* معضلة توزيع الخسائر مستمرة منذ أكثر من 3 سنوات، ولا اتفاق حولها بعد
*المصارف تقاوم إعادة الهيكلة وفق المعايير الدولية، وتريد تحميل الدولة الخسائر
*في منظومة الحكم من هو مع المصارف ولا يقدّم للمودعين إلا وعوداً وهمية
* الصراع على أشدّه حول استخدام أصول الدولة وإيراداتها لإطفاء الخسائر
*صندوق النقد يقف متفرجاً ومتأكداً من أن لا نية حقيقية للإصلاح في لبنان
*المنطومة التي تعد بردّ الودائع لم تفعل شيئاً أمام تذويب 50 في المائة منها
*تبدو حكومة ميقاتي غير مبالية، فيما بعض النواب يبالغون في الشعبويات الإنتخابية
*مع رئيس جديد وحكومة جديدة ستبقى المشكلة نفسها إذا استمر الإنكار الكبير
بعد مرور نحو أربع سنوات على الأزمة المالية والنقدية غير المسبوقة في لبنان من دون ان تحرك السلطة السياسية ساكناً لمعالجتها، ثمة حقائق باتت راسخة ليس فقط في أذهان معظم اللبنانيين بل أيضا المجتمع الدولي(وخصوصا صندوق النقد الدولي )، بأن في المنظومة السياسية - المصرفية اشخاصاً يعتبرون وجهين لعملة واحدة، يتشاركون في منع حصول أي اصلاح في القطاع المصرفي لاعادة هيكلته وفقا للمعايير الدولية تمهيداً لحل لمعضلة الودائع. الكلام الذي سبق ليس من باب التجني ورمي التهم جزافاً، بل تؤكده الوقائع اليومية سواء تلك الحاصلة حكومياً او برلمانياً، وتجلى ذلك في لقاءات بعثة صندوق النقد الدولي مع المسؤولين اللبنانيين خلال الاسبوع الماضي. اذ ينقل مطّلعون على هذه اللقاءات أن «النواب لم يستطيعوا الرد على أسئلة البعثة حول كيفية رد الودائع، ولدى سؤالهم عن الطريقة كانوا يتلعثمون ويتأتئون ويقولون كلاماً لا علم فيه ولا منطق»، ما يعني أن هذه المنظومة لا تملك خطة واقعية لرد الودائع، في الوقت الذي تريد الاجهاز على الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد من دون أن تتكبد عناء دفنه حتى، او ايجاد بديل مقنع قابل للتنفيذ بلا مغامرات غير محسوبة.
في المربع الأول منذ 2020
في مقابل هذا الواقع المرير ثمة قاعدة لا يمكن للسياسيين والمصرفيين القفز فوقها مهما طالت فترة مماطلتهم، وهي أن لا تعافي من دون اصلاحات وأولها اصلاح القطاع المصرفي عبر هيكلته. وللتذكير فان المصارف (يبلغ عددها اكثر من 40 مصرفاً تجارياً) رفضت في 2020، التوزيع العادل للخسائر بين المساهمين في المصارف وكبار المودعين. وكان هذا الحل من شأنه أن يحمي 2.7 مليون مودع. وبدلاً من ذلك عرضت المصارف بيع الواجهة البحريّة والعقارات المملوكة للدولة واحتياطيات الذهب من مصرف لبنان، لأنها تعتبر الدولة المسؤول الاول عن تبدبد الودائع.
المعضلة الحقيقية التي لا يريد سياسيون ومصرفيون مقاربتها هي الاتفاق على استراتيجية التصحيح المالي والاعلان عنها، أي كيفية معالجة فجوة او خسائر قدرها 70 مليار دولار هي خسائر المصارف ومصرف لبنان بالدرجة الاولى. وهناك في مجلس النواب حالياً مشروع قانون لاعادة الانتظام المالي لا يريد النواب مناقشته بحجة انه يهدر حقوق مودعين، لكنهم لا يقدمون بديلا بل يماطلون ويراوغون ويبيعون المودعين اوهاماً. ويذكر ان مشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي صار في صياغته الاخيرة حكومياً، وسيلقى المصير عينه في مجلس النواب لانه يقوم على مبادئ متصلة جداً بمشروع قانون اعادة الانتظام المالي (معالجة الخسائر ورد ودائع) الذي يرفضه النواب.
