خالد أبو شقرا

تطبيقات سعر الصرف "تُحجب" والدولة القمعية "تَظهر"

ضبْط إيقاع انهيار الليرة بالوسائل البوليسية

8 أيار 2020

02 : 00

محرك البحث غوغل يشير الى سعر الصرف الرسمي غير الحقيقي فقط
تنحو السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية والرقابية باتجاه الدولة "البوليسية". ضعف الحجة وفشل السيطرة على الأسواق بالآليات الطبيعية، يدفع يوماً بعد آخر إلى اعتماد القمع والاجراءات التعسفية. هذا ما شهدناه مع فرز آلاف العناصر الامنية لحماية المصارف، مروراً بمداهمة عناصر المخابرات والأجهزة الامنية لمحال الصيرفة وإقفالها وسوق أصحابها مخفورين إلى الزنازين، وصولاً اليوم إلى طلب مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية من وزارة الاتصالات، حظر كل المواقع والتطبيقات التي تظهر سعر صرف الدولار مقابل الليرة، بناء على اشارة مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات.




خلفيات هذا القرار لها جذور قوية عند أصحاب الاختصاص من الصرافين. فنقيبهم كان أول من تذرّع بأن ما يحدد سعر الصرف ويؤثر عليه سلباً هو تطبيق إلكتروني أصبح محملاً على كل الهواتف، مطالباً بحظره وملاحقة معدّيه. كثرٌ انجرّوا وراء الاتهام متناسين ان ما يصنع الفرق في سعر الصرف هو النقص الهائل بالدولار مقابل الطلب المرتفع. وبأسوأ الظن فإن المضاربين بمليارات الليرات لشراء العملة الصعبة هم من يحدّدون السعر، وليس من يحمل بعض الدولارات ويرفض صرفها بسعر أقل من الذي يظهره التطبيق.

مبررات الحظر

من حيث المبدأ يعتبر رئيس مؤسسة "SALAMAS Law Firm" الحقوقية، سلام عبد الصمد هذا الأمر حقيقياً، انما برأيه فإن "هناك مجموعة كبيرة من الصرافين غير المرخصين أو المرخصين غير الملتزمين بتعميم مصرف لبنان، يتلاعبون من خلال هذه التطبيقات بالعرض والطلب خلافاً للأصول. والدليل هو استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة في أيام العطلات الرسمية وفي ظل اضراب الصرافين، وتوقفهم عن أجراء عمليات التحويل". عبد الصمد يضيف انه "بعد البحث عن هذه التطبيقات تبيّن لنا ان قسماً منها غير قانوني ومشبوه ومخالف للقانون. وهو ما دفعني للتقدم شخصياً مع مجموعة من الزملاء بإخبار الى النيابة العامة التمييزية. طلبنا منها التدخل لحجب هذه التطبيقات عن طريق مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية. وهذا ما حدث. الايمان بحرية العمل والتبادل والنظام الليبرالي "لا تعني السكوت عن المخالفات والمخالفين ومحاولات التلاعب بالسوق والتحكم به والاحتكار. فكيف إذا كانت هذه المخالفات تؤثر سلباً على حياة كل المواطنين"، يقول عبد الصمد.

تضرّر الشركات الناشئة

تطبيق القرار من الناحية التقنية سيعطل ما يعرف بـ "google Firebase real time"، وهو التطبيق المستعمل بشكل كبير في اقتصاد المعرفة وفي شركات المعلوماتية الناشئة Startup Company. الامر الذي سيعرقل، برأي الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم، "قطاعاً يعتبر دينامو الاقتصاديات الحديثة، توازي أهميته الصناعة والزارعة، خصوصاً في ظل ما يشهده العالم من تبدلات في الانماط الانتاجية وعلاقات التبادل الدولية نتيجة اجتياح فيروس كورونا".

السلبيات الناتجة عن القرار قد تفوق بعض الايجابيات التي من الممكن ان تتحقق لفترة زمنية قصيرة. وبرأي الحكيّم فان "القرار جاء ليعالج النتائج وليس الاسباب لتفلت سعر الصرف وانهيار الليرة. في حين انه كان الأجدى من البداية تطبيق الكابيتال كونترول الذي طالبنا به، وبث مناخ من الثقة عبر تغيير المنظومة السياسية الموجودة، يعيد تدفق الودائع إلى المصارف ويطمئن المستثمرين العرب والاجانب ويشجع المغتربين اللبنانيين على الاستمرار في تحويل الاموال.. بدلاً من العمل بشكل ممنهج على إلغاء سوق القطع".

تكريس القمع

في الوقت المطلوب فيه ضبط الآليات ومعالجة الأسباب الحقيقية للازمات، نرى الدولة بسلطتها التنفيذية ومختلف أجهزتها القانونية والأمنية تتجاوز الدستور والقوانين المرعية الإجراء. وهو ما يعيده الباحث الاجتماعي أديب نعمة إلى "عجزها عن تحقيق أي اختراق ايجابي في الوسائل الطبيعية". فالسمة المميزة في الدولة اليوم، برأي نعمة، هي "خروجها عن القانون والتشجيع بطريقة مباشرة على العنف. والامثلة كثيرة جداً". نتذكر مع نعمة، على سبيل المثال لا الحصر كيف أخذت الحكومة الثقة في جلسة فاقدة للنصاب على الهواء مباشرة، والقرارات القضائية غير القانونية بحق المصارف والتراجع عنها، واعتقال الصرافين ومحاسبتهم بعيداً من قانون النقد والتسليف والتدخل عنوة في اقتصاد حر بسعر الصرف والاسواق، واطلاق خطة تتجاوز في كثير من بنودها الدستور والقوانين. خطورة هذه الامثلة، برأي نعمة، "لا تقتصر على الفشل في تحقيق الاصلاح الحقيقي المطلوب فحسب بل تمتد إلى تكريس مبدأ الدولة الديكتاتورية وتشجيع المواطنين على قبول فكرة القمع والعنف بعد تحويلهما الى مطلب شعبي".

التجارب الدولية تُظهر انه كلما ضعفت قدرة الدولة على استخدام الآليات الطبيعية والاقتصادية والادارية في تنظيم المجتمع، كلما لجأت الى القمع الشمولي وخرق القانون واستخدام العنف. هذا النموذج سيتعزز اكثر برأي المراقبين وأصحاب الاختصاص مع عجز الطبقة الحاكمة عن تنفيذ الاصلاحات القاسية بشفافية وعدل ومساواة بموازة عملية الاصلاح التي تنوي القيام بها.


MISS 3