اللفافة السطحية أهم ممّا تظن

02 : 00

قد تكون اللفافة السطحية النسيج الأكثر انتشاراً في الجسم. لم يَقِس العلماء حجمها بدقة، لكنها موجودة في كل مكان وهي تدعم البشرة، والعضلات، والأعصاب، والأعضاء. مع ذلك، كانت هذه المادة الخيطية البيضاء تُعتبر حتى الفترة الأخيرة غير مؤثرة على الصحة لدرجة أن يتجاهلها الأطباء خلال دروس التشريح. لكن تقول كارلا ستيكو من جامعة «بادوفا» في إيطاليا: «يشمل الجسم كمية هائلة من هذه الأنسجة، ومن الجنوني أن نتجاهلها ونستخف بدورها في عمل العضلات، والأعضاء، والبشرة، أو في نشوء الأمراض».

نعرف الآن أن هذه اللفافة ليست مجرّد بنية جامدة من ألياف الكولاجين، بل إنها بنية معقدة ذات أدوار بدأنا نستكشفها للتو. ثمة أربعة أنواع منها، ولكل لفافة خصائص وأدوار مختلفة. يكون بعضها مزوداً بجهاز عصبي، ويحتوي البعض الآخر على خلايا مناعية. تبيّن أيضاً أن اللفافة تستطيع الانقباض بشكلٍ تلقائي (هي تسيطر على 30% من قوة الحركة العضلية)، كما أنها تؤثر على شعورنا بالألم وقدرتنا على تحديد مكاننا، وهو جزء أساسي من طريقة تحركنا.

قد لا تلاحظ وجود اللفافة إذا حافظت على صحتها طوال حياتك. تنزلق طبقاتها بسلاسة وتتداخل في بعضها البعض أثناء التحرك، ما يسمح لنا بالتنقل بلا مشكلة. لكن إذا تضررت اللفافة وأصبحت مادة الهيالورونان التي ترطّب الطبقات لزجة أو بدأت الألياف بحد ذاتها تتصلب وتتجمّع، قد تصبح الحركة شاقة.

تكشف تقديرات أخرى أن ألم اللفافة العضلية يشكّل حوالى 30% من الأوجاع العضلية والعظمية في الظهر، والعنق، والكتف، والورك، والحوض، أو حالات الصداع المتكررة. تقول أليسون سلاتر، معالجة فيزيائية متخصصة بمشاكل اللفافة: «أظن أننا قد نكتشف مستقبلاً أن جزءاً كبيراً من المشاكل التي ننسبها إلى المفاصل والعضلات يرتبط باضطرابات اللفافة». كذلك، يبدو أن التهاب اللفافة يرتبط بعدد من الحالات مجهولة السبب مثل الألم الليفي العضلي، ومتلازمة القولون العصبي، وبطانة الرحم المهاجرة.

أخيراً، قد ترتبط اللفافة بالسرطان. هي لا تؤثر على نشوء الورم، بل على دور البيئة المحيطة في انتشار المرض أو التجاوب مع العلاج. توضح ستيكو: «أصبحت اللفافة حول الورم الآن عنصراً يبحث عنه علماء الأورام لتحديد مدى عدائية السرطان. قد تشمل اللفافة عنصراً ناشطاً على صلة بإشارات الخلايا والسرطان النقيلي».

لهذا السبب، سيكون الاعتناء باللفافة السطحية جزءاً أساسياً من خطوات الرعاية الذاتية اليومية، بما يشبه تنظيف الأسنان أو الاهتمام بصحة القلب، لا سيما مع التقدم في السن. تتصلب اللفافة طبيعياً مع مرور الوقت، وتتركز المشكلة عموماً في محيط الظهر. حتى أنها قد تتغير لدى النساء بسبب تراجع مستوى الأستروجين في مرحلة انقطاع الطمث. قد يتأثر سلوك اللفافة أيضاً بالعوامل الوراثية. إذا كان أحد الوالدَين مصاباً بالتصلب، يصبح الأبناء أكثر تصلباً مثلاً.

على صعيد آخر، تُعتبر البدانة من عوامل الخطر المُسببة لتصلب اللفافة والألم لأنها قد تُغيّر مادة الهيالورونان فيها. كذلك، قد تتأثر اللفافة بالإجهاد العاطفي ويتغير أداؤها لأن هذا الإجهاد مسؤول عن التشنجات العضلية.

للاعتناء باللفافة السطحية، تقضي الخطوة الأولى بممارسة تمارين التمطط. عند تمطيط اللفافة تزامناً مع أخذ وضعية ثابتة، كما يحصل أثناء الحفاظ على وضعية يوغا لبضع دقائق، تتغير الخلايا في داخلها.

في دراسات أجرتها الباحثة هيلين لانغفين في المعاهد الأميركية الوطنية للصحة، تبيّن أن تمطيط النسيج في المختبر طوال ساعتين ضاعف حجم الخلايا الليفية في اللفافة، ما أدى إلى إنتاج خلايا أطول وأكثر تسطحاً واسترخاءً. تكشف دراسات أخرى أيضاً أن خمس دقائق من التمطط فقط تُخفّض مستوى الالتهاب في اللفافة.

الأسطوانة الرغوية هي طريقة أخرى لإرخاء اللفافة السطحية: هي لا تعطي آثاراً مشابهة للتمطط في وضعية ثابتة على المدى الطويل حتى الآن، لكنها تسهم في منع التصلب، لا سيما بعد التمارين الجسدية. لكن إذا أردت أن تستعملها في مطلق الأحوال، يجب ألا تقوم بحركة قوية وعدائية بل تضغط على الأسطوانة بوتيرة خفيفة ومتواصلة.

لكن يُفترض أن تكون حركتك منتظمة في جميع الحالات. يخرج الكثيرون لممارسة الركض أو ركوب الدراجة الهوائية في ساعة مبكرة ثم يجلسون خلال ساعات النهار المتبقية، وهذا الوضع لا يفيد اللفافة السطحية. يجب أن تُغير وضعية جسمك وتقف من وقتٍ لآخر، وتذهب للمشي لمدة قصيرة للحفاظ على سلاسة حركتك.

أخيراً، يجب أن تغذي اللفافة. حافظ على ترطيب جسمك لحماية مادة الهيالورونان التي تدعم السائل فيها. وحتى المصابون بألم قوي قد يستفيدون من حمية غذائية مضادة للالتهاب، ما يعني ضرورة الإكثار من الأسماك الزيتية، والفاكهة، والخضار، والحبوب الكاملة، وتخفيف استهلاك السكر، والدهون، والكحول، والمنتجات المُصنّعة.

في النهاية، تستنتج ستيكو: «أظن أننا بدأنا نكتشف دور اللفافة السطحية في الحفاظ على الصحة. لكن لضمان فعاليتها، يجب أن نحافظ على سلامتها. عندما تكون اللفافة سليمة، سنشعر بتحسّن على مستوى العقل والجسم».


MISS 3