وتؤكد مصادر واسعة الاطلاع ان معضلة توزيع الخسائر مستمرة منذ 3 سنوات ونصف السنة... ولا اتفاق حولها بعد. فالمصارف تقاوم اعادة الهيكلة وفق المعايير الدولية وتريد تحميل الدولة الخسائر. وفي المنظومة من هو مع المصارف ولا يقدم للمودعين الا وعوداً وهمية. فيما الصراع سيكون على أشده حول استخدام اصول الدولة لاطفاء الخسائر. اما صندوق النقد فيقف متفرجاً ومتأكداً من أن لا نية حقيقية للإصلاح في لبنان. فالمنطومة التي تعد برد الودائع لم تفعل شيئا امام تذويب 50 في المائة منها (بالدولار والليرة). كما تبدو حكومة ميقاتي غير مبالية فيما نواب يبالغون في النأي بأنفسهم عن الحلول المنطقية مفضلين الشعبويات. وحتى مع رئيس جديد وحكومة جديدة ستبقى المشكلة نفسها اذا استمر الانكار الكبير.
بناء على كل ما تقدم استطلعت «نداءالوطن» سياسيين ومصرفيين وباحثين حول كيفية اعادة هيكلة المصارف التي لا مفر منها، وكم عدد البنوك الذي يجب أن يبقى بعد أن تغيّر النموذج الاقتصادي اللبناني بفعل الازمة، وكيف يمكن اعادة الثقة بالقطاع، والاهم هو هل سيقاوم اللوبي السياسي- المصرفي شروط اعادة الهيكلة وكيف؟
الحاج: تحبيذ بقاء أقل عدد ممكن من المصارف المتمتعة بملاءة كافية للإنطلاق بطريقة صحيحة
يؤكد عضو كتلة الجمهورية القوية النائب رازي الحاج لـ»نداء الوطن» أن «المعضلة ليست في عدد المصارف التي ستبقى بعد اعادة هيكلة القطاع، بل أي نموذج اقتصادي سيتم اعتماده في لبنان، وما هي هويته الاقتصادية ومزاياه التفاضلية وكيف سيمول القطاع المصرفي الجديد؟»، معتبراً أنه «اذا تم وضع هذه المعايير يمكن عبرها معرفة حجم القطاع المصرفي الذي نحتاجه. ولكن في كل الاحوال لا يمكن تحديد عدد للمصارف، فهناك بلدان تتمتع باقتصاد كبير ولكن عدد مصارفها محدود، وهناك بلدان ذات اقتصاديات ناشئة ومتواضعة وتعاني من ركود وانكماش ولكن عدد المصارف التجارية فيها كبير جداً». يؤكد الحاج أن «عدد المصارف ليس معياراً لا لحجم الاقتصاد ولا للحاجة الفعلية، ولكن بالمبدأ كلما كان عدد المصارف أقل وكان عدد الزبائن أكبر من مودعين او مقترضين، كلما زادت ملاءتها وباتت لديها قدرة على احتواء أي صدمات نقدية ومالية. والتحبيذ هو لأقل عدد ممكن من المصارف لكي تتمكن من التمتع بالملاءة الكافية والانطلاق بطريقة صحيحة بعد الازمة التي حصلت».
