رواد مسلم

ما هدف الهجوم الأوكراني المفاجئ جنوب باخموت؟

20 أيلول 2023

02 : 00

أطلقت أوكرانيا هجومها المضاد في حزيران الماضي على 3 محاور ضمن جبهة يبلغ طولها 965 كلم، لاستعادة الأراضي التي احتلّتها القوات الروسية منذ بدء «العملية الخاصة» في شباط 2022، كما لاستعادة شبه جزيرة القرم المحتلّة منذ 2014، ويعتبر محور أوريخيف في اتجاه روبوتين وصولاً إلى ميليتوبول وشاطئ بحر آزوف في زابوريجيا، أهمّ المحاور التي ركّزت عليها الاستراتيجية الأوكرانية لقطع خطّ الإمدادات الممتدّ من مدينة روستوف الروسية حتى شبه جزيرة القرم مروراً بمدينة ميليتوبول. وقد تمكّنت القوات الأوكرانية من خرق خطّ الدفاع الروسي الأوّل الأكثر تحصيناً في روبوتين منذ أسبوعين، لتتقدّم ببطء شديد بعده في مواجهة خط الدفاع الثاني قبل الوصول إلى ميليتوبول الاستراتيجية.

هذا الخرق أجبر الجيش الروسي على استقدام تعزيزات هائلة من احتياطاته في الجبهات الأخرى، إذ يعتبر أن الخطر في زابوريجيا يُهدّد شبه جزيرة القرم التي لن يتنازل عنها بوتين باعتبارها منطقة روسية استراتيجية في البحر الأسود وورقة ضغط على أوكرانيا وعلى كلّ الدول المتشاطئة على البحر الأسود، كما على التجارة العالمية. والمواجهة في خط الدفاع الثاني هي تصادمية لا ترتكز على الحواجز، بل على الدبابات التي يعتبر ميزان القوى فيها لصالح الجيش الروسي إذا تأكدت صحّة الإعلان الروسي عن تدمير مستودعات ذخائر الدبابات الخارقة للدروع التي تحتوي على اليورانيوم المنضّب من عيار 120 ملم التي ستستخدمها دبابات «أبرامز» الأميركية بعد وصولها قريباً.

يبدو أنّ الجيش الأوكراني يريد تخفيف الحقن الروسي في زابوريجيا، وإعادة توزيع الاحتياطات الروسية على جبهات عدّة، وهذا ما يُبرّر الهجوم المضاد جنوب مدينة باخموت غير الاستراتيجية، واسترجاع مدينة كليشتشييفكا (3 كلم جنوب باخموت) بعد يومين من تحرير مدينة أندرييفكا، حيث أدّت الحرب النفسية والإعلامية دوراً بارزاً لتغطية العزم الأوكراني وسرعة استرجاع المناطق (4 كلم خلال يومين) بعد نشر اللواء الثالث الأوكراني فيديو لعمليات التمشيط في أندرييفكا والتقدّم نحو كوردوميفكا على المحور ذاته في اتجاه مدينة باخموت التي اكتسبت أهمية معنوية عند الطرفين بعد قتال مستميت بين الجيش الأوكراني وقوات «فاغنر» دام أكثر من 9 شهور.

تكتسب استعادة قريتي أندرييفكا وكليشتشييفكا اللتين تقعان على خط دفاع الجيش الروسي جنوب باخموت، أهمية عسكرية تكتية كونهما جغرافياً أعلى من باخموت، أي يُمكن اعتمادهما كنقاط مراقبة مدفعية، السلاح الأساسي في الحرب ضدّ المدن، كما أنهما مشرفتان على خطّ المواصلات الجنوبي لمدينة باخموت، ما سيؤدّي إلى صعوبة الإمدادات إلى داخل المدينة. والميزة الأهمّ هي أنّ حماية القوات البرية التي ستنطلق قريباً لإحاطة المدينة أصبحت مضمونة بفضل نقاط المراقبة على تلال المدينتَين، وهذا سيُقدّم زخماً أسرع لحصار المدينة جنوباً والالتفاف عليها بالتزامن مع التقدّم الأوكراني شمال المدينة في منطقة روسدوليفكا (13 كلم شمال شرق باخموت).

تتعرّض روسيا لضغوط شديدة وتضطرّ إلى إعادة نشر قوات النخبة لديها، فعلى الرغم من إبقاء مجموعة من اللواءين 71 و83 المشاة المجوقلة واللواء 72 المدرّع المؤلّل في منطقة باخموت ومحيطها، إلّا أنّ هناك الآن أدلّة حسب مركز دراسات الحرب الأميركية على أنّ موسكو مجبرة على نقل عناصر من وحدات النخبة من زابوريجيا لمواجهة التقدّم الأوكراني في هذا القطاع، بعد نقلها منذ أسبوع من باخموت إلى زابوريجيا لصدّ التقدّم الأوكراني هناك.

يُحاول الجيش الأوكراني إرباك القيادة العسكرية الروسية من خلال عمليات الخداع العسكري عبر فتح جبهات خداعية في مناطق متباعدة، فاستعادة مدينة باخموت ستكون صعبة جدّاً وطويلة وستتحوّل إلى حرب استنزاف كما حصل مع «فاغنر»، من دون أن يُقدّم تحريرها أي ميزة عسكرية يُمكن البناء عليها لاستعادة المناطق الأخرى. أمّا الأهمّ بالنسبة إلى الاستراتيجية الأوكرانية، فهو تشتيت الدفاعات الروسية وتوزيعها بشكل سريع قبل حلول فصل الشتاء الذي سيُعيق تقدّمها في الأراضي الموحلة جنوب زابوريجيا الاستراتيجية.

التقدّم الأوكراني بطيء في الجبهة المهمّة جنوباً، لكنّه واعد في حالة إرباك الجيش الروسي بشكل دائم والهجوم المفاجئ على جبهات عدّة، كما حصل جنوب باخموت. ليس غريباً أن يُطلق الجيش الأوكراني هجوماً مفاجئاً آخر في مناطق أخرى مثل ليمان، حيث سحبت منها قوات روسية لتقوية الدفاعات في زابوريجيا، فهذا سيؤدّي إلى سهولة الهجوم المضاد في توكماك وصولاً إلى ميليتوبول، حيث التركيز الاستراتيجي الأوكراني والغربي، بانتظار التقديمات الغربية من الأسلحة لحماية القوات البرية الكاملة من الهجمات الجوية والصاروخية.


MISS 3