إليزابيت برو

بيع السفن إلى روسيا... أرباح طائلة لليونان

21 أيلول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

ناقلة النفط Lana R الروسية قبالة شاطئ كاريستوس في جزيرة إيفيا | اليونان، 29 أيار 2022

منذ بدء الغزو الروسي ضد أوكرانيا، تابع قطاع الشحن الضخم في اليونان كسب أموال طائلة عبر شحن النفط الروسي. لكن اكتشف أصحاب السفن اليونانية مصدراً أكثر ربحاً للعائدات على ما يبدو، فراحوا يبيعون السفن بحدّ ذاتها إلى عملاء غامضين على صلة بروسيا. يتطرّق أحد المنشورات إلى «بيع الناقلات اليونانية العظيمة»، ولا يبدو أي سعر باهظاً أكثر من اللزوم لدرجة أن يمنع اقتناء ناقلة مستعملة. لكن بدأت السفن اليونانية السابقة تصبح جزءاً من اقتصاد الظلّ.



 لا تدير الشركات اليونانية قطاعات كثيرة من الاقتصاد المعولم، لكنها تسيطر حتماً على قطاع الشحن. في السنة الماضية، أصبح البلد مجدّداً أكبر مالك للسفن في العالم من حيث الحمولة الساكنة. ثم أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا، وكثّفت الحكومات الغربية عقوباتها على البلد. لم يحبّذ أصحاب السفن اليونانية ما حصل، فصرّح رجل الأعمال اليوناني الشهير في قطاع الشحن، جورج بروكوبيو، خلال حدث بحري في حزيران الماضي: «لم تنجح العقوبات يوماً».

لكن تبقى العقوبات أكثر فاعلية من عدم تحريك أي ساكن. في شهر كانون الأول الماضي، حدّدت دول مجموعة السبع، والاتحاد الأوروبي، وأستراليا، سقفاً للأسعار لمنع الشركات الناشطة في الدول الخاضعة للعقوبات من متابعة التجارة أو شحن النفط الروسي الخام عبر البحر مقابل أسعار تفوق الستين دولاراً لكل برميل. بقي الطلب على النفط قوياً، لكن خضعت الناقلات المملوكة للروس (كانت تشحن كميات كبيرة من النفط) للعقوبات ووجدت صعوبة في نقل الإمدادات، فهبّ أصحاب السفن اليونانية لإنقاذ الوضع.

يقول كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، روبين بروكس، إن السفن اليونانية تشكّل اليوم حوالى 50% من عدد الناقلات التي تخرج من الموانئ الروسية، علماً أن هذه النسبة كانت تقتصر على 33% قبل بدء الغزو الروسي. يُسمَح للشركات الناشطة في البلدان التي فرضت سقفاً لأسعار النفط الروسي بشحن النفط إذا كان سعره أقل من ذلك السقف. في موانئ روسيا في بحر البلطيق والبحر الأسود، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن سبع شركات يونانية شحنت النفط الروسي بكميات تتفوّق على شركة «سوفكوم فلوت» المملوكة للدولة الروسية بنسبة 50%.

لكن استنتجت شركات شحن يونانية كثيرة الآن أنها تستطيع جني أرباح متزايدة عبر بيع السفن. بدأت المبيعات ترتفع بدرجة استثنائية في شباط 2022، وتذكر منصة «تريد ويندز» أن الطلب زاد على «الناقلات عموماً، وأقدم الناقلات في أنحاء العالم خصوصاً، لا سيما في المناطق غير المثقلة بالعقوبات المفروضة على روسيا». خلال 12 شهراً منذ ذلك الحين، باع أصحاب السفن اليونانيون حوالى 125 ناقلة للسفن والنفط الخام مقابل 4 مليارات دولار. وفي شهر حزيران الماضي، ذكرت وكالة «أخبار الشحن الهيلينية» أن الشركات اليونانية باعت 97 ناقلة حتى هذه المرحلة من السنة، أي ما يساوي 25% من المجموع العالمي.