أنا مع الدمج
يضيف:»شخصيا انا مع دمج المصارف في حال لم يتمكن بعضها من الاستمرار، أما الثقة المهزوزة بها فهي نتيجة عدم تطبيق القوانين وعدم وجود رادع للارتكابات التي حصلت بحق المودعين. العلاقة بين الطرفين هي بموجب عقد، وهذا التعاقد كان على اسس قانونية، وعدم قيام المصارف بواجباتها ودورها في ما خص المخاطر، أدى الى هز الثقة بينها وبين المودعين»، مشدداً على أن «هذه الثقة لكي تعود هي بحاجة الى دخول مصارف اجنبية بالشراكة مع المصارف المحلية التي ستستمر، لتأمين نوع من الاطمئنان بأن المصارف لديها مرجعية. وللاسف المرجعية في لبنان تحت وصاية وسلطة وهيبة او سطوة السلطة السياسية، وطالما أن الامور ستبقى على هذه الحال فان الثقة ستبقى مهزوزة».
يؤكد الحاج بأن «المصارف لديها مصلحة بعدم بقاء الامور على ما هي عليه، بمعنى ان المصلحة مشتركة بين المودعين واصحاب المصارف والمصرف المركزي لاعادة اطلاق الاقتصاد، لأن تعطيل الاقتصاد يعني ان المصارف التجارية لن تتمكن من جني الارباح، وان الاموال التي يمكن ان تعود للمودعين لن تتعدى 10 بالمئة من قيمة اجمالي الودائع التي يجب اعادتها»، مشيرا الى اهمية «اطلاق الاقتصاد ضمن خطة واضحة ومتكاملة وتحديد مسؤوليات كل طرف وحجم المسؤولية التي تقع على كل طرف لاعادة هذه الاموال، عندها يمكن القول للمودعين ان اطلاق الاقتصاد يمكن خلال عشر سنوات مثلا ان يوفر جزءاً من الودائع»، ويشير الى أنه «طالما اننا لا نزال ضمن الحلقة المفرغة ولم يتم اطلاق الاقتصاد ولم يتمكن القطاع المصرفي من تحقيق أرباح ولا نمو في البلد والجمود مستمر، فهذا يعني أن أموال المودعين بخطر أكبر، وان استنزاف ما تبقى من هذه الاموال مستمر ولو بوتيرة أقل بعد اتخاذ المركزي قراراً بعدم المس بالاحتياطي الالزامي».
نخوض معركة المودعين
يؤكد الحاج أن «الادبيات السياسية والاقتصادية والاخلاقية التي ننطلق منها ككتلة الجمهورية القوية، هي اننا سنخوض معركة استعادة حقوق المودعين بكاملها، وقانون اعادة الانتظام المالي يجب أن يكون عنوانه ليس كم سيتمكن المودعون من استرداد اموال من وديعتهم، بل عنوانه هو كل صاحب حق يجب أن يستعيد حقه حتى آخر قرش»، مشدداً على أن «هذا القانون يجب أن يتميز باطار واضح ومبادئ عامة لاعادة حقوق المودعين، مع الاخذ بالاعتبار بأن هناك ودائع استفادت من فوائد مرتفعة يمكن النظر فيها أو حسابات لا تستطيع تبرير مصادر اموالها، هذه الفئة يمكن وضع اطار خاص لها. ولكن اصحاب الودائع المعروفة المصدر، والذين تمت سرقتهم من خلال السياسة النقدية والمالية التي اتبعتها الدولة، يجب الدفاع عنهم حتى الرمق الاخير». ويرى أنه «لا يجب أن يقف اصحاب الحقوق في مواجهة بعضهم البعض، وهذه السياسة تتبعها السلطة وهي بارعة في ذلك، علما أنه يجب أن يتكاملوا لتحصيل حقوقهم. وبرأيي فان مصلحة المصارف والمودعين ان يتحاوروا، وعلى المصارف تحديد حجم مسؤوليتها عن الاموال التي يجب ردها ضمن فترة زمنية دقيقة ومنهجية»، لافتاً الى أنه «عندها يمكن للمودعين الاطمئنان بأن اموالهم معروفة المصير ولن تتبخر، ويمكن استعمال جزء منها حسب الحاجة الفعلية للمودعين، وهذه هي الطريقة التي تمكّن المصارف من اعادة اطلاق نفسها لاستقطاب أموال جديدة (عبر صناديق استثمارية مثلاً). اذاً، هناك ضرورة قصوى لاعادة اطلاق الاقتصاد وهذه واحدة من المعارك التي أخوضها شخصيا».
