بشارة شربل

الأذريون والصهاينة ما الفرق؟

22 أيلول 2023

02 : 00

تكفي متابعة نشرة الطقس في تلفزيون أذربيجان لترى حجم أطماع هذه الدولة التي يحكمها ديكتاتور. فهي لا تكتفي بوضع كاراباخ (آرتساخ) التي اجتاحتها ضمنَ الأراضي الأذرية، بل تضع يريفان أيضاً.

تدفع أرمينيا ثمن موقعها الجغرافي السياسي اليوم إذلالاً واستسلاماً غير مشروط وتخلياً عن أراضٍ سكانُها أرمن، وتاريخها الأرمني تشهد عليه آثارها التي تعود الى أكثر من ألفي عام.

ليست النزاعات الجغرافية والقومية والطائفية في العالم مقتصرة على أرمينيا وأذربيجان، لكن لم يسبق لشعب أن دفع الثمن إبادة جماعية لمليون ونصف مليون مواطن قبل أكثر من مئة عام، فيما أحفاد أتاتورك يشجعون المعتدي الجديد على ارتكاب جرائم من النوعية ذاتها، كون الإنكار كان وسيلة الإفلات من العقاب والحساب، ولأنّ العالم يعيش في غابة من المصالح لا علاقة لها بالأخلاق وحقوق الإنسان.

رغم المرارة والشعور الفادح بالخسارة أمام العدوان الأذري الموصوف، فأفضل قرار اتخذته يريفان وبعدها سلطات الحكم الذاتي في كاراباخ، هو عدم مواجهة الاجتياح. وتلك شجاعة لأنّ قرار المقاومة في معركة محسومة النتائج هو انتحار لن يسهم في إثبات الحق مهما كتب بطولات «مكلّلة بالغار» أو سجّل «ملاحم» لطاحونة الزمن في هذا الشرق.

كأن التاريخ يعيد نفسه. أقرب نموذج شبيه هو احتلال الصهاينة لفلسطين وطرد أهلها وسط تواطؤ دولي شامل وتخلٍ مفضوح عن أصحاب الحق. واللافت طبعاً أنّ بنيامين نتنياهو ينسج تعاوناً عسكرياً واستخبارياً عميقاً مع الهام علييف، والأميركيون يرعون مصالحهم النفطية مع باكو بأشفار العيون، فيما روسيا بوتين المتورطة بحرب أفقدتها هيبتها في اوكرانيا، والتي كانت متولية الفصل بين المتقاتلين في الاقليم المغدور تدعو الى «الحوار» بعد أن «سبق السيف العذل».

تُرك الأرمن لمصيرهم. الجغرافيا قاتلة وأحقاد الماضي تكمن ولا تختفي. يمكن القول إنهم لم يحسنوا قراءة التحولات الدولية والاقليمية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، أو بالأحرى لم يجيدوا اللعب على حبالها. قاموا بعد تفكك الاتحاد بمحاولة تصحيح إحدى ارتكابات جوزف ستالين الذي منح الإقليم لأذربيجان قبل مئة عام، فدخل الطرفان في نزاع مستمر منذ ثلاثة عقود كلّف آلاف القتلى والمهجرين، ضحايا وشهداء ورؤوساً مقطوعة الآذان على النمط الأذري المعتاد. نزعتُهم الى الاستقلالية والتوجه غرباً عرَّتهم من حليف «بلطجي» موثوق، وضعفُ مقدّراتهم ومواردهم حال دون اعتبارهم حاجة ماسة لأي توازن اقليمي. هكذا ثبت، ويا للأسف شِعر لافونتين الخالد أن «منطق الأقوى هو الأفضل»، وكذلك القول الرائج «إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب».

كلمة أخيرة ولو على طرف السياق، موجّهة تحديداً الى حزب الأكثرية الأرمنية في لبنان، أي الطاشناق: تحالفتم منذ ثلاثين عاماً مع المحور الايراني وأتباعه. أعملتم خناجركم في ظهر السياديين عبر كتلتكم الانتخابية الصماء. كان مبرركم أنكم في خياركم تراهنون على حماية طهران لأرمينيا في مواجهة باكو. خذلتكم الجمهورية الاسلامية في حرب 2020 التي أسفرت عن حصار الاقليم معلنة تأييدها أذربيجان، فتابعتم سياستكم الخاطئة. وعدَت ايران بالتدخل العسكري لحماية أبناء شعبكم قبل أيام، فلم تحرك ساكناً. لا تزالون تكذبون على شعبكم وتتسببون بالضرر لقضيتكم وقضية السيادة في لبنان.


MISS 3