هذه التطوّرات تجعل اليونان في المرتبة الأولى، تليها الصين في المرتبة الثانية. وفق أرقام حصرية من موقع «فيسيلز فاليو» المتخصّص بتعقّب مبيعات السفن، باعت الشركات اليونانية 290 سفينة منذ بداية الحرب. تحتلّ الشركات الصينية المرتبة الثانية ويصل عدد السفن التي باعتها إلى 221. باعت الشركات الروسية من جهتها 57 سفينة، لكن يقتصر معظم عملائها على شركات روسية أخرى أو عملاء مجهولين.

في العام 2022، تضاعف عدد ناقلات «سويس ماكس» التي تغيّرت هوية مالكيها مقارنةً بالعام 2021، فبلغ 103. في غضون ذلك، زادت مبيعات «أفراماكس» بنسبة 30% وبلغ عددها 121. (تحتل ناقلات «سويس ماكس» و»أفراماكس» المرتبتين الثالثة والرابعة على قائمة أكبر ناقلات النفط الخام على التوالي). برأي مدير تنفيذي في إحدى شركات الشحن، تُعتبر هذه الأنواع من السفن مناسبة لنقل الشحنات الروسية لأن الموانئ في روسيا لا تستطيع جميعها استضافة سفن أكبر حجماً».

تشمل مبيعات ما بعد الغزو ناقلة «سيتراست» من نوع «أفراماكس»، فقد باعتها الشركة اليونانية «ثيناماريس» مقابل 35 مليون دولار، وهو سعر أعلى بثلاثة أضعاف من الثمن الذي دفعته الشركة لشرائها قبل ثماني سنوات. كذلك، باعت شركة «كيكلاديس ماريتيم» اليونانية ناقلة ضخمة للنفط الخام مقابل 62 مليون دولار، أي ما يساوي حوالى ضعف ما دفعته لشرائها. باعت شركة يونانية أخرى أربع حاملات قديمة للنفط الخام مقابل 140 مليون دولار، ما دفع أحد مديري الشحن إلى اعتبار ما يحصل في سوق الناقلات غير مسبوق.

رغم الوضع الإيجابي بالنسبة إلى الباعة، لم يتمّ الإعلان عن هوية العملاء الأسخياء في معظم الحالات. تبقى هوية العملاء الذين يسارعون الآن إلى دفع قسط من سعر الناقلات المستعملة غامضة عمداً. اشترت الشركات الناشطة في الإمارات العربية المتحدة أكبر عدد من الناقلات اليونانية، يليها عملاء من الصين، وتركيا، والهند. وتذكر تقارير «ستاندرد آند بورز» عن السوق العالمية أن العام 2022 شهد تأسيس 864 شركة بحرية على صلة بروسيا. تعقّبت الباحثة كاثرين كامبيرغ وجهة أكثر من 24 سفينة يونانية سابقة وصلت إلى عملاء جدد تبقى هويّتهم سرية لدرجة أن يفتقروا إلى عنوان بريد.

لم تكن الإمارات العربية المتّحدة معقلاً للملاحة البحرية العالمية يوماً، لكنّ دورها البارز في شراء الناقلات ليس مفاجئاً. منذ بدء الغزو الروسي ضد أوكرانيا، طرحت دبي نفسها كـ»جنيف الجديدة»، ما يعني أنها أصبحت عاصمة الشركات التي تشحن النفط الروسي. زادت الصين بدورها حجم واردات النفط الروسي منذ بدء الغزو، وانضمّت هونغ كونغ إلى الإمارات كمعقل جديد لتجارة النفط. وزادت تركيا أيضاً واردات النفط الروسي، وأصبحت الشركة التركية «بيكس» لإدارة السفن والتجارة من عملاء شركات الناقلات اليونانية المعروفين. في الأسابيع الأخيرة، ذكر موقع MarineTraffic.com أن الناقلات اليونانية التي اشترتها هذه الشركة حديثاً بدأت تتنقل من وإلى موانئ مثل فيسوتسك، وقوقاز، ونوفوروسيسك في روسيا، وأرزيو في الجزائر، وتوزلا في تركيا.