الدولة مسؤولة
لا يستبعد الحاج أن «يكون هناك نواب لديهم اجندات مع المصارف، لكن أتحدث ليس فقط من خلفيتي كنائب بل أيضا كخبير اقتصادي متابع للازمة منذ بدايتها، فان أي معالجة خاطئة للأزمة ستكون الخسائر التي سنتكبدها أكبر من حجم الخسائر التي حصلت خلال الازمة نفسها»، مشيراً الى أن «الاموال التي هدرت وهربت بعد 2019 قد يوازي حجمها الاموال التي خسرناها قبل ذلك، ولا مصلحة لأحد في أن يقف الى جانب طرف ضد الآخر. ومصلحة المصارف بأن تعترف بمسؤوليتها عن رد الودائع بحجم معين، ونحن نعرف ان الدولة تتحمل مسؤولية عن حجم الودائع ومنها 48 مليار دولار صرفتها على ماليتها العامة ( 25 ملياراً للكهرباء مثلاً)». ويختم:»الوضوح وتحمل المسؤولية يضع الحل على السكة الصحيحة».
رياشي: المهمة صعبة وطويلة ومعقدة لاستعادة ثقة المودعين والمستثمرين في المصارف
يقدم رئيس مجلس إدارة I&C Bank جان رياشي لـ»نداء الوطن» وجهة نظر مختلفة حول كيفية اعادة هيكلة المصارف، فيقول: «الموضوع يتعلق بقانون اعادة الانتظام المالي، لأن المعضلة الكبيرة في القطاع المصرفي هي موجودات المصارف في مصرف لبنان، وهذا يعني أن حجم الخسارة مرتبط في كيف سيعالج المشرع موضوع موجودات المصارف في مصرف لبنان، ولا يمكن تحديد عدد المصارف التي يمكن أن تستمر من دون ان نعرف كيفية حل هذه المعضلة».
المشكلة الأساس
يشدد رياشي على أن «النظام المصرفي يجب ان يعود انتظام العمل فيه كوسيلة ادخار ودفع واقراض للقطاعين العام والخاص. والاكيد أن الخطأ الكبير الذي حصل في الماضي هو في تشجيع المصارف على اقراض القطاع العام والدولة ومصرف لبنان لأغراض غير مفيدة للاقتصاد، بل لتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار»، آملا أن «لا يحصل خلط في المستقبل بين دور القطاع المصرفي كمحفز للقطاع الخاص، والى حد ما للقطاع العام (شرط أن يتم العمل على تقليص العجز في الموازنة الى ان يتم الاستغناء عن الاقتراض). واذا كان لا بد من اقتراض الدولة فيجب أن يتم ذلك عبر السوق بشكل حقيقي وليس صورياً كما كان يحصل»، اذ يشير الى أن «الدولة كانت تصدر اليوروبوندز ويتم شراء تلك السندات من قبل المصارف وكأن المودعين هم من يشترون السندات ويقرضون الدولة، والامر نفسه بالليرة اللبنانية. والاخطر هو أن المودعين كانوا يضعون دولاراتهم في مصارف وضعت دولاراتها في مصرف لبنان، ومنها كان يقوم البنك المركزي باقراض الدولة على المكشوف. وبالتالي الوضع كان غير سليم». يرى رياشي أن «هناك اشكالية كبيرة وهي أن حجم الاقتصاد اللبناني صغير. ومن الطبيعي اذا اردنا مصارف تملك امكانية الاستمرار والازدهار، فلا يجب أن يكون عددها كبيراً في السوق لأن المنافسة تكون أكبر والحصص أصغر ولا يمكن أن تستمر»، مشدداً على أن «عملية التخفيض لا يجب ان تكون استنسابية. وبالاطلاع على قانون اعادة هيكلة المصارف نصل الى النتيجة، بمعنى أنه بعد أن تحصل عملية اعادة الهيكلة، هناك ضخ أموال: اي طلب من المصارف ضخ أموال لتغطية الفجوة. ولهذا يجب اقناع المستثمرين بان يضعوا اموالا في المصارف، وهذا لن يحصل في حال كانت المصارف لا تملك القدرة على الاستمرار، وهذا الامر من تلقاء نفسه سيؤدي الى تقليص عددها».
