني على المشرق العربي بطريق ممتدّ من طهران الى بيروت. بينما نجد أنّ ترامب قد انتهج سياسات خارجية ودفاعية على نقيض تام من تلك السياسة، فأعطى الأوامر باغتيال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي أثار غضب وإدانة رموز الحزب الديمقراطي لتلك العملية كبيرني ساندرز وجو بايدن نفسه، ووضع الجماعة الحوثية على لوائح الإرهاب، وقام بزيارة تاريخية الى السعودية، في إشارة مهمّة إلى أنّ ادارته تريد تبديل موازين القوى لصالح القوى التي تريد استقرار المنطقة وازدهارها، وهذا يعتبر تبدّلاً استراتيجياً في أولويات المصالح الأميركية، التي كانت ترى أنّ إيران يجب أن تبقى الفزاعة لدول المنطقة وتحديداً الخليجية منها، كما قام بقصف مواقع للجيش السوري بعد حدوث هجمات كيمياوية ضدّ المدنيين في سوريا، من دون أن ننسى انتقاده الدائم لغزو العراق وتداعياته الخطيرة على شعوب المنطقة.

ترامب الذي جاء الى السلطة من خارج بطانة الطبقة السياسية الأميركية التي تنظر الى منطقة الشرق الاوسط من منظور أمني ــ سياسي، فقد ظنّ الجميع داخل وخارج الولايات المتحدة أنّ هذا الرجل غير قادرٍ على قراءة الأحداث والسياسات الدولية، ليتبين العكس من خلال استراتيجية أثبتت نجاحها في وقت قياسي، قد أعادت قوة وهيبة الولايات المتحدة، ليس في منطقة الشرق الأوسط، بل في العالم، خصوصاً عندما فرض رسوماً وضرائب بالمليارات على السلع الصينية.

مقولة الدولة العميقة ليست من قبيل «نظرية المؤامرة» بل هي واقع سياسي خفيّ موجود في غالبية دول العالم، وهي تعتبر من المحدّدات الأساسية في وجه صنّاع القرار الذين يسترشدون بضرورات تأمين المصالح الوطنية، بحيث يلتزم كلّ رئيس أو حكومة بتأمينها، وهذا ما يحيلنا الى مفهوم «الدولة العميقة» التي تلجم في كثير من الأوقات سلوك القادة على المستويين الداخلي والخارجي وفقاً لأجندتها.

وعليه، يمكن القول وبكثير من المجازفة، إنّ ترامب الذي ناقض توجّهات السياسات الأميركية التقليدية، وأثبت نجاحاً في ذلك، هو الآن ضحيّة الدولة العميقة في بلاده، ربما بشقّيها الديمقراطي والجمهوري.


MISS 3