سامي نادر

قرار شجاع وخطة عرجاء

4 أيار 2020

02 : 00

أخيرأً وبعد طول انتظار، أطلّت علينا الحكومة بخطتها الإقتصادية. وأهم ما جاء في مضمونها، هو ما سبقها: إعلان رئيس الحكومة عن نيته بالتوجه إلى صندوق النقد الدولي لطلب برنامج مساعدة إقتصادية. حسناً فعلت حكومة دياب. الطريق الذي اختارته لن يكون سهلاً ولكنه الطريق الوحيد المتاح للخروج من الأزمة.

وإن كان قرار الحكومة بطرق باب صندوق النقد شجاعاً وسديداً، يبقى أن خريطة الطريق التي رسمتها تطرح الكثير من التساؤلات وتثير بعض الشكوك، منها ما يتعلق بالأسس التي قام عليها الإقتصاد اللبناني وقواعد الحكم الرشيد، كمبدأ فصل السلطات لا سيما السلطتين النقدية والتنفيذية. ومنها ما يمس بمسلمات هي في صلب الدستور اللبناني ليس أقلها حماية الملكية الفردية وعلى رأسها الودائع في المصارف.

أولاً، من إيجابيات ورقة الحكومة الإقتصادية أنها أظهرت بالأرقام ولأول مرة حجم الخسائر في القطاعين النقدي والمصرفي. وفتحت "صندوق باندورا" خاصة مصرف لبنان. أما نقطة ضعفها الأساسية فأنها قفزت فوق الإصلاحات الأساسية المتعلقة بالمالية العامة والعالقة منذ فترة في شباك نظام المحاصصة، فلم تُعِرها الحيّز الكافي من التحليل الدقيق أسوة بمقاربتها للقطاعين النقدي والمصرفي. بل راحت ترسم سياسة النقد، وسعر الصرف، ونسب التضخم وهي من مهام المصارف المركزية.

هكذا أتت الخطة عرجاء، غير متوازنة لجهة تركيزها على شق إصلاحي على حساب شق آخر. وهذا بحد ذاته يشكل إعاقتها الأساسية وقد يعقّد مهمتها لا سيما مع الدول المانحة التي جعلت من هذه الإصلاحات الهيكلية الحجر الأساس لا بل الشرط لمساعدة لبنان. كما ويطرح أسئلة كثيرة حول النوايا الكامنة وراء تحميل كافة المسؤوليات أو القسم الأكبر منها إلى مصرف لبنان والمصارف. فأين اصبح الكلام عن مزاريب الهدر، والفساد ملأ الشاشات في الفترة الأخيرة؟ وأين التفاصيل التنفيذية والجداول الزمنية لاستراتجية مكافحة الفساد.

لا أحد ينكر مسؤولية مصرف لبنان وحاكمه عما آلت إليه الأمور، والأعباء التي ترتبت عن سياسة تثبيت سعر صرف الليرة. هو قال في إطلالته الأخيرة أنه ليس من صرف الأموال إنما من موّل، وأنه لم يكن وحيداً في هذا الدور. مؤسسات دولية أخرى شاركته هذا الرهان وأقرضت الحكومة اللبنانية. صحيح أن بعض المصارف والصناديق الخاصة العالمية إستثمرت بالأصول السيادية اللبنانية. راهنت على أرباح متناسبة مع المخاطر التي ارتضتها. ولكن صحيح أيضاً أن الدول والحكومات والمؤتمنة على أموال مكلفيها (كما هو مؤتمن على ودائع الناس)، والمجتمعة في مؤتمر سيدر (2018)، وباريس 3 قبله (2007)، إشترطت الإصلاحات قبل التمويل. كان الحري بمصرف لبنان أن يحذو حذوها.

وبالعودة إلى قرار الحكومة بالتوجه إلى صندوق النقد، المسألة لا تتعلق فقط بالإصلاحات الهيكلية المنتظرة والتي يجب أن تشمل كافة القطاعات بما فيها القطاع النقدي والمصرفي، إنما تتعلق بالوجهة السياسية لهذه الحكومة. وبكلام أوضح عن مدى استقلاليتها عن القوى السياسية الراعية لها، بما فيها "حزب الله"، ومدى ابتعادها عن الصراعات في الإقليم. قالها بيان الديبلوماسية الفرنسية على طريقته منذ يومين وعاد وكرّرها مساعد وزير الخارجية الأميركي بضع ساعات بعدها.


MISS 3