ثقة المستثمرين والمودعين
يضيف: «يجب ان يتوفر نوعان من الناس يكون لديهم ثقة بالقطاع المصرفي: اولاً، المستثمرون الذين سيضخون أموالاً خاصة بهذه المصارف، وهؤلاء تبدأ استعادة ثقتهم بخلق مناخ سياسي ملائم واقتناعهم في أن هذا المصرف الذي يضعون أموالهم فيه، بعد اعادة الهيكلة، قابل للاستمرار»، لافتاً الى أنه «بعد التقييم الذي ستجريه الهيئات المختصة حول الملاءة، فان المصارف التي تريد الاستمرار وهناك عجز في ميزانياتها هي مجبورة على ضخ الاموال عن طريق مستثمرين يتم اقناعهم بأنهم سيربحون». و يرى أن «هذه الربحية ستأتي من مكونات المصرف الخاصة ومن المناخ العام في البلد اي الجو السياسي. ثانياً، يجب استعادة ثقة المودعين، فاليوم الثقة مفقودة لأن هناك تاريخاً سيئاً ولأنهم على علم بأن هذه المصارف مفلسة. وبعد اعادة الهيكلة والرسملة المصرفية فان هذا الخوف سيخف وستكون هناك ميزانيات ايجابية للمصارف، وهذا ما يساعد في اعادة الثقة من قبل المودعين». ويلفت الى أن»هناك عاملاً ثالثاً وهو العامل النفسي وسيستغرق وقتاً أكبر، لأن الناس تأذت كثيراً من الازمة وتحتاج الى وقت حتى تقتنع بأن الامور تغيرت نحو الاحسن، وهذا مرتبط بالعامل السياسي وحوكمة النظام المالي اللبناني (فعلى لجنة الرقابة ومصرف لبنان السهر على حفظ اموال المودعين وليس على مصالح المصارف) ويختم: «شخصياً لا ارى شيئاً يدعو للتفاؤل، فالجو العام سلبي جداً ولا حل في الافق، لكن تاريخ لبنان حافل بالتقلبات السريعة واتمنى ان تحصل تغييرات نحو الاحسن».
عطالله: إعلان إفلاس المصارف غير القادرة على الإستمرار... وفتح المجال أمام قيام مصارف جديدة
يعرض مدير»مبادرة سياسات الغد» سامي عطالله لـ»نداء الوطن» وجهة نظره في كيفية اعادة هيكلة القطاع المصرفي فيقول: «استعادة الثقة بالقطاع المصرفي تستلزم تنفيذ اصلاحات فيه وتوزيع الخسائر بشكل عادل مما يؤدي الى طمأنة اللبنانيين الى مصير أموالهم. لأن الجميع يريد قطاعاً مصرفياً قوياً يلعب دوراً أساسياً في الاقتصاد كونه العصب الاساسي في اقراض المبادرات والقطاع الخاص الذي يخلق فرص عمل»، لافتاً الى «أننا لا نريد اقتصاداً ريعياً على غرار الذي كان قبل الازمة يستفيد من هندسات مالية أو سندات خزينة كثيفة بفوائد عالية. واعتقد ان هذا الامر لم ولن يحصل لأن المنظومة السياسية والمصرفية رفضت القيام بهذه الخطوات الاصلاحية، ولذلك أعتقد أن الطرح المناسب هو اعلان افلاس المصارف غير القادرة على الاستمرار، وتتكفل الدولة بادارتها وفتح المجال امام دخول مصارف جديدة على قاعدة ومعايير جديدة».
