مجيد مطر

هل يقطر الملف الرئاسي من قطر؟

23 أيلول 2023

02 : 00

الوقت لم يعد يلعب لصالح الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي يسعى لترجمة المبادرة الفرنسية المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي. هذا ما خلُصت اليه الاستنتاجات الكثيرة بعد الموقف الذي عبّرت عنه مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف بكلام وجهته لمديرة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية آن غيغان جاء فيه: «يجب أن يكون هناك وقت محدد للمبادرة الفرنسية، ولا يمكن أن تستمر لفترة زمنية طويلة، وبالتالي، يجب تحديد الوقت أو اتخاذ إجراءات بحق المعرقلين».

موقف المسؤولة الأميركية فيه الكثير من السياسة والقليل من الدبلوماسية، وهو يشي بانقسام في موقف «اللجنة الخماسية» المكلفة مساعدة اللبنانيين على تحقيق التوافق لوضع حدٍّ للشغور الرئاسي المهدد للبنان كدولة وكيان، ما يضع الدور الفرنسي على محك التلاقي الأميركي، القطري، والسعودي حيال ضرورة الانتقال إلى بدائل أخرى. فالحديث عن اتخاذ إجراءات بحق المعرقلين يُحرج الفرنسيين على نحو كبير. فالدبلوماسية الفرنسية، لا تقدر، ولا تحبذ الحديث عن عقوبات، انطلاقاً من دورها التاريخي في لبنان، فضلاً عن مصالحها مع البعض في الداخل اللبناني.

من المنطقي القول إنّ لودريان لم يفشل في مبادرته، بيد أنّه في الوقت نفسه لم يحقق إلى الآن خرقاً جدياً يمكن أن يؤشر إلى حلحلة ما في الأفق اللبناني المسدود. هو مستمر في مبادرته مستنداً إلى تمسك «الثنائي»، بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وإن شكّل تلاقي الفرنسيين مع هذا الترشيح مصدر قوة لهم، إلا أنه يُفقد دورهم صفة الحياد كعنصر أساسي يجب أن يتوفر في كل وسيط بين أطراف متباعدة أو مختلفة في ما بينها.

صحيح أنّ أحداً، لا في الداخل او الخارج، قد أعلن صراحةً التخلي عن المسعى الفرنسي، وذلك يندرج في تسليم الجميع بعمق الانقسام اللبناني رئاسياً، ما يحتم الإبقاء على طرف يتواصل مع مختلف الأفرقاء في هذه المرحلة الضبابية، المفتوحة على التحولات الخارجية الإقليمية والدولية. إنّما في المقابل، بدأت مجموعة من الإشارات السياسية التي تؤكد أن المغزى السياسي للمبادرة الفرنسية هو الذي أصبح محل تساؤل لا الدور بحد ذاته.

وعليه فعدم مقبولية ذلك المغزى، المتمثّل بتبني ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية من جهة، وعدم توفر العدد اللازم من النواب لايصال أي من المرشحين المعلنين إلى سدة الرئاسة من جهة ثانية، سيدفع الأعضاء الآخرين في «اللجنة الخماسية» إلى إتاحة الفرصة أمام بديل عن الموفد الفرنسي، حيث استقر الجميع همساً أم ايحاءً على أن تكون دولة قطر هي المؤهلة لاستلام «العصا» من الفرنسيين في «سباق البدل» هذا.

من جهتها، أعلنت دولة قطر اهتماماً بالشأن اللبناني من على منبر الأمم المتحدة من خلال كلمة أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي أكدّ فيها على ضرورة إيجاد حل للفراغ الرئاسي نظراً للخطر المحدق بمؤسسات الدولة اللبنانية. ومضمون كلام الأمير تميم يدل على وعي شديد بالتفاصيل اللبنانية.

معروفٌ أنّ للدبلوماسية القطرية دينامية خاصة قد سلّم بها الكثيرون، تمكنها من بثّ بعض من التأثير، قد يحقق خرقاً عجز عنه الفرنسيون، كون هذه الإمارة الصغيرة قد استطاعت أن تلعب على الدوام دور الوسيط الإقليمي في أكثر من أزمة في المنطقة، ومرد ذلك يعود إلى قدرتها على صياغة علاقات مع لاعبين اقليميين ودوليين على خصومة وتناقض. أي أنّها تجمع الأضداد وتحقق التوافق على قضايا مختلف حولها.

وهي سبق لها أن رعت في الدوحة تسوية بين اللبنانيين نتيجة لأحداث 8 أيار الشهيرة التي أدخلت جبهة الممانعة في عنق الزجاجة، بعدما استحصلت من الإيرانيين على الموافقة المبدئية على صيغة الحل المطروح حينها، والذي عُرف لاحقاً بـ»اتفاق الدوحة» والذي انتج سلطة من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة إلى قانون الانتخاب.

تستند قطر إلى قبول غالبية الأطراف المؤثرة في الأزمة اللبنانية بدورها، كالسعودية وايران، فضلاً عن تبنيها شبه العلني لمرشح من خارج الاصطفاف السياسي، أما موقف الولايات المتحدة، فلَه صلة في اسباغ المقبولية الدائمة بالحضور القطري كوسيط إقليمي ناجح.

بعيداً عن النزعة التفاؤلية، يمكن لدولة قطر أن تقدم مبادرة جدية، استناداً إلى خبرتها اللبنانية، واستمطار حلٍّ في ظل هذا الاحتباس السياسي اللبناني المزمن.


MISS 3