على صعيد آخر، زادت الهند واردات النفط الروسية بدرجة هائلة، فاستضاف البلد شركة إدارة السفن «غاتيك» التي أصبحت واحدة من الشركات الناشطة فجأةً، وهي تقوم راهناً بعمليات ضخمة على صلة بالنفط الروسي. في السنة الماضية، أطلقت الشركة حملة مكثّفة لشراء عدد كبير من السفن المستعملة، فاقتنت خمس سفن من نوع «سويس ماكس» و16 من نوع «أفراماكس»، بالإضافة إلى عدد من الناقلات الأصغر حجماً للوقود المكرّر وناقلة ضخمة واحدة للنفط الخام. في المحصّلة، اشترت «غاتيك» 60 سفينة منذ بداية الحرب، منها سفينة «سويس ماكس» مقابل 42 مليون دولار، وسفينة «أفراماكس» مقابل 39.5 مليون دولار، كما أنها دفعت 30 مليون دولار مقابل كل واحدة من 19 سفينة أخرى على الأقل. لكن ذكرت صحيفة «إكسبرس» الهندية في الشهر الماضي أن شركة «غاتيك» نقلت سفنها إلى «شبكة من الشركات ذات الصلة» منذ أواخر الربيع. أراد المساهمون في الشركة أن يصعّبوا تعقّب العملية كلها ويحافظوا على غموض هذه النشاطات. تعقّبت كامبيرغ جزءاً من تلك السفن إلى حين وصولها إلى أصحابها الجدد، لكن يقتصر الدليل الوحيد بشأنهم على اسم مبهم.

من الواضح أن استمرار الغموض هو هدف مقصود. بما أن روسيا بدأت تخرج تدريجياً من الاقتصاد العالمي الرسمي، ما يعني منعها من الوصول إلى خدمات تتراوح بين الرساميل والتأمين، لم يعد شحن نفطها المربح مباشراً بقدر ما كان عليه. بدأت الناقلات اليونانية السابقة تنضمّ إلى أسطول غامض من السفن المستعملة التي تنقل السلع أصلاً من وإلى روسيا بموجب شروط تأمين مبهمة وغالباً ما تستعمل مناورات غامضة لمنع تعقّبها.

لكن ما الذي سيحدث إذا حصل تسرّب في واحدة من هذه الناقلات، أو إذا اصطدمت بسفينة أخرى، أو أصيب أعضاء الطاقم؟ لا مفرّ من وقوع هذا النوع من الحوادث. في شهر أيار، احترقت ناقلة نفط قديمة قبالة ساحل ماليزيا، فأصيب عدد من طاقم السفينة ولم يُعرَف مصير ثلاثة منهم. كانت تلك الناقلة مُلكاً لشركة لا تملك ناقلات أخرى في جزر مارشال ولا تستفيد من خدمات التأمين. وفي الشهر الماضي، اختفى بحّار وهو على متن ناقلة تابعة لأسطول غامض كان ينقل النفط الروسي إلى الهند. لم يتحمّل أحد مسؤولية البحث عنه.

ربّما قام أصحاب السفن اليونانية بالدور المطلوب منهم لإرساء السلام في أوكرانيا عبر الحدّ من صادرات النفط الروسية، لكنهم كسبوا أموالاً طائلة من النفط ومن مبيعات السفن في الفترة الأخيرة. هذه العمليات لا تخالف القانون، لكنّ كبار رجال الأعمال في هذا القطاع يزيدون المخاطر التي يتعرّض لها البحّارة، والمحيطات، والحيوانات البحرية، ولا ننسى أوكرانيا طبعاً. إنها مأساة يونانية بكل معنى الكلمة.


MISS 3