كانوا يتربّحون كثيراً
ويشدد على أن «عدد المصارف لا يجب أن يكون كما كان قبل الازمة، والذي وصل الى نحو 70 مصرفاً ما يدل على الارباح التي كان يحققها القطاع المصرفي لا سيما من خلال اقراض الدولة. وصلب الموضوع، هو ان هناك اكثر من لوبي لا يريد تنفيذ الاصلاحات في القطاع المصرفي، لأن من يعرقلون تنفيذ الاصلاحات من السياسيين، لهم مصالح في القطاع المصرفي، وبالتالي هم في خندق واحد وليسوا متعارضين في المصالح، وعلاقتهم وطيدة جداً». ويعطي عطالله مثلا أن «الرئيس ميقاتي يملك حصصاً في مصرف معين والرئيس الحريري لديه حصص ايضا، بالاضافة الى سياسيين آخرين لديهم حصص ويقرضون الدولة. فمن جهة هم يلعبون دور المسيطر على الدولة ومن جهة اخرى يؤثرون على سياسات مصرف لبنان والمصارف. وبالتالي علاقة المصارف بالدولة هي علاقة وطيدة، وبالتأكيد لا يريدون الاصلاح المصرفي بالرغم مما يعلنونه بأنهم ضد الفساد»، معبّراً عن اعتقاده ان «مجلس النواب حارب حصول الاصلاح، والدليل ما قامت به لجنة تقصي الحقائق (النيابية) التي تشكلت في العام 2020 واجهضت خطة لازار، فضلاً عن صدور اوراق تنص على ان الدولة يجب أن تبيع املاكها او استثمارها لاعادة اموال المودعين، وذلك بهدف عدم المس بمصالح المصارف والمصرفيين».
حزب أو لوبي
ويؤكد أنه بعد 4 سنوات من الازمة ربح هذا الحزب أو اللوبي، وتمّ تحميل كل الخسائر للمودعين من دون ان تمس مصالح ذلك اللوبي، لا بل حصل على الارباح من خلال اجراءات مثل صيرفة وسياسات الدعم».
ويختم: «المشكلة الاساسية هي أنه لا يتم التركيز على من يقف وراء عدم حصول الاصلاح، اي اللوبي السياسي- المصرفي».
غبريل: المادة 113 من قانون النقد والتسليف تقضي بتحمّل الدولة خسارات مصرف لبنان
ينطلق رئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس والخبير الاقتصادي نسيب غبريل في مقاربته لاعادة هيكلة المصارف، من زاوية تحميل الدولة المسؤولية، ويقول لـ»نداء الوطن»:»لا يمكن الحديث عن تحديد عدد المصارف الذي يجب أن يبقى بعد اعادة هيكلة القطاع المصرفي بشكل مطلق، خصوصاً أن عدد المصارف كان يعكس قبل الازمة في لبنان حجم الاقتصاد وحركته والانتاج والاستهلاك والاستيراد والتصدير. وبعد الازمة من المفروض أن يعكس حجم القطاع المصرفي حجم كل هذه المعطيات الاقتصادية، وليس عملية الهيكلة بل الحركة الاقتصادية ككل وتدفق رؤوس الاموال والطلب على الخدمات المصرفية».
