رواد مسلم

هكذا ينجح الجيش الأوكراني في استراتيجيّته الجديدة

23 أيلول 2023

02 : 01

يعوّل الجيش الروسي على فصل الشتاء ليُبعد خطر الهجوم البرّي الأوكراني (أ ف ب)

بعد وصف الهجوم الأوكراني المضاد بالبطيء ووصوله إلى حدّ التعثّر، تمكّنت القوات الأوكرانية من تفعيل استراتيجية عسكرية جديدة أكثر فعالية، بمساعدة الخبرات الغربية من دول حلف شمال الأطلسي، يتبيّن بعد حوالى 20 يوماً من بدء تنفيذها أنّها تقوم على تقسيم الجبهة التي يبلغ طولها 965 كلم إلى ثلاثة محاور. الأوّل في زابوريجيا حيث تمكّن الجيش الأوكراني من اختراق الدفاعات الروسية في منطقة فيربوف التي تبعد حوالى 60 كلم عن ميليتوبول وبيرديانسك. ويعتبر محور زابوريجيا أساسي، وهدفه قطع خطّ الإمدادات اللوجستية الممتدّ من مدينة روستوف الروسية حتى شبه جزيرة القرم مروراً بمدينة ميليتوبول، والوصول إلى شاطئ بحر آزوف، ما سيؤدّي إلى فصل القوات الروسية إلى قسمين وعزل شبه جزيرة القرم الاستراتيجية المحتلّة منذ 2014.

المحور الثاني في باخموت، الذي يعتبر خداعيّاً يخدم المحور الرئيسي في زابوريجيا، فمن المؤكّد أنّ استرجاع هذه المدينة لن يقلب المعركة لصالح الجيش الأوكراني وليس لها أهمية تكتية أو استراتيجية، إلّا أنّ الإهتمام الأوكراني هناك يهدف إلى توزيع القدرات الدفاعية الروسية وعدم تركيزها جنوباً، فضلاً عن وضعه المدافع عن كلّ منطقة محتلّة. لكنّ الجيش الروسي لا يُمكنه التسليم بأنّ هذه الجبهة خداعية وتركها بلا دفاعات قوية، لأنّه إذا لمس الجيش الأوكراني ضعفاً في جبهة باخموت فبالطبع سيُغيّر المحور الرئيسي من زابوريجيا إلى باخموت ليخترق الدفاعات الروسية بسرعة شرقاً نحو دونيتسك، ما يؤدي إلى إرباك القيادة العسكرية الروسية وحثّها على شنّ هجوم معاكس تأتي قدراته العسكرية من إحتياطات الجبهات الأخرى ومنها زابوريجيا، ما يُعطي فرصة أوكرانية أخرى للإختراق جنوباً.

والمحور الثالث في خيرسون ويهدف إلى تثبيت الجيش الروسي لمنع تقدّمه غرباً حيث سيُهدّد المرافئ التجارية الدولية الأوكرانية في أوديسا. وفي هذا المحور يُحاول الجيش الأوكراني إجبار القوات الروسية على إعادة التموضع في مناطق أخرى بعد التراجع شرقاً، وفي هذه المناطق يتمّ أيضاً إستنزاف المواقع العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم بالصواريخ والمسيّرات الجويّة والبحرية التي تنطلق غالباً من أوديسا، آخرها الهجوم على مطار ساكي العسكري غرب شبه جزيرة القرم بالطائرات المسيّرة، ما أدّى إلى تدمير 12 طائرة عسكرية روسية.

