جاد حداد

Netflix Corner

Spinning Man... نقاط ضعف كثيرة

15 أيار 2020

02 : 00

فيلم Spinning Man (رجل في دوامة) مقتبس من كتاب جورج هارار وتتمحور حبكته حول اختفاء فتاة مراهقة. تكتشف الشرطة عن طريق الصدفة أدلة توثّق لحظاتها الأخيرة في مدار أستاذ فلسفة في الجامعة، ما يجعله جزءاً أساسياً من التحقيق. يدّعي الأستاذ ألا علاقة له بالقضية، لكنه رجل غامض وشارد الذهن ويعجز عن تحديد أماكن وجوده بدقة. يزداد الوضع تعقيداً حين يتبيّن أنه قرر التعليم في تلك الجامعة لأنه أقام علاقة مع طالبة قبل بضع سنوات في "إيفانستون". بعد ظهور هذه المعلومات، تبدأ زوجته بالتشكيك بكل ما تعرفه.

أول مصدر توتر في الفيلم يتعلق بذاكرة الأستاذ الشائبة والضعيفة. قد يكون بريئاً فعلاً لكنّ الأدلة ونظراته الشاردة وغرابته تنقلب ضده. مع ذلك، يبدو لنا أنه مقتنع ببراءته مهما ضغطت عليه الشرطة أو زوجته. يسهل أن يصدّق المشاهدون جميع الاحتمالات، لذا يضطرون لمتابعة المشاهدة كي يكتشفوا الحقيقة، على أمل أن يتّضح الوضع في أسرع وقت.

يظهر أمامنا عنصر رمزي بارز في مرحلة مبكرة من القصة لكننا لا ندرك أهميته في البداية: يشمل منزل الأستاذ فأراً. يجرّب جميع أنواع الأفخاخ لالتقاطه، لكنه يفشل أو يواجه نتائج عكسية. سرعان ما يقع الفأر في الفخ بشكلٍ مفاجئ ويوضع في قفص ليصبح حيوان العائلة الأليف. يجسّد الفأر وضع الأستاذ الذي يواجه العوائق في طريقه طوال الوقت وينجح دوماً في تجنبها (ويسبّب أضراراً جانبية من وقتٍ لآخر)، لكنه يعود في النهاية إلى نقطة البداية فيركض على عجلته الرمزية ويفقد كلّ أمل بالهرب من وضعه الشائك. مهما حاول النضال للمضي قدماً، إلا أنه يعجز عن تجاوز أخطاء الماضي ولا يستطيع إحراز أي تقدم في حياته.





تطغى أجواء قاتمة على الفيلم كله وتشدد عليها مديرة التصوير بولي مورغان. تختار هي الأضواء الخافتة، حتى في المساحات الداخلية وفي الساعات الأخيرة من النهار، كما أنها تفضّل درجات الألوان البائسة والمائلة إلى الأخضر وتسلّط الضوء على الوجوه التي تحمل ظلالاً باردة وداكنة. في ظل هذه الأجواء، يسهل أن نفهم الحالة النفسية القاتمة التي يعيشها الأستاذ ومدى تدهور وضعه العائلي. يحرص المخرج سايمون كيجسر، الذي تولى المونتاج أيضاً، على نقل هذه الأجواء الغامضة عبر تقطيع المشاهد بطريقة استراتيجية وتصوير لقطات باردة، فنستوعب الوقائع تدريجاً لكن من دون أن نتمسك بما نعرفه لفترة طويلة. نتيجةً لذلك، تتخذ القصة منحىً بطيئاً وغامضاً مع بُعد نفسي بارز.

لكن تبرز مجموعة سلبيات أيضاً، فلا تبدو دقة التصوير مُرضِية بالكامل ولا تتّضح حالة الأستاذ بالشكل المطلوب دوماً. يقدم غاي بيرس وبيرس بروسنان وميني درايفر أفضل ما لديهم بالمادة التي يملكونها، لكن لا مفر من أن نشعر بأنهم يكبتون جزءاً من مواهبهم، وكأنهم لا يستعرضون كامل قدراتهم على الشاشة. في المقابل، تقدم ألكسندرا شيب أقوى أداء على الإطلاق، فتعطي ثقتها بنفسها وتلقائيتها ثقلاً إضافياً لشخصيتها الثانوية. كذلك، تتّضح لكنة بروسنان الأيرلندية من وقتٍ لآخر، لكن قد لا ينزعج الجميع من هذه الملاحظة. في مطلق الأحوال، ثمة تناغم واضح بين غاي بيرس وبروسنان ويحافظ الممثلان على التشويق الذي تتطلبه القصة طوال الفيلم.

في النهاية، يبقى Spinning Man عملاً متماسكاً بما يكفي، لكن لا داعي لمشاهدته بشكلٍ عاجل، بل يكفي أن نستأجره في مرحلة معينة ونشاهده في أوقات فراغنا. المفهوم الأساسي مثير للاهتمام والقصة جيدة لكنّ الإنتاج لا يرقى إلى مستواهما في أي لحظة. تتعلق الفكرة المحورية بكل بساطة بقدرة الإنسان على التعامل مع أخطائه أكثر من أي شيء آخر، لذا يصعب أن نوصي جميع الناس بهذا الفيلم، إذ من الأفضل أن يشاهدوا Memento (التذكار) الذي يتناول موضوعاً مشابهاً وهو من بطولة غاي بيرس أيضاً ويتفوق عليه بأشواط.


MISS 3