تحديد العدد مشبوه
يضيف: «تحديد اعداد المصارف التي يجب أن تبقى بعد الهيكلة مضلل برأيي ولا ينفع، وكأن هناك منحى لتحجيم القطاع المصرفي بغض النظر عن اصلاحات او اعادة رسملة ومواضيع تقنية اخرى مطلوبة. صحيح ان هناك ازمة ثقة بين المودع والمصارف. ولكن من الوهم اعتبارها انها مقتصرة على الطرفين، بل هي أوسع من ذلك وجاءت نتيجة عدم تطبيق الدستور والقوانين وعدم احترام فصل السلطات وعدم تحقيق هدف استقلالية القضاء ودعم قدراته، وعدم مكافحة التهرب الضريبي وعدم تفعيل الجباية ومحاربة التهريب والتهرب الجمركي على الحدود وبالاتجاهين»، مؤكداً أنها «مشكلة حوكمة وادارة رشيدة وسوء ادارة القطاع العام ولا سيما المؤسسات ذات الطابع التجاري، كل هذه العناصر أدت الى ازمة الثقة. وليست أموراً تقنية لها علاقة بالاقتصاد كما يحاول البعض الترويج، فحتى لو تمت اعادة الهيكلة للقطاع المصرفي وكل مكونات القطاع الخاص في لبنان، لن تعود الثقة اذا لم يحصل تطبيق للقوانين والتزام بالمهل الدستورية واحترام الدستور، والترويج لجانب واحد يحجب الصورة الاكبر».
لا يسألون عن رأينا
يضيف: «هناك مشاريع قوانين موجودة في مجلس النواب مثل مشروع قانون الكابيتال كونترول واعادة التوازن للقطاع المالي، ومشروع قانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي لم يصل بعد الى مجلس النواب، وأقرار هذه القوانين كلها هو من يقرر من سيبقى في السوق من مصارف ويرسم كيفية استعادة الثقة بالقطاع»، مشدداً على أنه «في حال تم سؤال القطاع المصرفي عن رأيه في هذه الملفات سيصل الجواب، لكن لا احد يقف عند رأيه على ما أعتقد. ومن المفروض عندما تبدأ دراسة مشاريع القوانين، أن تأخذ اللجان النيابية برأي جمعية المصارف وجميع المعنيين، ولا يمكن اقرار قوانين لا تعكس الواقع وحاجات القطاع المصرفي، فان كفة حقوق المودعين والمصارف في جهة واحدة وهذا أمر واضح. وما يجب مواجهته هو اللامبالاة والمماطلة والتعطيل التي تمارسها السلطة السياسية». يشدد غبريل على أن «المادة 113 من قانون النقد والتسليف واضحة لجهة أنها تنص على أنه في حال كانت هناك خسائر في مصرف لبنان ولا يملك الاحتياطي المطلوب، على خزينة الدولة تغطية هذه الخسائر. بمعنى أن الدولة هي المسؤولة عن خسائر مصرف لبنان، والكلام عن مواجهة بين المودعين والمصارف حلّه في هذه المادة. وجمعية المصارف أعلنت رسميا عدم موافقتها على خطة شطب 60 مليار دولار ودائع، كما أن الجمعية قدمت طعناً امام مجلس الشورى حول هذا الموضوع».
ما مصير الودائع؟
ويرى أن «النقطة الحساسة في اعادة الهيكلة هو مصير الودائع، وصندوق النقد اعترف في تقريره الصادر في حزيران الماضي أن لا قابلية سياسية في مجلس النواب لاقرار مشروع قانون يؤدي الى شطب 60 مليار دولار، وأن الحكومة لم تستطع اقناع الرأي العام والمودعين بهذا الموضوع بناء على نقطة اساسية هي ان هناك خسائر في مصرف لبنان توازي 70 مليار دولار. فاذا تم تفعيل وتحسين الادارات العامة ذات الطابع الانتاجي، فالفجوة ستتقلص نتيجة استخدام جزء من ايرادات هذه المؤسسات للتعويض على المودعين».
ويختم: «هذا احد الحلول، واتمنى ان يأخذه مجلس النواب بالاعتبار عند البدء بدراسة هذه القوانين، لانه لا يجب تحميل المودعين كلفة الهيكلة او الازمة واقتراض الدولة وهدر الاموال».