أمّا بالنسبة إلى الجيش الروسي الذي يُدافع عن المناطق التي احتلّها منذ العام الماضي، فيعمد إلى إطالة الحرب بهدف الإستنزاف. ويعوّل في هذه الفترة على فصل الشتاء ليُبعد خطر الهجوم البرّي الأوكراني بالمدرّعات في زابوريجيا، ويعتمد بشكل لافت على الحرب النفسية من خلال إثارة الرعب والخوف بين المدنيين بعد ضرب منشآت الطاقة ومحطات الوقود مع قرب حلول الشتاء، علماً أنّ هذه الاستراتيجية اعتمدتها موسكو في فصل الشتاء الماضي من أجل قطع الكهرباء والتدفئة عن السكان، فبعد أكثر من 6 أشهر، أعادت روسيا هجماتها على منشآت الطاقة المدنية، فضلاً عن الهجمات الصاروخية والمسيّرة البعيدة عن خطوط القتال في العمق الأوكراني، حيث التواجد المدني فقط.

اللافت هذا العام أنّ الجيش الأوكراني يعتمد على الردّ بالمثل، فبعد ساعات من ضرب روسيا منشآت الطاقة في كييف وتشيركاسي وريفني، ما تسبّب بقطع الكهرباء عن نحو 400 منطقة، تمّ تفجير منشأة طاقة في منطقة زاريشنسكي بمقاطعة تولا الروسية، ما أدّى إلى انقطاع الكهرباء عن أكثر من 5000 مواطن روسي. لتفادي هذه الهجمات الروسية، طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نظيره الأميركي جو بايدن بالحصول على قدرات دفاعية تؤمّن الحماية الكاملة للأجواء الأوكرانية، فكان الردّ الأميركي بزيادة كميات الأسلحة والذخائر ضمن أنظمة الدفاع الجوّي، من دون تقديم الصواريخ الباليستية بعيدة المدى MGM-140 ATACMS من شركة «لوكهيد مارتن» التي يُمكن إطلاقها من منظومات صواريخ حصلت عليها أوكرانيا سابقاً مثل «هيمارس أم 142» وراجمات «أم أل أر أس-أم 240» ذاتية الحركة التي يُمكنها حمل صاروخين من هذا النوع، والتي يُمكنها ضرب العمق الروسي والخطوط الخلفية للقوات المعادية.

يصل مدى صاروخ ATACMS إلى 300 كلم، أي أبعد من الصواريخ الموجّهة من ذات العيار «GMLRS» التي يصل مداها إلى 70 كلم، وأبعد من مدى صواريخ «سكالب» الفرنسية التي تطلق من الجوّ بواسطة المقاتلات حيث يصل مداها إلى 250 كلم، وأبعد من مدى الصاروخ «ستورم شادو» البريطاني. أمّا رأسه الحربي الأحادي فيزن 230 كلغ من المواد الشديدة التشظّي القادرة على تدمير الهياكل الخرسانية الثقيلة والمركبات والأفراد داخل دائرة قطرها المميت أكبر من 600 متر.

لعلّ هذه الصواريخ ستُساعد جهود الجيش الأوكراني في ردع ومنع أي هجمات صاروخية في العمق الأوكراني، لكن يُمكن أن يكون سبب عدم منح الولايات المتحدة أوكرانيا هذه الصواريخ في هذه الفترة سياسيّاً وعسكريّاً. فسياسياً، الإنتخابات الرئاسية الأميركية أصبحت قريبة وبايدن لا يريد التصعيد في وجه روسيا. أمّا عسكرياً، فمخزون الولايات المتحدة من هذه الصواريخ ليس كبيراً وتريد الحفاظ على مخزونها الإستراتيجي، وهي في طور تصنيع صاروخ جديد يُطلق من ذات المنظومات، لكنّه أكثر دقّة ومداه يصل إلى 600 كلم.

التقدّم البرّي الأوكراني في الجبهات يُمكن أن يصل إلى مرحلة الجمود قريباً مع تحوّل الأراضي إلى تربة موحلة، لينتقل القتال من المدرّعات إلى المدفعية والمسيّرات. وبالطبع لن يكون هناك تحرير سريع للأراضي الأوكرانية، إنّما حصول الجيش الأوكراني على مقاتلات «أف 16» وصواريخ بعيدة المدى، سيُضعف الجيش الروسي من خلال ضرب قواعده الخلفية الحسّاسة.


MISS 3